اعتاده القراء والباحثون أستاذا أكاديميا متخصصا في أكثر المواضيع حساسية وتعقيدا. يطرح الأسئلة المقلقة، ويسائل التاريخ البعيد والقريب من زاوية الأنتربولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ، وهو المنطلق من تخصص اقتصادي. كتب عن «العبد والرعية» في أحد أشهر كتبه، وأشرف على كتاب نشره مجلس الجالية المغربية في الخارج يشرح معاني أسماء الله الحسنى ويكشف جماليتها. شرّح «المخزن» في منطقة سوس الأقصى، ووضع العبودية تحت المجهر في علاقتها بالإسلام. هو حاليا أحد أكثر الكتاب والمفكّرين نشاطا وحضورا في الشبكات الاجتماعية، في تدوينات شبه يومية تعلّق وتنتقد وتفسّر. هذا الركن فسحة جديدة ل«تدوينات» مختلفة، ترصد تحوّلات الواقع بعين محمد الناجي. أريد بناء هوية جديدة، هوية تسمح لي بالمضي قدماً. أنا لا أسعى لتلميع هويتي القديمة، بعدما أضحى جزء منها متجاوزاً يتآكله الزمن، فنفسي تلتهب بجذوة رغبة جامحة تحفزني لجعل هويتي ثائرة ومتحولة وزئبقية، لتصبح سلاحا يمكنني من فتح أبواب التحديث والديمقراطية. فهي هوية لا تحدد انتمائي القبلي، هوية توسع أفقي ليتجاوز جغرافية أرضي وبلدي، هوية تجد جذورها العميقة هناك حيث أدركت معالم فردانيتي، سأحتفظ بكل ما هو جميل وأصيل، وبكل ما هو أكيد، وبكل ما كانت له القدرة على مقاومة عوامل التلف التي سببتها نوائب الدهر، أي بكل ما يقبل التصحيح والمراجعة لمواجهة الاختلاف. أريدها هوية على مقاس العالم تتشرب كل الفلسفات المتنورة، وتحمل بصمات كل الثورات التي وقعت من أجل تحرير الإنسان من رواسب الظلام ومن قيود الاستغلال، مع الحفاظ على النكهة الخاصة بأرضي، وعلى نفَسِها وعبيرها وعلى الروابط العميقة التي نسجت حولها. أنا لا أحمل عبئا يرهق كاهلي، ويبدو أنه أثقل من حقيقته الفعلية، ولست متعلّقا بعظمة لم يعد لها وجود إلا في الوهم، أنا لست أندلسيا، ولا أمثل ذلك المزيج الذي ينسب لي في الملابسات العشوائية، ولست منحدرا من إحدى تلك المدن التاريخية التي تدّعي امتلاك رصيد خاص يسمح لها بعبور الأزمان، بينما لا يعدو ذلك مجرد محاولة لاستجلاب اطمئنان ذاتي يخفي التقهقر والضعف. لا، بل أنا أنتمي إلى هذا المغرب العميق الذي يمثله الأغلبية، والذي ظل حاضراً رغم نسيانه الطويل، متجاوزا الغياب الذي يفرض عليه. أنحدر من هذه الأمكنة المتّسمة بقسوة الطبيعة وبالصعوبة المزمنة، هذه الأمكنة التي تعلّمت فيها أشياء كثيرة أتعلّق بها بشدة: كحبّ المقرّبين، والتضحية بالنفس، والجرأة والشجاعة، والتضامن والشرف… إن هذا المغرب المنسي هو الذي بات اليوم مدعوا إلى بناء مغرب الغد، وبدونه لن يتحقق ذلك. هذا المغرب المنسي هو الذي يطرد اليوم السراب والذرائع الواهية، فهو الذي غدا مطالبا بالابتكار، ليس من أجل البقاء كما كان عليه الأمر سابقا، لكن من أجل تحقيق التقدّم. هذا هو المغرب الذي لا تلتبسه العُقَد، ولا يبحث عن زيجات للأقارب، ولا تمسّه عيوب الطمع في المشاركة. إنه المغرب المستعد للمخاطرة، الحامل للقيم الأصيلة، ما يعاكس الفكرة التي ظلت تعطى عنه، وأهم تلك القيم الوفاء والتضحية بالنفس. لقد تبيّن اليوم أنه قد تمّ إيقاف هذا التحوّل، وذلك بتعطيل أكبر محفّز أساسي له، وأعني بذلك المدرسة. هذه البوتقة التي تجتمع فيها كل مكونات الهوية، لقد تم تدميرها وبكل بساطة، وذلك لأن الكواسر الماسكة بالهويات الزائفة القديمة أرادوها كذلك، لكي يتوقف هذا المسار المولّد للتجديد والحداثة التي ينبض من خلالها قلب هويتي القائمة على الحرية، والوعي بعدم الانفصال عن ذاتي. أما هذه الهوية التي يظهرونها اليوم، ويعمدون الى إلصاقها بي، فليست هويتي، وأرفض تزكيتها. هويتي مازالت تحتاج إلى بناء، وأنا في انتظار الحصول على وسائل لفعل ذلك.