رغم تراجع تهريب المواد الغذائية خلال الفترة الأخيرة الذي أخذ يعرف انحصارا واضحا بمدينة وجدة والنواحي لتظافر عدة أسباب، غير أن بعض الأنشطة ورغم ذلك، استرجعت نشاطها السابق، كالمحروقات التي استمرت في التدفق وكسرت الحصار الذي فرضته عليها السلطات الجزائرية. في هذا الروبورطاج تنشر «أخبار اليوم» مجموعة من الأرقام التي ترسم مستقبل هذا النشاط الذي اعتبر لسنوات من ركائز اقتصاد مدينة الألفية. التهريب إلى أين؟ الجميع يتفق على أن سنة 2011 كانت سنة استثنائية بالنسبة إلى التهريب والمهربين على حد سواء، فالتهريب وكما رصد ذلك مرصد مكافحة التهريب التابع لغرفة التجارة والصناعة والخدمات بوجدة في تقاريره السابقة، كان أكثر جرأة وأكثر ظهورا بعد التراجع الذي سجله، خصوصا خلال السنوات الممتدة من 2005 إلى 2010، ومرد الانتعاشة التي عرفها هذا النشاط، وفق المصدر نفسه، هو ظهور الحركة الاحتجاجية أو ما سمي بالربيع العربي. بعد 2011 وبعدما بدأ الربيع العربي في بعض الدول يتحول إلى خريف، بدأت شوكة هذا النشاط تتكسر شيئا فشيئا، إلى أن ظهرت الإجراءات الأمنية التي توجت بمجموعة من التجهيزات الهندسية (الخنادق والسياج) على طرفي الحدود لتعلن بذلك بداية النهاية، لممارسة نشاط التهريب المعيشي، خاصة المتعلق بتهريب المواد الغذائية التي لا توفر هامش ربح جيد. العديد من المتابعين خاضوا في أسباب تراجع تهريب المواد الغذائية أو المواد التي تهرب في نطاق التهريب المعيشي، وقدم كل واحد الأسباب التي يراها منطقية لتراجع هذا النشاط. في هذا السياق يؤكد حسن بشار، المستشار بجماعة وجدة، أن التطور الذي عرفه هذا النشاط هو «تطور سلبي»، ففي بداياته كان يشمل أشياء بسيطة، وكان يقوم به أشخاص بسطاء لكسب قوتهم اليومي، ويشمل بالأساس المواد الغذائية والألبسة، لكن الآن «أصبح التهريب مهنة منظمة تشرف عليها شبكات»، والخطير وفق المتحدث نفسه هو أن التهريب «لم يعد يشمل المواد الغذائية والألبسة التي أصبحت قليلة في السوق الوجدي نظرا إلى ارتفاع أثمانها في بلدان المصدر، وتطور الصناعة الغذائية والنسيجية بالمغرب دون أن ننسى الوعي المتزايد للمستهلك من خطورة هذه المواد»، وهو يقصد بالتحديد تهريب الأدوية، وخاصة الأقراص المهلوسة التي قال بأنها تفتك بالشباب وتنتج عنها الكثير من الجرائم. تطور في الحقيقة يظهر من خلال الأرقام الصادمة التي تكشف عنها بين الفينة والأخرى مصالح الأمن في سياق حربها على «القرقوبي»، والمتعلقة بالأساس بكمية الأقراص المهلوسة المحجوزات، كما حدث في مايو المنصرم، حيث تمكنت المصالح الأمنية من حجز أزيد من 10 ألاف قرص مهلوس (10600)، وهو الأمر الذي يدفع بالعديد من المتابعين إلى الإقرار بتطور التهريب. ففي مقابل التراجع الذي يشهده التهريب المعيشي، هناك تطور في عمل المهربين النشطين في تهريب المواد الأخرى. التهريب في أرقام من خلال الأرقام التي حصلت عليها «24 اليوم» من المقاطعة الجمركية بوجدة (تشمل وجدة، أحفير، ومطار وجدة أنكاد)، يتبين أن شهر يونيو المنصرم سجل 848606 دراهم كقيمة للمحجوزات التي تم ضبطها، إضافة إلى 287350 درهما كقيمة لوسائل نقل هذه البضائع التي تم حجزها هي الأخرى. هذا، ومن خلال الاطلاع على الأرقام المقدمة للنصف الأول من هذه السنة يتضح أن شهر يونيو سجل أقل محجوزات قيمة على الاطلاق رغم أن العمليات التي قامت بها مصالح الجمارك بلغت حوالي 219 عملية. وفق الأرقام ذاتها، فإن شهر مارس الماضي سجل أكبر عدد من العمليات التي نفذتها مصالح الجمارك ضد المهربين، حيث بلغت 289 عملية، فيما قيمة البضائع المحجوزة، والتي تتكون من المواد الغذائية والمحروقات والسجائر بلغت 1,245868 درهما، و بلغت قيمة وسائل النقل المحجوزة التي استعملت لنقل هذه البضائع ما قيمته 770360 درهما. ورغم أن شهر يناير سجل أقل