ندوة أصيلا «الإعلام العربي في عصرالإعلام الرقمي» قال مصطفى الخلفي وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن من أبرز تجليات التحولات الجارية في مجال الإعلام هو الثورة التكنولوجية الرقمية التي تتعاظم تأثيراتها كل يوم، وأنها إذا كانت تشكل تهديدا، فهي في ذات الوقت تشكل فرصة للتأثير والانتشار للإعلام المستند على التكنولوجيات الحديثة ومن مكوناتها الشبكات الاجتماعية، محركات البحث، المواقع الإلكترونية، البوابات، المدونات، المنصات.... وتحدث الخلفي في تدخله أول أمس الاثنين بأصيلا، في الجلسة الافتتاحية لندوة "الإعلام العربي في عصر الإعلام الرقمي"، المنظمة في إطار فعاليات الدورة السابعة والثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، عن كيفية جعل هذا العالم الرقمي فرصة للتأثير بدل منبع تهديد، لكون المغرب، تعامل منذ 2012 مع التحولات الجارية في الإعلام من خلال إرساء إستراتيجية تحافظ على المكتسبات التي تحققت خلال العقود الماضية والانطلاق مع المقتضيات الدستورية التي أقرها دستور 2011 من أجل استيعاب الثورة التكنولوجية المتصاعدة لترسيخ منظومة إعلامية وطنية، بما يحقق ريادة المشهد الإعلامي الوطني وبما يخدم تثمين الهوية المغربية ويحفز الإبداع ويثمن التعددية والاستقلالية والانفتاح، وذلك عبر الاستثمار الجيد والفعال لثمار الثورة التكنولوجية الجارية. واعتبر الخلفي أن دستور 2011 منح إمكانات متقدمة لتفعيل إستراتيجية لمراجعة المنظومة القانونية لقطاع الاتصال والإعلام ببلادنا، حيث قدم الدستور الجديد إطارا متقدما في مجال النهوض بحرية وتعددية واستقلالية الإعلام من خلال المبادئ والالتزامات الواردة في ديباجته. وأوضح الخلفي بالمناسبة، أن إستراتيجية إصلاح القطاع الإعلامي ببلادنا، تنطلق من إطار مرجعي عام يتمثل في احترام سيادة القوانين المنظمة للقطاع، وتعزيز مبادئ الحرية، والحق في الحصول على المعلومات، وتعزيز تعددية واستقلالية الإعلام، وتقوية مبادئ الحكامة الجيدة والشفافية والنزاهة. وخلص الخلفي في مداخلته تحت عنوان " الإعلام الرقمي : التحديات والنموذج المغربي"، إلى أن مقومات استراتيجية المغرب في مجال الإعلام ترتكز أولا على مجموعة من العناصر، تتعلق أساسا بالإطار القانوني، حيث تم إطلاق عملية إصلاح الإطار القانوني للصحافة واعتماد مدونة حديثة للصحافة والنشر، والمشروع الآن في مراحله النهائية قبل عرضه على مجلس الحكومة، وثانيا إصلاح قطاع الاتصال والإعلام ببلادنا خلال المرحلة الحالية من خلال العمل على تحديث القطاع، في اتجاه تعزيز ضمانات الحرية واستقلالية القطاع، ثم الاشتغال على تعزيز وإرساء آليات الدعم العمومي لقطاع الإعلام ببلادنا، ثم تعميم التكوين واستيعاب مفهوم الصحفي المواطن وتأهيل الموارد البشرية، ثم الاستثمار المسؤول في البنيات التحتية الرقمية والتلفزة الرقمية الأرضية. ومن ضمن المرتكزات الأخرى التي أوردها الخلفي في مداخلته، حماية الصحفيين من الاعتداء وحماية كرامتهم والتعاون بين مختلف المؤسسات من أجل تعزيز ضمانات حماية الصحافيين أثناء مزاولة عملهم الصحفي، منوها بدور النقابة الوطنية للصحافة المغربية وباقي الهيآت المهنية والنقابية في مجال تعزيز حرية الصحافة وتعزيز ضمانات ممارسة الصحافة ببلادنا، ثم حماية حقوق المجتمع، ذلك أن تعزيز ضمانات حرية الصحافة، في نظره، تقتضي العمل على ضمان حق المجتمع في الإخبار من جهة، ومن جهة أخرى ضمان حق المجتمع في تقييم وتتبع المنتوج الإعلامي بكل روافده. واعتبر الخلفي، أن المستقبل اليوم هو للإعلام الرقمي، ذلك أن المغرب في ظرف سنتين (2012-2014)، انتقل فيها عدد المشتركين بالأنترنت من أقل من 4 ملايين مشترك إلى أزيد من 10 ملايين مشترك، فيما يتوقع أن يبلغ هذا الرقم 22 مليون مشترك في أفق 2018". كما أن عدد صفحات فايسبوك المغربية تفوق 9 ملايين صفحة حاليا، 80 في المائة منها صفحات يؤطرها شباب، فيما يتم استهلاك المنتوج الرقمي بصفة مهمة بواسطة الهاتف المتنقل"، كما تشهد بذلك الإحصاءات العالمية. كما