دراسة: ثلث سواحل العالم الرملية أصبحت "صلبة"    طقس الإثنين.. أجواء باردة ونزول أمطار متفرقة ببعض المناطق    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    طقس بارد في العديد من مناطق المملكة اليوم الاثنين    الوداد ينتصر على تواركة بصعوبة    البارصا تكتسح ريال مدريد في جدة    المغرب يتصدر قائمة موردي الفواكه والخضروات إلى إسبانيا لعام 2024    وزير العدل الفرنسي يطالب بإنهاء تنقل المسؤولين الجزائريين بلا تأشيرة    رياض يسعد مدرب كريستال بالاس    بينهم 7 خليجيين.. اعتقال 15 شخصا في فيلا بتهمة الفساد    الحسيمة تستقبل السنة الأمازيغية الجديدة باحتفالات بهيجة    بولعوالي يستعرض علاقة مستشرقين بالعوالم المظلمة للقرصنة والجاسوسية    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو والدولار    من المغرب إلى تركيا وسوريا: سياسات النظام الجزائري التآمرية.. دعم الانفصال واستعداء الجوار    نشرة إنذارية: موجة برد مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    بعد تحقيقه لملايين المشاهدات.. حذف فيلم 'نايضة' لسعيد الناصري من يوتيوب يثير الجدل    "برلمان" الأحرار يؤكد حرصه على مواكبة الورش التشريعي لاصلاح مدونة الأسرة واعتزازه بجهود أخنوش في قيادة الحكومة    جائزة "مغرب الفروسية" تحتفي بالفرسان والفارسات المغاربة المتألقين خلال سنة 2024    جهة الشرق: تدشين خط جوي مباشر بين الناظور والرباط    المملكة السعودية تحض القوى الغربية على رفع العقوبات الدولية عن سوريا    احتواء 11 في المائة من أكبر حريق في لوس أنجلوس    شركة "مناجم" التابعة للهولدينغ الملكي "المدى" تبيع منجم "أمجران" للنحاس بقيمة 30 مليون دولار    5 آلاف شهيد ومفقود في 100 يوم من العدوان الإسرائيلي على شمال غزة    تنصيب رئيس لجنة الطلبيات العمومية    موجة برد قارس تضرب المغرب مع أمطار خفيفة في بعض المناطق    المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يُقصي الريف من احتفال رأس السنة الأمازيغية    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    مغربي يتوج بلقب أفضل أستاذ في العالم في دورة 2024    حزب الاستقلال يطلق أول جيل من المناضلين الرقميين ويتطلع إلى عقد اجتماعي متقدم    برمجة خاصة لإذاعة تطوان الجهوية بمناسبة رأس السنة الأمازيغية الجديدة    بحضور وازن وغفير لعموم المهنيين من مختلف القطاعات والمهن الصحية بتطوان.. هيكلة القطاع الصحي الاتحادي وانتخاب أشرف الجاري منسقا إقليميا    "وحده الحب" فيلم يلقي الضوء على قضية الحدود برؤية سينمائية فريدة    أوروبا التي تشبه قادتها    مدرب الجيش الملكي: التأهل مستحق والفريق يملك هامشا للتطور أكثر    الأردن يسمح بدخول السوريين بالخارج    الجامعة تعلن عن إلغاء السكتيوي معسكر مواليد 2000    مضيان يدعو لاعتماد الحرف العربي في تعلم الأمازيغية إلى جانب تيفيناغ    المغرب يخطط لتوسيع شبكة الطرق السريعة بنسبة 66% بحلول عام 2030    4الفريق الهولندي DCG يعزز الروابط الثقافية والرياضية مع الوطن الأم المغرب    ارتفاع حصيلة القتلى في لوس أنجلوس    خمسة أعداء للبنكرياس .. كيف تضر العادات اليومية بصحتك؟    التطعيم ضد الإنفلونزا في يناير وفبراير .. هل فات الأوان؟    جامعة الركبي تعقد جمعين عامين    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    لقاء تواصلي لنجمي الكرة المغربية عزيز بودربالة وحسن ناظر مع شباب مدينة زاكورة    مقاربة إدارة بايدن في سورية بعد سقوط نظام الأسد    المحلل الفرنسي ناثان ديفير: النظام الجزائري "كوكتيل متفجر" يجمع بين الاستبداد والفشل    مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسودة القانون الجنائي تشعل المواجهة بين الحداثيين والإسلاميين
نشر في اليوم 24 يوم 14 - 05 - 2015

مازالت مسودة القانون الجنائي، التي أعدها وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، تثير الجدل بين معسكرين أساسيين، معسكر يعتبر «محافظا»، فيما الآخر يرفع لواء «الحداثة» وتوسيع مجال الحريات الفردية. «اليوم24» واجهت المعسكرين، في شخص صلاح الوديع، مؤسس حركة ضمير، وعبد الصمد الإدريسي، البرلماني ورئيس جمعية محامي العدالة والتنمية.
