استأنفت أشغال الندوة الثانية الكبرى، أول أمس الاثنين، بمكتبة الأمير بندر بن سلطان بمدينة أصيلة، تحت عنوان: «الإعلام العربي في عصر الإعلام الرقمي»، حيث عرفت الجلسة الافتتاحية حضور شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية وازنة، استهلها رئيس منتدى أصيلة، والرئيس الحالي للمجلس البلدي للمدينة، ووزير الثقافة والخارجية السابق محمد بنعيسى بكلمة ترحيبية بالضيوف والحضور، منوها بالشراكة الناجعة بين منتدى أصيلة وبين دولة الكويت، وفي المقدمة وزارة الإعلام والشباب، بعد تقديمه التعازي في وفاة شقيقة الشيخ سلمان حمود الصباح وزير الإعلام لدولة الكويت، كما نوه بنعيسى في كلمة مؤثرة مهداة لذكرى روح الإعلامي محمد العربي المساري، بمجهودات هذا الفقيد، وبما أسداه من خدمات جليلة كوزير سابق للقطاع، وكواحد من خيرة الباحثين والممارسين في حقل الإعلام المغربي والعربي بالإضافة لإسهاماته العميقة من خلال كافة المواقع التي تبوأها إبداعيا وكاتبا ومحللا ونقابيا ومدافعا عن المهنة لأكثر من نصف قرن، معتزا لانتسابه للصحافة، مشيرا إلى أن منتدى أصيلة أقام للراحل تكريما ناجعا وناجحا منذ ثلاث سنوات، أسفر عن إصدار كتاب خاص عن تجربته. كما اعتبر محمد بنعيسى بأن هذه الندوة بمثابة إزاحة الستار الرمزي عن التطورات الهائلة الحاصلة على مدى الأيام في حقل الإعلام في الوطن العربي والظروف القلقة التي تمر بها الأمة العربية، حيث يوظف الإعلام توظيفا مغايرا لا يستقر على حال، وفي هذا السياق ركز محمد بنعيسى على سؤال مدى قدرة الإعلام التقليدي للحاق بالثورة الرقمية. ليختم كلمته بالتركيز على ضرورة الحرية التي اتخذها كشعار عندما أسندت له مسؤولية وزارة الثقافة سابقا، باعتبارها مفتاحا لولوج الإبداع بصفة عامة، مؤكدا على استمراريته في هذه القناعة، مشيرا إلى ضرورة تنظيم مهنة الصحافة والدعوة إلى تحرك الإعلاميين في حدود المهنة في سياقها المشروع بما أنها رحبة وشاسعة. بعده تناول الكلمة مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة للملكة المغربية، ليقدم بدوره التعازي في وفاة شقيقة وزير الإعلام لدولة الكويت الشيخ سلمان حمود الصباح، ليقف عن الرزء الذي حل بنا في فقدان شخصية إعلامية استثنائية من حجم الفقيد محمد العربي المساري، الذي اعتبره مدرسة منذ كان بالنسبة إليه مستشارا دون أن يعلن عن ذلك، ومساعدا في فهم قطاع الإعلام، وعندما قبل بأن يرأس لجنة مدونة الصحافة والنشر، وان يكون عضوا في اللجنة العلمية للمناظرة الوطنية للسينما، وان يقبل رئاسة لجنة اقتراح اختيار مدير المركز السينمائي، منوها بشهامة ومواقف الفقيد محمد العربي المساري. و بعد ذلك اعتبر مصطفى الخلفي في كلمته بأن الاهتمام بالإعلام الرقمي هو تعزيز للحرية، لتجاوز النظرة المتوجسة والمرتابة لهذا النوع من الإعلام الذي ينمو ويتعزز، مع الدعوة للنقاش والتفكير في هذه الظاهرة، باعتبار أن الإعلام الرقمي نموذج نتج ونبع في إطار الإعلام التقليدي، وأن هذا الأخير لن يموت، لكونه إعلام عصي عن التجاوز، لأنه يحافظ على الخط التحريري ويحترم أخلاقيات المهنة، بنزاهة واستقلالية. إلا أن الإعلام الرقمي يضيف مصطفى الخلفي، عرف اهتماما واسعا وصل ذروته في العدد الهائل للمهتمين به، لذلك يقول الخلفي إن هذه الظاهرة تعتبر فرصة وقوة دافعة للتفاعل بسرعة ومرونة واستباقية مع الشباب في الإعلام الرقمي وبالوسائط المرتبطة به، كالشبكات الاجتماعية، التي وصلت إلى عشرة ملايين مشارك بالمغرب، ومن هذه الزاوية اعتبر مصطفى الخلفي بأن الإعلام الرقمي فرصة وليس تهديدا، شريطة أن تقوم هذه المعادلة على الشفافية والمسؤولية والنزاهة، مؤكدا على خلق استراتيجية عبر مدونة عصرية للنشر تقوم على المنظومة القانونية، التي سيتم العمل بها في الأسابيع المقبلة، معلنا موقفه الرافض للمس بكرامة الصحفيين التي جعلها من أوليات اهتماماته كاستراتيجية ثانية. بينما المحور الثالث من هذه الاستراتيجية، يتعلق بالتكوين، وتأهيل القدرات الصحفية، ليخلص للمحور الاستراتيجي الرابع الذي يتناول الاستثمار في البنيات التحتية، ليختم