أصبحت مخاوف النقابات في تزايد من شروع الحكومة في تطبيق مشروع إصلاح التقاعد، دون الرجوع إلى موقفها بشأنه. وأعلن بلاغ صادر عن التنسيق النقابي الثلاثي (الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل (جناح عبد الرحمان العزوزي)، عن رفضه لكل القرارات الحكومية «المتخذة بعيدا عن طاولة الحوار الاجتماعي». واجتمع قادة هذه النقابات يوم 28 يوليوز، عقب «صدور تصريحات يستشف منها أن الحكومة ستشرع في تنفيذ تصورها بشأن إصلاح التقاعد بشكل أحادي ودون العودة إلى النقابات»، كما قال عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام لFDT في تصريح ل»اليوم24». ويظهر أن خطط الحكومة جدية في الشروع في تنفيذ تصورها بشأن التقاعد، إذ قال مصدر مسؤول من رئاسة الحكومة ل»أخبار اليوم» إن «النقابات لم تسع طيلة فترة التفاوض بينها وبين الحكومة سوى لتأخير الإصلاح، ولم تقدم أي بديل عملي، ولذلك قررت الحكومة أن تصرف النظر عن الاستمرار في هذه المفاوضات، وستحيل مشروع قانون إصلاح التقاعد على البرلمان في دورته الخريفية هذا العام». وقررت النقابات بعث مذكرة ل»كافة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين»، استباقا لأي «إحالة للحكومة لمشروع التقاعد على البرلمان»، وذكر بلاغ صادر عنها أن المذكرة تهدف إلى «رفع كل الالتباسات والمغالطات ذات الصلة بالحوار الاجتماعي». ورفضت النقابات طيلة مرحلة المشاورات مع الحكومة التصور المعروض عليها بشأن إصلاح التقاعد، وكانت تطلب، بدل ذلك، أن يكون الإصلاح شموليا، وقال محمد نوبير الأموي، الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في تصريح ل»أخبار اليوم» إن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤوليتها في سعيها نحو إقرار إصلاح يهم المجتمع ككل، دون أن تأخذ في عين الاعتبار مواقف الأطراف المتعددة»، منبها إلى أن «ما حدث لم يكن البتة مفاوضة جماعية بين الحكومة والنقابات، وإنما مجرد جلسات تنطوي على كثير من التربص والاستغفال»، ولذلك، فإن «قررت الحكومة الشروع في تنفيذ الإصلاح دون الاكتراث بمواقف النقابات، معناه أنها تضع نفسها في مواجهة كل الاحتمالات»، بحسب الأموي، متوقعا أن «تسوء الأوضاع كثيرا عقب إدراج مشروع الإصلاح للمناقشة في البرلمان». وبالرغم من أن النقابيين يعتقدون أن الحكومة «كانت تماطلهم فحسب، فيما هي قد حسمت أمرها منذ اليوم الأول بشأن التصور القابل للتنفيذ لإصلاح التقاعد»، كما يؤكد الأموي، إلا أن رئاسة الحكومة ترى، كما يقول مسؤول فيها، أن النقابات «قدمت تصورا هزيلا، ولا يصلح حتى للمناقشة بشأن إصلاح التقاعد، وكل ما يعرضونه يتلخص في قبولهم للزيادة في نسبة الاقتطاع لصالح صندوق التقاعد، بشرط الزيادة في أجور الموظفين، وهذه دائرة تفرغ الإصلاح من أي مضمون». وبخصوص الجدولة الزمنية لتنفيذ الإصلاح، قال المصدر ذاته: «إن الخطة هي أن يحال مشروع الإصلاح على البرلمان في دورته الخريفية المقبلة، وستستغرق مسطرة المصادقة بعض الوقت، لكن نتوقع أنه مع نهاية الدورة نفسها سيكون المشروع قد تم إقراره، وسنشرع حينها في مسطرة التنفيذ، وسيأخذ ذلك بعض الوقت أيضا، ربما حوالي 6 شهور، وسيظهر أثر القانون على كشوفات الموظفين في يوليوز 2016 على أقصى تقدير». ولم يجد المسؤول سببا يدعو رئاسة الحكومة إلى فتح باب المفاوضات مرة أخرى مع النقابات. وبحسبه، فإن «النقابات قدمت كل ما لديها، وأخذت أفكارها في عين الاعتبار، ولكن الدور هذه المرة على الحكومة كي تشرع في التنفيذ.. إننا متأخرون كثيرا». وقلل المصدر من تأثير الضغوط التي يمكن أن تمارسها النقابات على بعض الأطراف لتأجيل عرض مشروع قانون الإصلاح على البرلمان، موضحا أن» آخر نافذة زمنية لتطبيق المشروع هي الدورة الخريفية للبرلمان هذا العام، وإلا فإن تأخير عرضه إلى الدورة الربيعية لعام 2016 معناه أن يوكل لحكومة أخرى مهمة تنفيذه وهذا خطأ، وبالتالي لا يرد في أجندة رئاسة الحكومة حاليا». وبينما تتجه الحكومة نحو تنفيذ مشروعها لإصلاح التقاعد هذا العام، بما يشمله من رفع لسن التقاعد، وتوسيع لنسبة الاقتطاع، ومراجعة معدل التعويض، فإن النقابات، باستثناء الاتحاد الوطني للشغل، «لن تأخذ عطلتها هذا الصيف كي تحرص على تتبع الخطط التي تدار من لدن الحكومة»، بحسب عبارة العزوزي. وترى النقابات الثلاث «أن التغييب الإرادي الحكومي للحوار الاجتماعي يعد مؤشرا خطيرا يجب مجابهته، لأنه تعبير موضوعي عن بروز نزعة استبدادية جديدة صاعدة تهدد الاستقرار». وكانت النقابات تعول على تشكيل لجنة مشتركة بينها وبين رئاسة الحكومة لمناقشة مضامين إصلاح التقاعد، لكن رئيس الحكومة «لم يطبق ذلك رغم تعهده بتشكيلها في أقرب الأوقات»، كما يقول العزوزي، مستدركا أن «بنكيران، بدل ذلك، أعلن عن توجهه نحو تنفيذ تصوره للإصلاح دون الاهتمام بالنقابات، وهذه نزعة غير سليمة، وتعرض السلم الاجتماعي لضربة موجعة». وحتى الآن، لم تحدد النقابات كيفية مواجهة قرار الحكومة، وقال الأموي «إن رئيس الحكومة يجب أن يتوقع كل شيء..حتى الفوضى نفسها، وعلى جميع المعنيين تحمل مسؤوليتهم».