52 في المائة من التراب المغربي تشرف عليها إدارة جمارك واحدة وتغطيها ولاية أمن واحدة. هذا ما يحدث في الصحراء المغربية. خلاء فسيح تجري فيه أكثر عمليات التهريب تعقيدا. أسلحة وسجائر، مخدرات ومواد مدعمة، وقود وأشياء أخرى... عمليات ضخمة تُطيح برؤوس جنود ورجال أمن وتُكبّد خزينة الدولة تسعة مليارات سنويا. «المساء» انتقلت إلى الجنوب، التقت مسؤولين جمركيين وأمنيين وعارفين بخبايا التهريب في الصحراء. من خلال التحقيق التالي، نكشف أسرار عمليات التهريب الداخلي والخارجي في الصحراء وننشر حقائقَ صادمةً عن تورُّط رجال جيش وسلطة مغاربة وكذا عناصر من البوليساريو والمينورسو في هذه العمليات، بآخر الأرقام والصور.
أرقام صادمة وجديدة عن التهريب في الصحراء تمكنت «المساء» من الحصول على أرقام جديدة، تخُص سنتي 2010 و2011، تكشف حقيقة مختلف نشاطات التهريب في الصحراء المغربية. تميط هذه الأرقام، التي تخص إدارة الجمارك في جهة الجنوب، اللثام عن عمليات تهريب كبرى، تشمل المواد المدعمة والمحروقات والمخدرات ومواد أخرى، داخل التراب الوطني وعبر الحدود: 3.5 ملايين درهم: قيمة السلع التي تمكّنت مصالح الجمارك من حجزها. 2. 2 مليون درهم: قيمة وسائل النقل التي تم حجزها خلال عمليات تهريب. 4.28 ملايين وحدة: مجموع السجائر التي تم حجزها في سنة 2010، في الوقت الذي بلغت محجوزات الستة أشهر الأولى من سنة 2011 الجارية 0.02 مليون وحدة. 7.57 ملايين درهم: قيمة المحجوزات من المخدرات لسنة 2011، حتى الآن، وقد بلغت قيمة هذه المحجوزات 757 كيلوغراما، بينما قُدِّرت قيمة المحجوزات في سنة 2010 ب6.5 ملايين درهم، بعد حجز 655 كيلوغراما من المخدرات. 1.8 مليون درهم: مجموع الغرامات المحصَّلة من قِبَل الجمارك في إطار 1478 قضية حجز، بينها 822 انتهت بالصلح و360 قضية عُرِضت على لقضاء. 3 ملايين درهم: قيمة البضائع التي عُرِضت للبيع العلني في 2010، مقابل 0.22 مليون درهم في 2011. 66.5 مليون درهم: قيمة المحجوزات التي ضُبِطت في إطار مكافحة الاتجار الدولي في المخدرات، وبلغت الكميات المحجوزة 6 أطنان و650 كيلوغراما شملت، أساسا، عملية التهريب الشهيرة التي تَورَّط فيها ثمانية عناصر من القوات المساعدة. 13.9 مليون درهم: القيمة المستخلَصة بعد مراجعة قيمة البضائع في الستة أشهر الأولى لسنة 2011، مقابل 14.4 مليون درهم في سنة 2010، وتدخل هذه المستخلَصات ضمن عمليات مواجهة الغش التجاري، الذي يعتبر من «أذكى» طرق التهريب في الجنوب. الأسبوع الأول من شهر شتنبر من السنة الجارية: هرع حوالي 50 جنديا تابعا للقوات الملكية المسلحة إلى منطقة «توكات»، قرب الحزام الأمني. هنا جرت إحدى أكبر عمليات التهريب، بعد أن تَمكّنَ أشخاص، بينهم ابن منتخَب في جهة الصحراء، من اختراق الحزام الأمني وفي حوزتهم طنان من المخدرات. اعتُقِل المهربون وحُجِزت المخدرات وبُوشر التحقيق الذي من المرتقَب أن يطيح برجال جيش وسلطة. خبر مثير، لكنه بدا «مألوفا» عند سكان هذه المنطقة المغربية. فالتهريب هنا صار «حرفة»، وتورط عسكريين ومسؤولين في عمليات التهريب هاته لم يعد «بدعة». ماذا يحدث في منطقة الصحراء المغربية؟ كيف تتم عمليات التهريب هنا؟ مافيات «الزون» تبدو الصحراء أرضا جرداء من عل. بين الكثبان الرملية، خُطّت طرق تنتهي عند امتداد البصر. كان مطار العيون هادئا ذلك المساء. طائرتان تابعتان للبعثة الأممية لحفظ السلام (المينورسو)، عليهما علم أوكرانيا كانتا متوقفتين في المطار. في بهو الفندق يتجول جندي تابع للمينورسو، يوجد بشكل دائم بالمطار. الوضع غير المألوف الذي يُميّز مدينة العيون مختزَل في مطارها. في هذا المكان تجري، أيضا، أكثر عمليات التهريب تعقيدا، وفق ما أسرّ به مصدر مطّلع ل«المساء». يقوم بهذه العمليات وكيل شركة أسفار تُقلّ طائراتها الركاب من العيون إلى جزر لاس بالماس، المقابلة لها، بشكل يومي: «يحتكر هذا الوكيل النقل الجوي إلى لاس بالماس، لكن المثير هو أنه يعمد إلى تهريب الأموال من المغرب إلى الجزيرة، في إطار ما يعرف ب«تجارة الزيتون لكحل»، أي الاتجار في العملة خارج الحدود. وأكد المصدر ذاته ل«المساء» أن صاحب وكالة الأسفار هذه يلجأ إلى التضييق على شركات تُنافسه، حتى يحافظ على نشاطه: «أقدمت ثرية صحراوية على تأسيس شركة لنقل المسافرين من العيون إلى لاس بالماس، لكنه قام بتخفيض سعر رحلاته إلى أقصى حد، ما دفع هذه المستثمِرة إلى إغلاق شركتها ثلاثة أشهر بعد التأسيس»، يشير المصدر نفسه. يحدث هذا في المطار. وسط المدينة لا حرب بين المهربين، خاصة الذين يتاجرون في المواد المدعمة، والتي يتم الحصول عليها من القوات الملكية المسلحة. وسط مدينة العيون، في محيط مدرسة ابتدائية، استقرت مدرعات وسيارات عسكرية وقوات تابعة لما يعرف ب«الريمي»، وهم رجال أمن مُدرَّبون تدريبا عسكريا. هذه السيارات موجودة هنا بشكل دائم بعد أحداث «أكديم إزيك»، غير أن تواجدها في ذلك اليوم كان أكثف وأنشط، والسبب؟ توزيع مواد غذائية مدعمة على سكان العيون. داخل المدرسة، نسوة يفترشن الساحة ورجال اتكؤوا على الجدران اتقاء لحَرّ شمس الصحراء، اللافحة. شخصان، اعتليا طاولات، يناديان على المستفيدين. بجانبهما، شاحنات فيها مواد مدعمة: دقيق وزيت وسكر. «لا تتخذ هذه المواد طريقها إلى المواطنين عادة، فهناك من يتاجرون فيها»، يقول حمود إيكيليد، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في العيون. رافقنا إيكيليد، بعد ذلك، في جولة داخل «سوق الرحيبة»، الواقع خلف هذه المدرسة. تباع هنا نفس المواد المعروضة. كميات كبيرة من أنواع بعينها من الدقيق والزيت. أكثر من ذلك، مواد غذائية مخصصة للجيش الملكي معروضة هنا للبيع. في غالبيتها مسحوق حليب يُستهلَك بشكل كبير من قِبَل الصحراويين. ثمنه هنا 120 درهما. في أسفل العلبة ملصق بالفرنسية يشير إلى أن هذا المنتوج خاص بالقوات المسلحة الملكية. لماذا وكيف تباع هذه المواد هنا؟ الجواب، حسب ما ذكره إيكيليد، هو أن جنودا يقومون ببيعها، كما أن هناك تلاعبات من قِبَل ضباط في الجيش في المواد المخصصة للجنود: «يتم تهريب المواد المدعمة المخصصة للجنود أو التي تكون موجهة للاجئين في العيون عن طريق قيادات عسكرية محلية.. تباع هذه المواد في جل الأسواق الصحراوية، خاصة في سوق الرحيبة وشارع القدس وحي معطى الله»، يردف رئيس فرع جمعية حقوق الإنسان. ويوضح إيكيليد، العارف بخبايا التهريب هنا بالصحراء، أن هذا النشاط قد تزايد عقب أحداث «أكديم إزيك»، والسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية بسبب انحسار الاستثمار، لا يمكن لأجانب، حسبه، وضع أموالهم في منطقة صراع تشتعل كما اشتعلت خلال أحداث العيون. أفرز هذا الوضع، حسب إيكيليد، تفاقما للمشاكل الاجتماعية والبطالة. صار التهريب، تبعا لذلك، المجالَ المُربحَ للعديد من سكان المنطقة. «في مقابل تراجع التهريب البشري، المتمثل في الهجرة السرية، في السنوات الأخيرة، بسبب تأزم الأوضاع الاقتصادية في دول أخرى، تفاقم مشكل تهريب المواد المدعمة. هذا ما يفسر إغراق السوق، هنا وفي أسواق موريتانيا، بمواد مخصصة، أصلا، للسكان للصحراويين»، يستطرد إيكيليد. في العيون، أحياء بعينها فيها مستودعات كبيرة لبيع هذه المواد المدعمة بالجملة. سوق «الدويريات» أشهرها. يحمل السوق اسمَ الحي، الذي هو، في الأصل، مخيم للاجئين الصحراويين الذين تُخصِّص لهم الدولة حصصا من المواد الغذائية المدعمة، وهذه المواد هي التي يعرضها التجار، كما عاينت ذلك «المساء». سيارات رباعية الدفع وشاحنات «بيكوب» محمَّلة بأنواع مختلفة من البضائع الغذائية. سلع أخرى بكميات أكبر فاضت بها جنبات هذه المحلات والتجأ التجار إلى عرضها أمام متاجر من دون خوف من «أعين» الأمن. «الأمر عادي هنا، التجار يبيعون حتى المواد الغذائية المهرَّبة من البوليساريو، والتي تكون، في الأصل، عبارة عن مساعدات دولية»، يكشف مصدر مطّلع ل»المساء». تتبعت «المساء» مسار هذا النشاط التهريبي في مناطق أخرى من الصحراء. حللنا بمدينة السمارة. هنا «قلعة» التهريب في الجنوب. مدينة صغيرة يعتريها خراب، مدخل المدينة مدمَّر. «تراكسات» تزيل زليجا جديدا وُضِع للتو. أول بناء عند مدخل المدينة هو مخيم «الربيب» للاجئين، الذي أقيم سنة 1989. في المدخل، أيضا، توجد قاعدة عسكرية تضم الفوج ال16 لقوات المشاة، فضلا على مخزن المواد الغذائية، المخصصة للجنود في الصحراء كلها. من هنا، «تخرُج» المواد الغذائية التي تُهرَّب وتباع في أرجاء الجنوب والداخل. هذا ما أسرّ به مصدر مسؤول ل«المساء». السمارة عبارة عن خراب. شارع الحسن الثاني، الذي يخترقها وسوق صغير، هما المكانان الوحيدان اللذان يمكن للزائر أن يتجول فيهما. المدينة ثكنة يُعمّرها الجنود والمسؤولون الأمنيون والإداريون المبعَدون والمغضوب عليهم. هكذا اشتهرت هذه المدينة، الواقعة على بعد 54 كيلومترا فقط من الحزام الأمني. شارع الحسن الثاني هو وحده