بنكيران ظاهرة سياسية، وآلة تواصلية، وقوة خطابية، وزعامة فرضت نفسها اليوم.. هذه حقائق لا يختلف حولها خصوم بنكيران كما أصدقاؤه.. هو رجل مثير للجدل طبع مرحلة سياسية بأكملها، بما له وما عليه. هو رئيس أول حكومة بعد الدستور الجديد والربيع الجديد والوعود الجديدة بالإصلاح والتغيير… عندما يفرح يطلق نكتا وضحكات لا تخلو من رسائل سياسية. عندما يغضب يخرج أسلحته الثقيلة في وجه خصومه، ويبدأ في إطلاق النار، يتحدث بأكثر من لغة إلا لغة الخشب.. سيرة بنكيران صارت اليوم على كل لسان، فهناك من يحبه وهناك من يكرهه، وهناك من يقف في الوسط بين الحب والكره، يتفق معه ويختلف حسب الظروف والأحوال، لكن الجميع يتابع خطبه، قراراته، معاركه، خرجاته، وحتى صمته صار يؤول اليوم في الساحة السياسية، وتعطى له مبررات ودلالات… للاقتراب أكثر من بنكيران الإنسان، نخصص هذه السلسلة الرمضانية للحديث مع الرجل الثاني في الدولة على لسانه، وبالرجوع إلى ذاكرته هو دون وساطة أو توسط.. بعيدا عن السياسة، قريبا من بنكيران المواطن، والغرض أن نفهم زعيم العدالة والتنمية أكثر، أن نعيد قراءة سيرته، ومراحل تشكل وعيه، وتضاريس الواقع الذي أحاط به. إنها سلسلة للاقتراب أكثر من هذا الذي صار سيرة على كل لسان.. لنتابع… إعداد يونس مسكين إلى جانب إخوته الأشقاء الذين كان عددهم أربعة، يتذكّر عبد الإله بنكيران علاقته بإخوته غير الأشقاء الذين كانوا يكبرونه بفارق كبير في السن، وكانوا، بالتالي، قد انتقلوا إلى مدن أخرى، خاصة الدارالبيضاء، لتدبير تجارتهم. ويتذكّر رئيس الحكومة كيف أن أخويه اللذين انتقلا إلى العاصمة الاقتصادية ونجحا في تجارتهما، كانا يساعدان والده بمبلغ مالي شهري يقدّر ب600 درهم، وهو الدعم الذي استمرّ بعد رحيل الأب واستمرار الأم والزوجة الرابعة للحاج المختار بنكيران في رعاية أبنائها الصغار. «أحد إخوتي هو المرحوم الحاج بنسالم، كان مدرسة متحرّكة، حيث كان الوالد قد أدخله إلى الكتاب لتعلّم القرآن ثم إلى المدرسة لمتابعة دراسته، لكنّه توقّف عند مستوى الرابع ابتدائي، ودخل عالم التجارة مبكّرا، وتربّى مع أحد الرباطيين، وهنا تعلّم منهم أناتهم وخصوصياتهم في السلوك والمعاملة وتدبير الحياة، فانتقل إلى مدينة الدارالبيضاء حيث نجح بشكل كبير في تجارته، أما عن علاقتي به، فيمكنني أن أقول إنه كان يعتني بي كثيرا». بعد وصفه إياه بالمدرسة المتحرّكة، عاد عبد الإله بنكيران ليتذكّر أحد أبلغ الدروس التي تلقاها على يد أخيه الحاج بنسالم، الذي كان من بين ما يديره من أعمال واستثمارات، شركة خاصة بالنقل عبر الحافلات. «كنت برفقته في يوم من الأيام، وهو يتفقّد الحافلات، فإذا بأحد الجباة قد وقع في مشكل مع أحد الركاب. هذا الأخير كان قد اصطدم بباب الحافلة الذي أغلق في لحظة صعود أو نزول الراكب، فاحتجّ على ذلك ليردّ عليه الجابي بقوة قائلا له :«سير لاسورانس تخلصك»، هذه العبارة أثارت غضب الراكب، وتحوّل الأمر إلى مشادة قوية بينهما». يتذكّر بنكيران كيف أن أخاه ورغم كونه من طرف الجابي، إلا أنه وجّه العتاب إليه بسبب تلك العبارة المسيئة التي وجّهها إلى الراكب، «فأعطاني درسا بليغا، حيث لامه كثيرا، ولم يسقط في منطق مناصرة عماله ومستخدمي شركته». آخر ما يتذكّره رئيس الحكومة عن أحد إخوته الكبار، وفاته التي تأثر بها على غرار الفواجع الأخرى التي مرّ بها طيلة حياته، لكن المثير في وفاة الحاج بنسالم، أنه توفّي في اليوم نفسه الذي ستحدث فيه فاجعة وفاة رفيق دربه عبد الله بها، «نعم توفّي في اليوم نفسه، أي 7 أكتوبر من العام 2010، وهو اليوم نفسه الذي توفي فيه سي عبد الله بها، بل إنهما توفيا في الساعة نفسها تقريبا».