«Silencing the Songbird» (إخراس العصفورة المغردة) هو العنوان الإنجليزي الذي أطلقه الكاتب المسرحي بوشعيب الإدريسي على مسرحيته الأولى، التي صدرت في الآونة الأخيرة ضمن منشورات (النورس)، في 133 صفحة من الحجم المتوسط. إذ تتمحور أحداث هذه المسرحية حول الحياة المأساوية التي عاشتها الفنانة الشعبية خربوشة. وقد جاء هذا الاهتمام بمحض الصدفة، بحسب ما قاله مؤلف المسرحية، حيث اعتبر أن خربوشة تمتلك ملامح البطل التراجيدي، على غرار ملوك وأمراء مسرحيات شكسبير، وجورج برنارد شاو أو غيرهما. تستلهم المسرحية مسيرة الفنانة الشعبية حادة الغياتية/ خربوشة، لتستعرض تيمة التمرد على استبداد القياد والولاة في مختلف مناطق المغرب أواخر القرن التاسع عشر، وكذا تمجيد أهمية الفن في المجتمع (الشعر والغناء في حالة خربوشة). إذ تعود المسرحية إلى هذه الفنانة الشعبية، التي عكست في أغانيها ما كان يشعر به أهلها في قبيلة احمر (عبدة) من مهانة وذل ناتجين عن الاستعباد الذي كان يمارسه قائد المنطقة آنذاك عيسى بن عمر. وأمام قوة كلمتها وعمق تأثيرها، قرر هذا القائد إخضاعها لسلطتها من خلال إضافتها إلى حريمه، ومن ثمة إخراس صوت العصفورة المغردة، كما يشير إلى ذلك عنوان المسرحية. يقول الناقد محمد أوجتي إن الفكرة العامة لهذه المسرحية تتلخص في «صراع الفن ضد السلطة، والحق في التعبير الحر، وصراحة النساء ضد هيمنة الذكور، والفقراء ضد الأغنياء، والكبار في مقابل الشباب، والخير ضد الشر، والنبل الإنساني ضد سفالة البشر». وفي الوقت الذي يذكر فيه أوجتي أن كتابا وفنانين آخرين سبق لهم أن استعرضوا حياة الفنانة العبدية الشهيرة في أعمالهم، وآخرها فيلم للمخرج حميد الزوغي، فإنه يقول إن مسرحية الإدريسي تسعى إلى كشف خصائص خفية لم يسبق أن عُولجت في الأعمال المنجزة، أو يقدمها من زاوية مختلفة. لماذا اختار الإدريسي جنس المسرح، لا الرواية، مع العلم أن هذا الجنس يبقى الأقوى في تسليط الضوء على حياة المشاهير؟ يجيب أوجتي أن الكاتب أراد، ربما، أن يستعمل الجنس الأدبي الذي يناسب هذه القصة المأساوية، باعتباره قادرا على إبراز الأبعاد الاجتماعية والثقافية والفنية والفلسفية، التي تعكسها حياة خربوشة. ولا يستبعد الناقد أن يكون الكاتب يرغب في مخاطبة نوعية معينة من القراء باختياره جنس المسرح، بدل الرواية، بل وباختياره اللغة الإنجليزية أيضا. وقد اعتمد بوشعيب الإدريسي في كتابة هذه المسرحية على وثائق تاريخية كتبت حول معاناة حادة الغياتية مع القائد عيسى بن عمر. كما اعتمد على الروايات الشفوية التي يرويها بعض الشيوخ ممن ولدوا في بداية القرن العشرين، أو أبناء المنطقة وحفدتها. لكن اختياره الكتابة عن هذه الشخصية الفنية التاريخية راجع، بالأساس، إلى رغبته الانتقال بها من الطابع المحلي إلى أفق كوني أرحب، بحسب ما صرح به في اتصال ل« اليوم24». يشار إلى أن خربوشة لم تكن مجرد مغنية شعبية، بل زجالة عرفت بقدرتها الهائلة على توظيف الكلمة الشعرية لمواجهة طغاة عصر (السيبة) في منطقة عبدة والمناطق المجاورة لها. كانت امرأة عادية وبسيطة، بحسب ما تفيد به الوثائق المتوفرة عن حياتها، لكنها تميزت بصرامة فريدة في معارضة قواد المخزن آنذاك، الذين لم يكن لهم من همّ سوى تثبيت سلطة المخزن واستنزاف خيرات البلاد وسبي النساء. جدير بالذكر أن أحداث المسرحية تجري داخل قصبة القائد عيسى بن عمر، الواقعة في قبيلة احمر، غرب مدينة مراكش، في مطلع القرن العشرين. أبطالها هم: القائد عيسى بن عمر في الخمسينيات، وقويدر خاد القائد، وعسو مستشاره، وخربوشة وهي في العشرينيات، وحمود ابن القائد وهو، أيضا، في العشرينيات، وأخيرا الخدم والحريم، وأشباح القصبة.