المعبَّد، بقية الأزقة دمار وخراب. «ماء طانطان»، هكذا كُتِب على ظهر شاحنة تحمل صهريجا لبيع ماء يُجلَب ن مدينة طانطان، والسبب تدنّي جودة ماء السمارة، الذي هو، في الأصل، عبارة عن مياه بحر تمّت تحليّتُها. النشاط الوحيد المربح هنا هو بيع المواد التي تُجلَب أو تُهرَّب من جزر لاس بالماس، وهي في الغالب أثواب وعطور وملابس، إضافة إلى الاتجار في مواد «الزون»، المهرَّبة. و«الزون هو المواد الغذائية المدعَمة التي تباع لسكان المخيمات هنا. توزعها الدولة في بداية الشهر على التجار قصد توزيعها على السكان، الذين يتوفرون على بطاقات. في هذاالموعد، يغلق التجار محلاتهم، حتى لا يتمكن السكان المستفيدون من الحصول على الحصص المخصَّصة لهم، ثم يبيعونها، بعد أن ينقضي الأجَل المحدَّد لتوزيعها، قبل أن تُعرَض في أسواق السمارة وطانطان أو تُهرَّب إلى الداخل»، يكشف مصدر مطّلع التقته «المساء» في السمارة. «الشاهد» على هذه العمليات هو انتشار محلات تجارية في شوارع وأزقة السمارة، والتي «أُغرِقت» بمواد غذائية مدعَمة ومُهرَّبة. دقيق ومسحوق حليب، في الغالب. حتى الزيت يُهرَّب إلى الداخل: «ظللت أبحث عن قنينة زيت 5 لترات، جيدة فوجدت واحدة فقط في مدينة السمارة كلها... اشتريتُ القنينة ب70 درهما. الدقيق هنا رديء للغاية»، يقول أحد السكان مع صديق له. «الشاهد» الثاني على تهريب المواد الغذائية المدعمة من السمارة إلى مدن أخرى صادفته «المساء» خلال اليوم ذاته الذي زارت فيه المدينة، ففي يوم الجمعة، 9 شتنبر الماضي، وقعت حادثة سير على الطريق من السمارة إلى طانطان. توجّه عناصر الدرك الملكي إلى مكان الحادث فوجدوا شاحنة مقلوبة فيها كمية كبيرة من المواد الغذائية التي تَبيَّن أن صاحب الشاحنة كان يرغب في تهريبها إلى طانطان، المحسوبة على الأقاليم الشمالية. سماسرة الوقود ليست الأغذية هي المواد المدعمة الوحيدة التي تُلهب سوق التهريب في الجنوب، فنيران هذا النشاط غير الشرعي تشتغل أكثر في هذه المنطقة من المغرب، ويتعلق الأمر بتهريب أنواع البنزين المدعمة، والتي تباع في محطات الجنوب بأقلَّ من 40 في المائة من ثمنها في الداخل. الكازوال، يباع هنا مقابل ستة دراهم فقط للتر، والبنزين يباع بسبعة دراهم. ثمن يغري المهربين باحتراف نقل المحروقات من الجنوب إلى الشمال، للاستفادة من الفرق. يبدأ «الشمال» هنا من طانطان، التي تبعد عن العيون بحوالي 400 كيلومتر. أما الرحلة فتنتهي عند أكادير، التي تعد «مركزا» لبيع المحروقات المُهرَّبة. يباع البنزين الموجود في الصحراء، والمستورَد من أندونيسيا، كما يكشف مصدر «المساء»، في محطات تملكها شركتان اثنتان توزعان الوقود في الصحراء. تستقبل هذه المحطات عشرات سيارات الدفع الرباعي والشاحنات لملئء براميل بالوقود، قصد تهريبها إلى تزنيت وسيدي إفني وأكادير، أساسا، بغرض استعمالها من قِبَل مالكي قوارب الصيد البحري، نظرا إلى انخفاض ثمنها، رغم تدنّي جودتها. وقد أكد محمد حديدان، مدير جمارك جهة الجنوب، ل«المساء» أن حدود مراقبة عمليات تهريب البنزين من هذه المحطات يشمل الجنوب فقط، بينما يكثر في المحطات التي توجد بمحاذاة الشمال، في طانطان وآسا. هنا، يربط المهربون خطوطا طرقية عبر الصحراء لنقل كميات كبيرة من الوقود إلى مدن الداخل، وتتكلف بالمراقبة هنا، حسب حديدان، مصالح الدرك والجمارك في الشمال. في المقابل، ونظرا إلى المراقبة في المعابر الموجودة في الطرق الرابطة بين الجهة الجنوبية وشمالها، يلجأ مهربون إلى ابتكار «حيّل» جديدة للتهريب، من بين هذه الحيل اللجوء إلى وضع أربعة خزانات وقود في شاحنات كبيرة لنقل البضائع وملئها بالكامل. تقوم هذه الشاحنات برحلات يوميا بين مدن الجنوب والشمال لنقل «بضائع»، في الظاهر، غير أن الهدف الأساسي هو تفريغ الخزانات المملوءة بكميات كبيرة من البنزين والكازوال. «بدأنا نفطن إلى حيل هؤلاء المهربين، فعندما نسألهم عن سبب وضع أربعة خزانات وقود وملئها بالكامل، يجيبوننا بأنهم يحتاجون الوقود نظرا إلى قطعهم مسافات طويلة، وبمجرد ما يذكرون هذه الحجة، نتيقّن أنهم مهرّبون، لأن في جميع الطرق الرابطة بين الجهة الجنوبية والداخل العديد من محطات الوقود»، يردف حديدان. في المقابل، أُعطيت تعليمات لأصحاب محطات البنزين بالتقيد بتوزيع كميات معيّنة من البنزين. غير أن المهربين لجؤوا إلى «حيلة» أخرى، تتجلى في التزود من أماكن أخرى غير محطات البنزين، من مخازن بمحاذاة مدينة العيون، تباع فيها مختلف أنواع المحروقات. على بعد 20 كيلومترا من العيون، في الطريق نحو السمارة، تبدأ هذه المخازن في الظهور، تدل عليها علامات من نوع خاص وُضعت في جنبات الطريق، قنينات بنزين معلَّقة فوق عصي، تشير إلى طريق ينتهي ببنايات. هنا يباع البنزين دون مراقبة. يبرر مدير مصلحة الجمارك في الجنوب تزايد نشاط هذه المخازن وعدم خضوعها للمنع أو المراقبة بأن نشاطها عادي، كيف ذلك؟ «تبيع هذه المخازن الوقود للرعاة، الذين يقيمون بعيدا عن المدار الحضري، والذين يصعب عليهم التنقل يوميا إلى العيون أو السمارة من أجل التزود بالوقود، نظرا إلى بعد المسافة، لذلك يُفضّلون التزود بالوقود من هذه المخازن، مع أداء فارق يعادل تقريبا المقابل المالي لرحلة نحو العيون أو السمارة، مقابل التزود بالوقود»، يوضح حديدان. في مقابل هذا النشاط، «العادي»، كما يصفه مدير مصلحة الجمارك، يرتبط تهريب الوقود وتجارته بممارسات غير عادية، كما يظهر. يتعلق الأمر بانتشار أسواق تباع فيها كميات من أنواع الوقود المدعَم، نهارا، ودون منع أو تعرُّض من قِبَل الأمن. أشهر هذه الأسواق، كما تكشف مصادر «المساء»، مكان قرب سوق «أمحيرش» في مدينة كليميم، وآخر في قرى «تيمولاي»، قرب بيزكارن، وأسواق أخرى في «فم الحصن» وعلى طريق آسا وطانطان حتى آيت ملول. تجارة الوقود المدعم والمهرب نحو المناطق الشمالية رائجة، إذن. يتحكم في هذا الرواج، بالأساس، مستثمرون وأصحاب مشاريع كبرى، كما تكشف مصادر «المساء»، فهناك بعض المستثمرين في مجالات الفلاحة والصيد البحري ممن يُلهبون سوق الوقود المُهرَّب، بطلبهم المتزايد عليه، لاستغلاله في أنشطتهم. الأدهى من ذلك هو التجاء شركات تنشط في الدارالبيضاء إلى التزود بالبنزين المهرب. يتمثل ذلك، وفق ما أسرّت به مصادر ل«المساء»، في شركات للنقل الحضري في الدارالبيضاء، عمدت إلى تحديد مدينة العيون كمقر لها ضمن وثائقها، التي تدل على وضعها القانوني، والهدف هو التزود بوقود بثمن أقل واستغلاله في نشاط النقل الحضري. تنقل هذه الشركات بشكل مكثف، وحتى اليوم، ورغم انتهاء رخص بعضها سنة 2009، كميات كبيرة من البنزين من العيون إلى الدارالبيضاء، لمضاعفة أرباحها. نوع آخر من التهريب، يرتبط بالسيارات، منتشر في الجهة الجنوبية، وهو تهريب قطع الغيار من الشمال والجنوب نحو الصحراء. هذا ما كشفت عنه إدارة الجمارك في الجنوب، ضمن معطيات خصّت بها «المساء». تشير هذه المعطيات إلى أن المصالح الجمركية لاحظت ارتفاعا في كميات قِطَع الغيار في الأسواق خلال السنة الجارية. وقد تحركت المصالح ذاتها، والتي تشتغل حسب ما تكشف عنه تداولات سوق التهريب، لتتبع خيوط قطع الغيار هاته وتحديد مصدرها. قاد اقتفاء أثر قطع الغيار هذه إلى نهاية «الخيط»، الموجود قبالة سواحل مدينة طانطان، وبالضبط على متن سفينة تُرِكت بمحاذاة سواحل المدينة، قبل أيام. تسمى هذه الباخرة، كما أوضحت إدارة الجمارك، «السلامة». تحمل علم دولة بنما، وبداخلها 38 سيارة من أنواع مختلفة. تُرِكت الباخرة، المهجورة، هنا لمدة، ما دفع مجهولين إلى التسلل داخلها وسرقتها. كانت أغلب المسروقات قطعَ غيار للسيارات التي كانت تحملها. لكنْ، لماذا تُرِكت هذه الباخرة هنا؟ أوضح مدير مصلحة الجمارك في الجنوب أن هذا الأمر مألوف، على اعتبار أن مالكي بواخر متهالكة وغير صالحة للإبحار يعمدون إلى ترك سفنهم في عرض البحر، قبل أن يُخطروا شركات التأمين، التي توجد غالبا في العاصمة البريطانية لندن، من أجل التدخل لنقلها إلى الرصيف. لا تتمكن شركات التأمين هذه من «زحزحة» هذه البواخر المهترئة، فتضطر إلى تعويض مالكيها، بموجب عقد التأمين، بقيمة هذه البواخر ومحتوياتها... تُكلّف هذه «الحيلة»، على دهاء الملتجئين إليها، إدارة الجمارك في المغرب خسائر مادية كبيرة، وهو ما تمثل في «إغراق» السوق الداخلية بقطع الغيار المهرّبة، فضلا على بنزين تم تهريبه من خزانات سفينة «السلامة». أمر دفع إدارة الجمارك إلى مقاضاة مالك السفينة، الذي اضطر إلى أداء 24 مليون سنتيم لمصلحة الجمارك المغربية و24 مليونا أخرى، بعد نقله محتويات في السفينة إلى سواحل طانطان بدون ترخيص. كما ستقاضي إدارة الجمارك شركة تأمين هذه السفينة، مطالبة ب900 مليون سنتيم، نتيجة الأضرار الناجمة عنها، والمتمثلة في إنعاش سوق التهريب والتجارة غير الشرعية في الجهة الجنوبية وتكبيد الجمارك خسائر كبيرة. هنا تباع الأسلحة أيضا.. كل شيء في الصحراء قابل للتهريب، كما رأينا، بدءا بعُلَب حليب وقطع غيار وانتهاء بأسلحة وذخائر حية وبأطنان من المخدرات، البُنّية والصلبة. هذا ما يكشف عنه آخر تقرير صادر عن منظمة مكافحة الاتجار وتهريب المخدرات، التابعة للأمم المتحدة، برسم سنة 2009. ويكشف التقرير، الذي تتوفر «المساء» على نسخة منه، معطيات خطيرة بشكل التهاب خط الصحراء المغربية بفعل الاتجار الدولي في المخدرات. هذا الاتجار والتهريب تشرفان عليها كبيرة المافيات العالمية، الروسية والإيطالية و«الكورسيكية» الفرنسية، كيف ذلك؟ وكشف التقرير أن هناك شبكات دولية لتهريب المخدرات الصلبة، من كوكايين وهيروين، من دول أمريكا اللاتينية نحو إفريقيا وأوربا وبقية دول العالم. تتفرع الطريق إلى اثنتين: الطريق الفرعية الأولى جوا من دول أمريكا اللاتينية نحو جزر لاس بالماس، المقابلة للسواحل المغربية الجنوبية، ومن تم تُنقَل كميات المخدرات إلى الأراضي المغربية، بحرا أو جوا أيضا، إلى مطارات سرية في المناطق الشمالية، عبر الاستعانة بأباطرة مخدرات في الشمال، والذين يتكلفون، بتنسيق مع المافيا الكورسيكية الفرنسية أو المافيا الإيطالية، خاصة «ندراغيتا»، كما يكشف التقرير الأممي، والتي تتكفل بتهريبها إلى أوربا وتوزيعها هناك. أما الطريق الفرعية الثانية المستغَلّة في تهريب هذه المخدرات فتتجلى في تمرير المخدرات الصلبة إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة موريتانيا ومالي، قبل نقلها، عبر قنوات خاصة، نحو المغرب ومن ثم إلى أوربا. وكشف تقرير الأممالمتحدة الرابط الذي يجمع أباطرة الاتجار في المخدرات في دول إفريقيا جنوب الصحراء والمغرب وأوربا، فخلال سنتي 2007 و2008، ألقي القبض على مهربي مخدرات كبار في موريتانيا والسنغال ومالي. في السنتين ذاتيهما، سقط كبار بارونات المخدرات المغاربة، مثل «النيني» و«اكريحة»، كما سقط أيضا مهربون كبار ينشطون ضمن المافيات الأوربية. ما زال تهريب المخدرات في الصحراء المغربية نشِطاً. هذا ما تكشف عنه أرقام جديدة حصلت عليها «المساء». لكنْ كيف يتم تهريب كميات ضخمة من المخدرات عبر حدود وحزام أمني من المفترَض أن فيهما حراسة مشددة من قِبَل الجيش والدرك الحربي والبحرية الملكية والقوات المساعدة وحتى قوات «المينورسو»؟ تكشف عن الجواب عن هذا السؤال وقائعُ جديدة تتجلى في اعتقال جنود ورجال درك وقوات مساعدة متورطين في السماح لتجار مخدرات بالتهريب عبر الحدود وحتى الحزام الأمني. من بين آخر هؤلاء ثمانية من القوات المساعدة حُوكِموا، قبل أيام، في المحكمة العسكرية من أجل تسهيل مأمورية مهرّبين بإدخال مخدرات عبر الحدود. وقد اعترف المتهمون بأنهم تلقوا مبالغ مالية لا تزيد عن ألفي درهم مقابل هذا العمل... وقد تمت آخر عملية كبيرة لتهريب المخدرات في الصحراء المغربية قبل الأسبوع الذي زارت فيه «المساء» مدينة العيون، أي في بداية شهر شتنبر. قبض الجيش على مهربين في حوزتهم طنان من المخدرات. بين المهربين ابن شخصية «وازنة» في الصحراء. لكنْ كيف يمكن لجنود أن يتمكنوا من تذليل الطريق لمهرّبين؟ هل يحدث ذلك في غفلة من ضباط سامِين في الجيش ومن عناصر الوحدات الحربية الخاصة بالمراقبة؟ سؤال يبقى حبيس جدران المؤسسة العسكرية، العصية على الاختراق. يبدو الجواب عن هذه التساؤلات ذا طابع مُلحّ، خصوصا بعد تمادي المهربين في نشاطهم، من الاتجار في المخدرات والسجائر، إلى تهريب الأسلحة. هذا ما كشفت عنه عملية «أمكالا»، وهي جماعة «خالية» بين السمارةوالعيون، التي كان قد عُثِر فيها على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة الحية، غداة رفض الجزائر مشاركة المغرب في مؤتمر حول مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. تزايد نشاط هذه المافيات بداية من سنة 2007، والسبب تقوي «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وربطه علاقات مع البوليساريو ومع مهرّبي أسلحة ينشُطون في دول جنوب الصحراء. القناة الرئيسية لتهريب هذه الأسلحة إلى المغرب تتم عبر موريتانيا، والتي تضم أسواقا لبيع الأسلحة في مناطق «الزويرات» و«لمغيتي» و«بير أم كرين» و»كابيتان». من هذه المناطق كانت تُجلَب الأسلحة وتُمرَّر عبر معبر «قندهار»، الشهير، وهو عبارة عن 15 كيلومترا من الحدود بين المغرب وموريتانيا، لم يكن خاضعا للمراقبة. «بلال»، رجل موريتاني مُسنّ، هو من كان يراقب هذا المعبر، حسب ما يروي مصدر ل«المساء»، إذ كان مهربون يعمدون إلى وضع أسلحة، بعد إخفائها في