تساءل الخلفي عن دور وزارة الاتصال بعد استكمال رؤية الإصلاح وتفعيل كل مقتضيات إستراتيجية الإصلاح التي يتم الاشتغال في إطارها منذ 2012، حيث أجاب بالقول :" الأكيد أن الأدوار التقيلدية في طور الانتهاء، تلك الأدوار التي كانت قائمة على منطق البروباغندا ودور التحكم ووضع الستار الحديدي أمام المجتمع في علاقته بالإعلام. وواهم من يحاول وضع استراتيجية لوضع مثل ذلك الستار الحديدي. الذي من شأنه أن ينمط المجتمع ويغرقه في القضايا الهامشية ويساعد في تفكيك السيادة الوطنية وإحداث اختراقات في هذه الجبهة". ودعا مصطفى الخلفي إلى تجاوز النظرة المتوجسة والمرتابة من إعلام رقمي ينمو ويتعزز، وإلى مراجعة النموذج التفسيري الذي نفكر من خلاله في هذه الظاهرة. مؤكدا على أن الإعلام الورقي عصي على التجاوز حسب أحدث الدراسات، موضحا أن الإعلام الرقمي يكمل الإعلام الورقي وكذا السمعي البصري والشبكات الاجتماعية ومحركات البحث. وشدد الخلفي على أن القوة الدافعة للإعلام الرقمي هو الشباب، وأن التحدي الأساس هو التعامل مع هذا الشباب، مشيرا إلى أن الإعلام الرقمي أنهى مرحلة الاعتدال والوسطية وبدأ مرحلة التطرف، وهو كشاف لقصور السياسات. ومن جهته، قال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن ندوة "الإعلام العربي في عصر الإعلام الرقمي"، حلقة ضمن سلسلة ندوات قاربت الموضوع الإعلامي من جوانبه، ومن بينها ندوة "الإعلام في أفق القرن 21"، وكان ضمن المشاركين فيها الراحل الذي فقده المغرب مؤخرا والخبير العارف المحيط بمجالات الإعلام، الأستاذ محمد العربي المساري رحمه الله. واعتبر بنعيسى أن هذه الندوة بمثابة إزاحة ستار رمزي عن التطورات الهائلة الحاصلة على مدى الأيام في حقل الإعلام في الوطن العربي، في الظروف القلقة التي تمر بها الأمة العربية، حيث يوظف الإعلام توظيفا مغايرا لايستقر على حال. وتساءل بنعيسى عن قدرة الإعلام العربي التقليدي أو الانتقالي على اللحاق بركب الثورة الرقمية. وعند حديثه عن التعاون العربي، أكد بنعيسى على أن ورش الإعلام يوجب على الجميع توحيد القدرات والموارد البشرية وترشيدها العقلاني، بشحذ الكفاءات الفكرية للانخراط في سيرورة الابتكار والتجاوز، بدء بالمنظومة التشريعية، لتحديد الطريق الذي ينبغي السير فيه لمواكبة ثورة الإعلام الرقمي. واعتبر أيضا أن مسؤولية تنظيم الحقل وتأهيله، تقع في المقام الأول على عاتق الدول والحكومات، داعيا الإعلاميين ألايتركوها تشرع بمفردها، بل الدخول معها في حوار هادف مخصب ومساعدتها على التنظيم المتوازن، دون المساس بالحريات، بل بإزاحة ما يحول دون الابتكار الذي لا يعني في جميع البيئات الإعلامية المتقدمة، الفوضى والتسيب والإثارة المجانية. وأشاربالمناسبة إلى أن الخط رفيع بين الحرية والإباحية، وهنا يكمن دور المنظومة القانونية، ليس بغاية الردع والزجر والتقنين المكبل للمواهب، وإنما في نظره، بغاية سن تنظيم للمهنة يتيح للإعلاميين التحرك في الحدود الطبيعية المشروعة وهي رحبة وشاسعة. أما وزير الإعلام الكويتي، الشيخ سلمان الصباح السالم الحمود الصباح، فدعا إلى ضرورة مواكبة عصر الرقمنة لتفعيل دور الإعلام الوطني والقومي في تحقيق عملية حوار إنساني خلاق، لبناء التنمية المعرفية الداعمة لاستقرار الدول والشعوب. وأضاف الوزير الكويتي، في كلمة تليت بالنيابة عنه، أن وجود ما بين 50 و65 في المائة ممن يستخدمون شبكة الأنترنيت، يبحثون عن الأخبار، (55 في المائة منهم من الشباب)، يلقي بالمسؤولية على الإعلام العربي للعمل على استثمار هذا الاهتمام الشبابي بالإعلام الرقمي لاستقطابه وطرح اهتماماته وآماله وطموحاته. وحدد فهد العرابي الحارثي، رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام في مدينة الرياض السعودية، في مداخلة له، مميزات الإعلام الرقمي، في السرعة والآنية والتفاعلية، مشيرا إلى أن "الربيع العربي، بغض النظر عن الموقف منه، هو صناعة للإعلام الرقمي بامتياز"، وأنه من خلال الإعلام الرقمي انتقل العالم "من إعلام السلطة إلى سلطة الإعلام".