انطلقت مساء أول أمس، بمكتبة بندر بن سلطان، الندوة الثانية ضمن فعاليات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، وهي بعنوان: «الإعلام العربي في عصر الإعلام الرقمي». إذ تناول المشاركون في الجلسة الافتتاحية والجلسة الأولى، إكراهات وتحديات الدخول إلى عصر الرقمنة في التجربة الإعلامية العربية. في مستهل حديثه في ندوة: «الإعلام العربي في عصر الإعلام العربي» بأصيلة، وصف مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، الإعلام الرقمي بكونه فرصة لتعزيز الحرية في المغرب. لكنه دعا إلى ضرورة تجاوز النظرة المتوجسة إلى هذه الممارسة الإعلامية الجديدة، مشيرا إلى أنها أصبحت تمثل ظاهرة متعددة الأبعاد خرجت من رحم الإعلام التقليدي نفسه. وقال الخلفي، الذي تحدث مساء أول أمس في افتتاح الندوة الثانية لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية لموسم أصيلة الثقافي، إن الصحافة الورقية لن تموت، مثلما يروج كثيرون. إذ اعتبر أن الصحافة الورقية تتمتع بخصوصيات معينة، مثل الخط التحريري، تجعلها عصية عن التجاوز. وفي المقابل، تنبأ وزير الاتصال بقرب ظهور إعلام متعدد المنصات والوسائط، يتكامل فيه الورقي والسمعي البصري والرقمي والشبكات الاجتماعية. من جهة أخرى، قدم الخلفي حصيلة تطور المجال الرقمي في المغرب خلال السنوات القليلة الماضية. إذ كشف على سبيل المثال أن عدد المشاركين ارتفع من 4 ملايين سنة 2012 إلى أكثر من 10 ملايين اليوم، معتبرا شبكة الإنترنت القوة الدافعة في المغرب اليوم، خاصة بالنسبة إلى الشباب. فضلا عن ذلك، كشف وزير الاتصال عن بعض تفاصيل استراتيجية وزارة الاتصال في هذا المجال، حيث بشّر باعتماد مدونة النشر والصحافة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فضلا عن مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بالقطاع السمعي البصري، والعمل على استقلالية الإعلام وكرامة الصحافيين. كما أشار إلى مكونات أخرى من هذه الاستراتيجية، وهي تتضمن التكوين وتأهيل قدرات الصحافيين، والاستثمار في البنيات التكنولوجية التحتية، والارتقاء بأخلاقيات المهنة من خلال إنشاء مجلس وطني. وفي كلمته الافتتاحية، تساءل محمد بن عيسى، رئيس منتدى أصيلة، عن مدى قدرة الإعلام العربي على اللحاق بركب تطورات الثورة الرقمية المعاصرة ومواكبته لها خلال السنوات المقبلة. إذ اعتبر أن ورش الإعلام يقتضي «توحيد القدرات والموارد البشرية وترشيدها العقلاني، بشحذ الكفاءات الفكرية للانخراط في سيرورة الابتكار والتجاوز، بدءا بالمنظومة القانونية، لتحديد الطريق الذي ينبغي السير فيه لمواكبة ثورة الإعلام الرقمي.» وقال بن عيسى إن مسؤولية تنظيم الحقل الإعلامي تقع على عاتق الدولة والحكومة، والمهنيين أيضا، على أن يحترم التشريع في هذا المجال، حسب رأيه، الحرية الكاملة، وأن يضمن الممارسة الإعلامية من «الفوضى والتسيب والإثارة المجانية». وفي هذا السياق، ميز رئيس منتدى أصيلة بين الحرية والإباحية، معتبرا أن الخط بينهما رفيع جدا، مشيرا إلى أن تقنين المجال لا يروم «الردع والزجر…، وإنما تنظيم للمهنة يتيح للإعلاميين التحرك في الحدود الطبيعية المشروعة». ومن جانبه، أشار الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح، في كلمة ألقيت بالنيابة عنه، إلى أن الإعلام الرقمي لا يعتبر ترفا، بل ضرورة ملحة تساعد على تطوير آلياتها ووسائطها والنهوض بأدائها. كما اعتبر الصباح، الذي اضطر إلى العودة من طريقه إلى أصيلة إلى الكويت بعد علمه بخبر وفاة شقيقة له، أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تشكل «منظومة إعلامية رقمية متكاملة الأركان، من حيث الصورة والكلمة والمؤثر السمعي والبصري». واعتبر الكاتب والباحث سعيد يقطين أن الإعلام الرقمي لا يمثل جزءا من النشر الرقمي فحسب، بل يمثل ثقافة جديدة هي الثقافة الرقمية. كما اعتبر الشباب وقودها الأساسي، موضحا أنها استطاعت أن تدمج جميع العناصر في بوتقة واحدة. ونبه إلى أن العرب مازالوا يتعاملون مع التطورات التكنولوجية كوسيلة فحسب، لا باعتبارها ثقافة. وميز الناقد المغربي بين ثلاثة خصائص تميز الإعلام الرقمي: أولا، الجانب الترابطي باعتباره خاصية من خصائص الفضاء الشبكي، مشيرا إلى أن عنصر الترابط يبقى ضعيفا في الإعلام الرقمي العربي؛ ثانيا، البعد التفاعلي، حيث لا مسافة بين المرسل والمتلقي، وكلاهما يساهم في إنتاج المعرفة؛ ثالثا، تعددية الوسائط واللغات.