علب سجائر ومواد مهربة، لدى بلال، ويسلمونه مبلغا ماليا مقابل حفظ «الأمانة» التي يأتي مهربون مغاربة لأخذها ونقلها إلى المغرب. في السنتين الأخيرتين، تم تشديد المراقبة في هذه النقطة الحدودية، بعد تطوير المراقبة الجمركية في موريتانيا وتكثيف وحدات المراقبة العسكرية والبحرية المغربية، فضلا على تزويد مصلحة الجمارك في منطقة «الكركرات» الحدودية بجهاز «سكانير» متطور». أمر اضطر مُهرّبي الأسلحة إلى تغيير «المسار» والتوجه نحو الحدود الشرقية، حيث تنشط البوليساريو في عمليات تهريب سلع، بينها أسلحة. وقد تأكد هذا المعطى ، قبل أيام، بعد حادث مقتل أربعة مهربين بعد مواجهات بين عناصر من البوليساريو ومهربين ينتمون إلى مالي، إثر خلاف حول «غنائم» عمليات تهريب. كما أكدته عمليات عثور على أسلحة واستعمالها في مدن مغربية عدة، بدءا من العيون، خلال مواجهات «أكديم إزيك»، التي أعادت الجميع إلى نقطة البدء وأظهرت أن «شيئا ما» يحدث على طول الحدود المغربية...
الجيش يتتبع خيوط تهريب الملابس العسكرية ويشدّد مراقبة خياطي البذلة العسكرية السمارة أشبه بثكنة عسكرية كبيرة. جنود الفرقة ال16 للمشاة، الذين توجد قاعدتهم العسكرية في مدخل المدينة، يملؤون المكان. يزاحمون المارة في الشوارع والأسواق، يقتنون «الهْندي» ويُنشّطون تجارات مرتبطة بهم، في مقدمتها خياطة البذل العسكرية. مشهد لا يمكن أن تراه إلا في السمارة: محلات خياطة كتب عليها «خياط عسكري -مدني». بذلات عسكرية معلقة في أرجاء هذه المحلات الصغيرة. المثير أكثر في هذه النشاط هو أنه صار محط أنظار المخابرات المدنية والعسكرية المغربية، والسبب، تهريب بذل عسكرية من هنا إلى منتمين إلى البوليساريو في الداخل والخارج، استعملوها في التّنكُّر لتنفيذ أعمال تخريبية غداة أحداث «أكديم إزيك» في العيون. «هناك بضعة من خياطين «التريي»، أي البذل العسكرية في المدينة، يتكلفون بصنع هذه البذلات، باتفاق مع القوات المسلحة الملكية. منذ أحداث العيون، مُنِع علينا خياطة أو بيع ملابس عسكرية للمدنيين»، يقول خياط علق على باب محله لافتة كُتب عليها: «خياط فاس العلمي، مدني -عسكري». كشف هذا الخياط ل«المساء»، وهو يقنع أحد الزبناء بأن البذلات العسكرية ليست معروضة للبيع للمدنيين، أن جميع خياطي «التريّي» تجمعهم بإدارة الدفاع الوطني اتفاقيات، عبارة عن تراخيص يخيطون بموجبها ملابس للجنود الذين تبلى أو تتمزق ملابسهم العسكرية، شرط أن يُقدّم هؤلاء الجنود للخياطين بطاقات تثبت انتماءهم إلى القوات المسلحة. علق خياط عسكريّ آخر هذا الترخيص في محله، يحمل عنوان «Decision»، محرر باللغة الفرنسية وموقع من طرف جنرال في إدارة الدفاع الوطني، ومؤرخ بسنة 2009، وضمنه تحديد لشروط مزاولة هذه المهنة. يفصل هؤلاء الخياطون هذه البذلات العسكرية مقابل 300 إلى 350 درهما. يحصلون على الأثواب من سوق «درب عمر» في الدارالبيضاء. يبيعون حتى الأحذية العسكرية والنياشين. في خزانة زجاجية في مدخل أحد هذه المحلات، وُضِعت عدة نياشين برتب عسكرية مختلفة، إلى جانب صورة للملك محمد السادس، بزيّ عسكري. «تخصص للعسكريين بذلة واحدة طيلة مدة اشتغالهم في الجيش. تُصنَع هذه البذلات في مصنع خياطة في مكناس في ملكية يهودي. وفي حال كانت هذه البذلات كبيرة الحجم على الجنود أو تقادمت أو تعرضت للتلف والتمزق أو ضاعت أو في حالة فقدان نياشين، يجب على الجندي نفسه شراؤها من ماله الخاص»، يقول أحد الخياطين الذين التقتهم «المساء». أسر الخياط العلمي ل«المساء» أن بعض الجنود كانوا يعمدون إلى بيع بذلاتهم وأحذيتهم العسكرية لتغطية مصاريف معينة، لذلك يضطرون إلى خياطة بذلات جديدة عند خياطي مدينة السمارة. لمن كانت تباع هذه البذل؟ سؤال رفض العلمي الإجابة عنه، طالبا إنهاء المحادثة بطريقة فظة. أثار ارتداء أشخاص قُبِض عليهم خلال أحداث العيون بذلات عسكرية مغربية انتباه القوات الملكية المسلحة. منذ ذلك الحين، تم حظر بيع الخياطين هذه البذلات لأشخاص لا ينتمون إلى الجيش ويُدْلُون ببطاقات تثبت ذلك. أثبتت التحريات أن هذه البذلات التي تباع من قبل الخياطين العسكريين أو حتى تلك التي يبيعها جنود في القوات الملكية المسلحة هُرِّبت إلى البوليساريو قصد الدخول بها، عبر الحزام الأمني، إلى المغرب والتنقل بين المدن الصحراوية بحرية، متخفّين في هذه الأزياء العسكرية. ذهب الأمر إلى أبعدَ من ذلك، فقد أعطيّت تعليمات، بعد «أكديم إزيك»، بإلقاء القبض مع كل مدنيّ يرتدي «التريي» قصد التحقيق معه عن مصدر حصوله على بذلته العسكرية. هذا ما أوضحه أحد الخياطين العسكريين في السمارة، «تمت، قبل شهور، معاقبة جندي برتبة «أجودان» هنا في السمارة، بعدما اعتُقِل قريب له في أكادير وضبط وهو يرتدي بذلة عسكرية، وإثر التحقيق مع هذا القريب، قال إنه حصل عليها من ال«أجودان» في السمارة».