عدد من العمليات التي قادتها المصالح المذكورة ب165 عملية فقط، إلا أن قيمة المحجوزات كانت أكبر، حيث بلغت قيمتها بالنسبة إلى البضائع ما مجموعه 1,986601 مليون درهم، فيما بلغت قيمة السيارات المستعملة في التهريب التي تم حجزها 618541 درهما. أما في شهر فبراير فقد تمكنت المصالح المعنية انطلاقا من 174 عملية، من حجز بضائع بقيمة 1,180494 مليون درهم، فيما سجلت قيمة السيارات المحجوزة حوالي مليون درهم، وبالتحديد 966400 درهم. وخلال الفترة الربيعية من السنة الجارية يتضح من خلال الأرقام نفسها، بأن مصالح الجمارك بالمقاطعة الجمركية لوجدة تمكنت في شهر أبريل القيام ب 203 عملية، حجزت خلالها بضائع مختلفة بقيمة 1,972452 درهما، في حين بلغت قيمة وسائل النقل المحجوزة المستعملة في هذه العمليات 947414 درهما، أما عدد العمليات في الشهر الموالي (ماي) فلم يختلف كثيرا عن الشهر الذي سبقه، إذ نفذت مصالح الجمارك خلال هذا الشهر 213 عملية، أسفرت عن حجز بضائع بقيمة 1,883830 درهما، أما قيمة وسائل النقل التي حجزت، والتي استعملت لنقل هذه المواد فقد بلغت قيمتها 1,138022 درهما، وبلغت في المجموع العمليات التي نفذتها مصالح المقاطعة الجمركية لوجدة خلال النصف الأول من هذه السنة 1272 عملية، حجزت خلالها بضائع بقيمة 9,117847 درهما، فيما بلغت قيمة المركبات المحجوزة 4,728087 درهما. السجائر..التجارة الآتية بقوة منذ شهر تقريبا شنت المصالح الأمنية بمدينة وجدة حملة واسعة على بائعي السجائر بالتقسيط، وهذه الحملة في الحقيقة لم تكن سوى جزء من حملة كبرى تشنها مختلف المصالح الأمنية على تجارة السجائر المهربة التي تشكل تهديدا حقيقيا للاقتصاد الوطني، بالنظر إلى حجم الاستهلاك واتساع الرقعة الجغرافية لمستهلكي هذا النوع من السجائر. ما يجعل من هذه التجارة تقدم نفسها على أنها البديل للتهريب المعيشي وفق البعض، هو حجم العمليات التي تقوم بها المصالح المختصة، ففي ظرف أيام مثلا تمكنت فرقة الدراجين التابعة للقيادة الإقليمية للدرك الملكي بتاوريرت، من حجز كميات مهمة من علب السجائر المهربة وصفت بالقياسية، خلال عمليتين فقط، حيث أسفرت إحداها عن حجز حوالي 5900 علبة، بالطريق السيار الرابط بين وجدة وفاس، على متن سيارة خفيفة، وقبلها ببضعة أيام تمكنت العناصر ذاتها من حجز سيارتين تحملان لوحات ترقيم أجنبية مزورة على متنهما حوالي 17500 علبة سجائر من مختلف الأنواع، كانت معدة للتهريب، لترتفع حصيلة المحجوزات من السجائر المهربة خلال فترة وجيزة فقط، بهذه المناطق إلى أكثر من 23400 علبة سجائر. عمليات الحجز هذه تأتي بالتزامن مع كشف نتائج الدراسة الميدانية التي أنجزتها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بشراكة مع الفاعلين بقطاع التبغ، والتي أكدت أن النسبة المائوية لتهريب السجائر على المستوى الوطني، وصلت إلى 14.02 في المائة خلال الفترة الممتدة من 30 مارس إلى 19 أبريل الماضيين. ومما يجعل منها تجارة مربحة، رغم الزيادات في الأسعار التي سجلتها في الفترة الأخيرة، هو فارق الثمن الذي يبقى كبيرا ويتجاوز في بعض الحالات 50% بالمقارنة مع السجائر التي تباع بشكل قانوني. المحروقات.. تجارة لا تموت وفق عدد من العاملين في مجال تهريب المحروقات من الجارة الجزائر، فإن هذا النشاط بعدما شهد في السنتين الماضيتين حصارا كبيرا من طرف السلطات الجزائرية بالخصوص، عاد خلال هذه الفترة إلى حالته الطبيعية أي إلى وضعه قبل سنتين على الأقل، وهذا ما تؤكده الأسعار، وأيضا من تمكن العاملين في ممارسة نشاط التهريب من منافذ ظلت خلال الفترة الماضية «مغلقة» في وجه هذه الحركة «الأمور عادية وحركة تهريب المحروقات في حالة طبيعية»، يقول أحدهم من منطقة (العالب) في رد على سؤال ل« اليوم24» حول وضع هذا النشاط بالمنطقة التي يمارس منها نشاطه.