عنوان هذه الحلقة: هل كان ما سمي بشيوخ السلفية الجهادية على نسق واحد؟ إذا كانت التجارب الأخرى واضحة في مسارها، جماعات جهادية رفعت السلاح في وجه الحاكم وحاولت اغتياله وزعزعة نظام حكمه، اعتقلت وحوكمت وحبست، وداخل المعتقلات، تبين لها خطأ مسارها، وعدم صواب كثير من تصوراتها وأصولها، فأصدرت مراجعاتها المصححة لأفكارها السابقة والقاطعة معها. الحالة المغربية ليست بهذا الوضوح ولا هذه السلاسة في الطرح، حالة غامضة يشتبك فيها ما هو فكري مع ما هو قانوني مع ما هو سياسي، فكما سبقت الاشارة إليه آنفا، لم يكن للتيار الجهادي تنظيم ولا جماعات مسلحة، كان حالة من الفوضى اللامتناهية، لا يضبطهم فكر موحد، ولا قيادة مرجعية، ولا أدبيات مجمع عليها، ولا مرتكزات مشتركة، كانوا بين مشرق ومغرب ، لا يوحدهم إلا تعاطفهم مع التيارات الجهادية العالمية، وموقفهم من الأنظمة، وما عدا هاتين النقطتين سلاسل من الخلافات والاختلافات ، وانقسامات بالجملة في التصورات والمسارات. فهل كان ما سمي وقتها بشيوخ السلفية الجهادية يمثلون التيار الجهادي؟ وهل كانت أفكارهم متناسقة مع منظري التيار الجهادي؟ وهل نظروا لتفجيرات 16 ماي كما كانت التهمة الموجهة لهم؟ وما الذي أهلهم ليصنفوا أمنيا وإعلاميا شيوخ السلفية الجهادية؟ قبل الخوض في الجواب على هذه الأسئلة لابد من الإشارة إلى أنه داخل تيار جهادي فوضوي كما كان عليه الحال عندنا يستطيع المنتمي للتيار بكل سهولة تسلق الدرجات، والانتقال من مرتبة فرد عادي متعاطف إلى درجة شيخ، يكفي أن تكون أكثر اطلاعا من غيرك في بعض الأبواب العقدية، خاصة ما يتعلق بأبواب الإيمان والكفر والحاكمية، ويكفيك من ذلك أن تحفظ بعض ما كتبه أبو قتادة أو المقدسي أو سيد إمام، وبعض ما سطره أبو بصير في رده على الألباني ، لتتصدر المجالس ، ويشار إليك بالبنان، وتسقط عليك ألقاب المشيخة. أما إذا رافق ذلك براعة في الخطابة وجمال في الإلقاء والبيان، مع انتقاء أشد الألفاظ حماسة وأقواها إثارة ودغدغة للعواطف، فذلك التربع على قمة المجد و أعلى درجات الزعامة. ولهذا تعدد المنظرون والشيوخ والزعماء، على اختلاف مستوياتهم، وتمايز مداركهم، وتعدد مشاربهم، من مسه الاعتقال ومن حام حوله ومن فاته، من كتب ومن لم يكتب، من عرفه الإعلام ومن لم يعرفه. والذي يعنيني هنا تجربتي الذاتية أولا، ومن كان معي من المعتقلين ممن أطلق عليهم إعلاميا: شيوخ السلفية الجهادية، وهم : محمد الفزازي، عمر الحدوشي ، حسن الكتاني، عبد الكريم الشاذلي، زكريا الميلودي، وعبد ربه محمد عبد الوهاب رفيقي. لا يمكن الحديث عن اعتقال هؤلاء الستة دون الحديث عن مساراتهم المختلفة قبل ذلك الاعتقال، خاصة وأن اعتقالهم جملة واحدة وحشرهم في مسار واحد رغما عنهم، جعل البعض يعتقد تجانس أفكارهم، ووحدة مسارهم، واتفاق تصوراتهم، وهو أمر مخالف للحقيقة والواقع. فحتى من الناحية العمرية ، وهذا معطى أساسي في تحليل أي شخصية أو مسار أو موقف، ليسو من نفس الجيل ولا من نفس الفئة العمرية، وفي أفضل الأحوال يمكن تقسيمه لجيلين، جيل الشيخ الفزازي والشاذلي والميلودي، وجيل الثلاثة الباقين، فلا يمكن مقارنة هؤلاء الذين ولدو زمن الخمسينات والستينات (الفزازي 1949 الشاذلي 1960الميلودي نفس العمر تقريبا)، بمن ولد زمن السبعينات من القرن الماضي، (الحدوشي 1970 الكتاني1972 رفيقي 1974)، ويظهر أثر اختلاف هذه الأعمار بحسابها زمن الاعتقال عام 2003، فليس من كان عمره وقتئذ مجاوزا للخمسين كمن لم يصل بعد حد الثلاثين. وليس من كان حديث عهد بالخروج إلى الناس، بما يرافق ذلك من حرارة الانطلاق ،وحماسة الطرح، وصدق اللهجة، دون مراعاة للسياق ولا للعواقب ، كمن كان في سن الحكمة والنضج والمراعاة للواقع دون تهور أو حماسة زائدة، وأمضى عشرات السنين داعية ومحاضرا وكاتبا. وحتي مسارات التعلم تختلف اختلافا كليا ، بين مزاوج بين الدراسة النظامية والشرعية، وبين مكتف بأحدهما دون الأخرى ، وبين من لم ينخرط يوما في أي سلك من هذه الأسلاك. وهكذا يجري الخلاف بين هذه الأسماء على مستويات مختلفة، كالمحاضن وطريقة التربية والمستوى الاجتماعي والمحيط والعلاقات ، مما سيكون له أثر في ما سيقع من الأحداث خاصة ما تعلق منها بموضوع المراجعات. في الحلقات القادمة بإذن الله نتحدث عن مواضع الاتفاق والاختلاف في أفكار هؤلاء المشايخ قبل الاعتقال، وما وحدها زمن الاعتقال ثم فرقها بعد ذلك.