جنود المينورسو يلهبون سوق الخمور المهربة لا يكاد طريق في العيون يخلو من سيارات بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء، ال»مينورسو». في محيط أحد أفخم فنادق العيون، توجد عدة مركبات عليها رموز الأممالمتحدة. في هذا الفندق، ينزل غالبية أعضاء البعثة، من عسكريين وشرطة، منذ تاريخ حلولهم بالصحراء المغربية سنة 1991. وقد اضطر تزايُد عددهم مالك الفندق إلى تشييد بناية أخرى في الفندق، لاحتوائهم. وصل عدد هؤلاء، بعد تمديد مدة تفويضهم في أبريل الماضي، إلى 510، بينهم عسكريون وشرطة وموظفون. ورغم اختلاف جنسياتهم، فقد استطاعوا ربط علاقات مع مواطنين صحراويين، بحكم مكوثهم هنا لمدة خمس سنوات. شملت هذه العلاقات نساء تزوّجوا بهن وأخريات تورطن معهم في فضائح جنسية، فضلا على مُهرِّبين يشتركون معهم في تجارة «منتوجات» من نوع خاص لا يكاد يعثر لها على أثر في أسواق الصحراء المرخص لها: سجائر وخمور ال«مينورسو». يتلقى أعضاء «مينورسو» الأجانب تموينات من أنصبة مقررة ضمن حساب خاص. تشمل هذه التموينات علباً من السجائر والخمور يتوصل بها أعضاء البعثة كل شهر. وبحكم أن عددا كبيرا من هؤلاء الأعضاء لا يدخّنون ولا يشربون الخمر، فإنهم يعمدون إلى بيعها. تتم طريقة البيع، كما كشف مصدر مطّلع، عن طريق تجميع أحد أعضاء البعثة كميات الخمور والسجائر من بقية أعضاء البعثة الذين لا يستعملونها. يقوم هذا الشخص ببيع الكمية التي يتم تجميعها لمهرب يقوم، بدوره، بتوزيعها على تجار الخمور والسجائر بالتقسيط. خمور ال«مينورسو» هي المنتوج المهرب الأكثر طلبا، والسبب أن تجارة الكحول محظورة في الصحراء المغربية من طرف شيوخ القبائل. كما لا تحظى الحانات، بدورها، بترخيص. تباع الخمور فقط للأجانب في مطعم يملكه أجنبي، يوجد في ميناء العيون، فضلا على حانتين في الداخلة. تُهرَّب الخمور المتداوَلة هنا من الأقاليم الشمالية نحو الجنوبية عبر الجزائر أو عن طريق لاس بالماس، لكن الكمية الكبيرة «تفر» من تموينات ال«مينورسو»، التي يسهل الحصول عليها دون التعرض لمضايقات رجال الدرك والجمارك.
في مقر صغير من طابقين في مدينة العيون، تتم المراقبة الجمركية لمساحة 52 في المائة من التراب الوطني. في هذه المنطقة، تجري أخطر أنواع التهريب في المغرب، جوا وبحرا وجوا، بطرق متطورة ووتيرة ومرتفعة تستنفر معها عناصر في الجيش والدرك الحربي والبحرية والجمارك وتورّط آخرين... «المساء» التقت محمد حديدان، مدير مديرية الجمارك في الجنوب، وأجرت معه الحوار التالي، الذي يميط فيه اللثام عن أسرار التهريب في هذه المنطقة
مدير المديرية الجهوية للجمارك في الجنوب يكشف ل«المساء» طرق التهريب التي تعتمد عليها البوليساريو
محمد حديدان: «التهريب في الصحراء يتم عبر معبر «الكركرات» والحدود البرية» - ما هي أنشط عمليات التهريب التي تتم عبر جهة الصحراء المغربية؟ ينقسم التهريب في الجهة الجنوبية إلى ثلاثة أنواع، تهريب للمحروقات وغش تجاري وتهريب عبر الحدود. بالنسبة لإلى تهريب المحروقات، فهو نوع من التهريب نلمسه من خلال المجهودات التي تبذلها مصالح الدرك الملكي في أقاليم جهتي كلميم -السمارة وسوس -ماسة، باعتبار أن الانطلاقة تتم من أقاليم جهة الجنوب في اتجاه الأقاليم الشمالية المحاذية. ويتم تهريب البنزين، عموما، نظرا إلى انخفاض ثمنه في الصحراء، في محطات البنزين على الحدود بين الشمال والجنوب، كما يتم ذلك بإضافة خزانات للوقود على الشاحنات الكبيرة أو بملء خزانات وصحائف محمولة على متن السيارات الخفيفة التي تخترق الفيافي، متملصة من حواجز المراقبة على الطرق، إذ نضبط شاحنات فيها أربعة خزانات وقود كبيرة الحجم، وعندما نستفسر السائقين، يقولون لنا إنهم يضطرون إلى ملئها كاملة بسبب قطعهم مسافات طويلة.. ويكشف هذا «المبرر» أن الغاية الحقيقية من وراء وضع أربعة خزانات وقود هو التهريب، لأن في جميع الطرق محطات توزيع للبنزين. وهناك نشاط آخر غير قانوني يدخل، ضمنيا، في إطار التهريب، ويتعلق الأمر بظاهرة الغش التجاري، والذي يتمثل في الغش في قيمة السلع المستورَدة