بالمحور الأخير المتعلق بأخلاقيات المهنة. أما الشيخ سلمان حمود الصباح، تمت قراءة كلمته بالنيابة عنه، نظرا للإكراه الذي ذكرناه سابقا، حيث استهل ورقته بتقديم التهاني لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، منوها بالعلاقة الودية التي تربط المغرب بالكويت تاريخيا، وبالمجهودات التي يقوم بها منتدى أصيلة لاختيار هذا النوع من الندوات، خاصة وأن الكويت مدركة لأهمية مواكبة الإعلام الرقمي، باعتبارها تأتي ضمن أكبر خمس دول استخداما لوسائل التواصل الاجتماعية عربيا، مما مكنها من تبني منظومة الإعلام الرقمي، ودعمه بكل الوسائل الممكنة، لبناء تنمية معرفية داعمة للاستقرار، في مواجهة العولمة من جهة، والتصاعد الإرهابي من جهة أخرى، مع العمل على استثمار قدرات الشباب لاستقطابه ومعرفة حاجياته واهتماماته وآماله وطموحه، تحصينا له من الفكر الإرهابي، لتخلص الورقة إلى دعوة المؤسسات الإعلامية الرسمية للقيام بدورها الخاص بالمسؤولية المجتمعية، بتقديم برامج تثقيفية وتربوية خدمة للتوعية بالنسبة للشباب. وختاما، أسندت الكلمة للدكتور فهد العرابي الحارثي، رئيس أسبار للدراسات والبحوث والإعلام بالسعودية، لينوه بمجهودات محمد بنعيسى معتبرا أصيلة مصدر إلهام ثقافي بامتياز، مع تقديم التعازي في حق الإعلامي محمد العربي المساري، وفي شقيقة الشيخ سلمان، ثم تحدث عن تأثيرات الإعلام في الصانع والمصنوع، لذلك جاء الإعلام الرقمي بالتبشير والإعلان بموت النخبة، وأصبح الجميع يشارك في إنتاج المعرفة، وفي إنتاج الإعلام، مما نتج عنه ديموغرافية المعرفة، يضيف فهد الحارثي، بدينامية جعلت الإعلام يخضع لثلاثة عناصر هي السرعة والآنية والتفاعلية، معتبرا أن مداخلته ليست إلا مدخلا إلى طرح أسئلة في انتظار الإجابة عنها من طرف أهل الاختصاص. في الندوة التي قدم لها الأستاذ سعيد يقطين، وقبل أن يعطي الكلمة لأول متدخل، نبه إلى أن الموضوع المطروح لا يمكن أن يحظى بالمكانة التي يستحقها، إلا إذا وضع في سياق الأسرة والمدرسة والسياقات الأخرى التابعة، واعتبر أن الإعلام الرقمي ليس سوى جزء من النشر الرقمي، وأن الثقافة الرقمية، يعتبر من خلالها الإعلام الرقمي مكونا من مكوناتها، الناتجة عن الثورة الجديدة، التي لم نفكر فيها ببعد ثقافي أو سوسيولوجي، لذلك يجب التفكير في هذه الإشكالية، بصوت مرتفع، انطلاقا من ثلاثة عناصر هي الجانب الترابطي، البعد التفاعلي والتعددية على مستوى العلامات والوسائط واللغات. بعد ذلك أعطى الكلمة للمتدخل ماضي عبد الله الخميس من الكويت، ليفسر حالة الإعلام العربي قبل ظهور التكنولوجيا، بعد أن كان هذا الإعلام في نظره، يسير ببطء تحت رعاية مؤسسات حكومية في ظل وجود الإذاعة والتلفزيون، مع تراكم الأزمات التي لخصها في: أزمة التكليف، أزمة الجمهور والتفاعل معه في مقابل ما يوجد الآن، وأزمة المعرفة والحصول على المعلومة، ثم عدم التطور الإعلامي، مضيفا بأن حالة الإعلام أصبحت صعبة في غياب حقوق الملكية، وغياب التنمية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، وللإعلاميين. أما عصام سليمان الموسى من الأردن، فقد تناول بالمقابل، الثورة الرقمية المعاصرة، باعتبارها الثورة الرابعة، بعد اختراع الكتابة، ثم الراديو والتلفزيون، مرجحا بأن التحولات في العالم العربي في هذا المجال سببها تنامي ظهور الفضائيات، ظهور المواقع الإلكترونية، وظهور الصحفي الخفي وظهور مواطنون يبدون الرأي في كل شيء. ثم تحدت المتدخل عن الموضوع من جانبه التقني والعلمي، مع إبداء حلول اقتراحية منها تطوير التعليم، والاستثمار في التكوين الإعلامي وتمكينه من المعرفة، ليكون قائد رأي. أما فيما يخص عبد الخالق العمراوي، فقد اعتبر بأن الموضوع آنيا، وأن الإعلام الرسمي التقليدي ليس بالمفهوم الإديولوجي، هو يؤسس أخباره على أنقاض ما يجري في الإعلام الرقمي، لتخلص الندوة بمداخلتين تناولتا التجربة الشخصية لإعلامية شابة من الكويت ولمؤطرة شابة مغربية خلصت إلى أنها تجد صعوبة في استقطاب الصحفيين المغاربة لأن غالبيتهم لا يرغبون أصلا في التكوين مما يعود على إمكانياتهم المعرفية سلبيا.