أو عددها، والتي يكون مصرَّحاً بها لدى مصالح الجمارك. في هذا الصدد، جعلت الإدارة من أولوياتها، خلال سنتي 2010 و2011، التصدي، بحزم، لظاهرة التملص من الرسوم والمكوس، مما نتج عنه، إلى حد الآن، استخلاص حوالي 13.9 مليون درهم بعد مراجعة القيمة خلال ستة أشهر الأولى لسنة 2011، مقابل 14.4 مليون درهم خلال سنة 2010. النوع الثالث من أنشطة التهريب المنتشرة في الصحراء هو التهريب عبر الحدود، وهو ظاهرة معروفة عالميا بين حدود الدول المتجاورة، فهو إما تقليد يدخل في إطار التبادل التجاري على الحدود أو على شكل «استيراد أو تصدير»، بدون تصريح أو خارج مكاتب الجمارك، لسلع مفتقَدة في هذا البلد أو ذاك أو التي يكون فيها الربحُ أوفرَ مقارنة مع السلع التي تؤدى عنهاالرسوم والمكوس المستحَقّة. في جهة الجنوب، يلاحظ أن التهريب «المحترف» يتم عبر نقطتين، الأولى مركز العبور «الكركرات»، على الحدود المغربية -الموريتانية، والثانية في الحدود البرية للجهة من خط حدود الجنوب في إقليم «أوسرد» إلى نقطة الحدود، في شمال السمارة. -تنشط هذه الأنشطة التهريبية التي ذكرت داخل مجال يمثل 52 في المائة من التراب الوطني، وهو مجال اشتغالكم، ألا يطرح ذلك مشكلا في عمليات الحد من التهريب في الجنوب؟ -بالفعل، نعاني مشكل شساعة المجال الترابي للمديرية الجهوية للجنوب، في مقابل قلة عدد أعوان الجمارك، بفعل التقاعد وشح الأعداد الجديدة الموظفة. فشساعة الحدود البرية للجهة، والتي تعادل أزيد من 1000 كيلومتر، تسمح للمُهرِّبين بتسريب سلعهم باستعمال طرق ملتوية ومسالك وعرة أو باستعمال الإبل «المدرَّبة» كوسائل لنقل السلع، وأغلب السلع التي تُهرَّب في هذه الطرق هي السجائر والمخدرات والإبل نفسُها. وفي هذا الصدد، أود أن أنوه بعمل عناصر الجيش الملكي والدرك الحربي والبحرية الملكية، الذين يعملون على التصدي لظاهرة التهريب على الحدود البرية والبحرية، إضافة إلى مهامّهم الأمنية والحمائية للوطن. وقد تكثف عمل هذه الجهات، أساسا، بعد أحداث «أكديم إزيك» في العيون وتهريب أسلحة في منطقة «أمغالا»، حيث تم تشديد المراقبة ومضاعفة نقط المراقبة التابعة للجيش والدرك والبحرية. هذا في ما يخص نشاط التهريب على الحدود البحرية والبرية، أما بالنسبة إلى نقطة العبور «الكركرات»، فبحكم الحركة التجارية اليومية، فإن المصلحة تسجل، أحيانا، محاولات دخول سلع غير مُصرَّح بها، وتضم سجائر وهواتف محمولة وعطورا ومواد استهلاكية، وهي محاولات تتصدى لها المصلحة الجمركية في عين المكان، بمساعدة كل من مصالح الأمن الوطني والدرك الملكي. وتبعا لذلك، فقد تراجع حجم التهريب عبر الحدود كثيرا، مقارنة مع سنتي 2008 و2009، بعد اقتناء إدارة الجمارك جهاز الكشف بالأسلعة السينية (سكانير) الذي جعل بعض محترفي التهريب يمتنعون عن المغامرة بسلعهم، لعلمهم أن الجهاز سوف يكشف عنها، مما تترتب عنه متابعات وغرامات. وهذا لا يعني أن الظاهرة قد انعدمت وإنما قل حجمها وتغيرت طرق الإخفاء والتملص. وقد اضطر هذا الأمر المهرّبين إلى البحث عن منافذ أخرى، وهو ما يفسر ارتفاع وتيرة التهريب وحجز مواد مهربة في الموانئ الكبرى، مثل ميناءي طنجة والدارالبيضاء، إضافة إلى اللجوء إلى التهريب عبر الحدود الشرقية. - هل لجبهة البوليساريو دور في تطور عمليات التهريب في الجنوب؟ من خلال التحريات، بلغ إلى علمنا، من مصادرَ مختلفة، أن بعض عناصر البوليساريو كانت تُوظّف أموالا طائلة في تهريب السجائر نحو المغرب، باستخدام أشخاص عاديين لهم دراية كاملة بالمسالك الصحراوية، إلا أن أجهزة المراقبة على الحدود البرية والبحرية والطرقية تصدّتْ للظاهرة بحزم وشدة، مما كان له أثر على حجم تهريب هذه السجائر، ودليلنا على ذلك هو لجوء ممتهني التهريب إلى مسالكَ أخرى، بعيدا عن الجهة، وطرقا جديدة للتهريب . وقد لاحظنا، أيضا، أن البوليساريو تعمد، أساسا، إلى تهريب نوع من السجائر يسمى «American Legend»، من خلال الاستعانة بأشخاص في الداخل، كما تتم بعض هذه العمليات باستعمال الإبل، التي يتركونها تقطع حقول الألغام، بينما يتجنب المُهرّبون خطر الموت أو القبض عليهم من قِبَل عناصر الجيش. ويستعين بعض المهربين، كذلك، بوسائل تكنولوجية متطورة لتحديد المواقع، مثل «جي بي إر إس»، إضافة إلى لجوئهم إلى تقديم مَبالغ مالية لموريتانيين من أجل العبور بشاحنات التهريب عبر مراكز التفتيش الحدودية، وفي حال القبض على السائقين، لا يكونون هم ضمن المتورطين.