الوديع : النظرة الأمنية الارتيابية هي المهيمنة
المدافعون عن مسودة القانون الجنائي يبدؤون دفاعهم بكونها مجرد مسودة، وأن الغرض من أي انتقاد لها هو سياسي، متهمين الرافضين لها بأنهم يتغاضون عن الجوانب الإيجابية لها، وكنتم عبّرتم في حركة ضمير عن رفضكم للمسودة، كيف تردون على هذه الادعاءات؟
سأثير نقطة أولى، وهي الملابسات المحيطة بنشر المسودة. إنها توحي بأن وزارة العدل هي الراعي الوحيد لها، يؤكد ذلك تنصل بعض الوزراء من المسودة، وعدم تعبير أي منهم عن دعمه الواضح لها، وهذا يثير تساؤلا عن سر ذلك. صحيح أن نشرها وتعريضها للنقاش العمومي من الآن يمكن أن يكون فيه بعض الإيجابيات، خصوصا إذا تم الإقرار بذلك، أي بأنها مسودة وزارة العدل لا غير.
أجيب الآن عن سؤالك: أن يقال عن الانتقادات الموجهة للمسودة إنها سياسية فيه محاولة للتغليط أو فهم قاصر لمفهوم السياسة. فأن يكون الانتقاد سياسيا، فهذا تحصيل حاصل، بل وهو مطلوب. الأمر يتعلق بالمضمون الذي يتوجه إليه النقد، والاقتراحات التي تقابله. فلا المسودة منفلتة للسياسة، ولا الرد عليها منفلت لها بدوره. بل إن الأمر في كل مفاصل هذه المرحلة لا يمكن أن يكون إلا سياسيا. والاستمرار في «كيل» هذه التهمة هو تخلف عن المرحلة. هذا أولا.
ثانيا، تشجيع التعبير عن الاختلاف وحماية الحق فيه من صميم الديمقراطية. وبالتالي، على المسؤول المؤسساتي، أي الوزير أو من معه، أن يتحاشى التشنج وأن يسمع لا بأذن الخصم، بل بأذن رجل الدولة الذي يزن في كل خطوة الآراء المعبر عنها كاملة، ويسبر التوجه الحقيقي للمجتمع لا التوجه المتخيَّل…
فيما يتعلق بالجواب عن سؤالكم، فقد اجتمع مكتب حركة ضمير بعد الاستماع إلى اجتهادات باحثين متمكنين من الموضوع، وبعد تسجيل بعض نقاط التجديد الموروثة عن اجتهادات سابقة على الحكومة الحالية، وآخذ المكتب على المسودة المؤاخذات الأولية التالية:
غياب المقاربة الديمقراطية والنظرة الشمولية التي تؤطر المشروع وتربطه بغاياته القصوى في ضمان الحق في الحياة والتمتع بالحقوق والحريات.
بُعد المسودة عن التأويل الديمقراطي للدستور الحالي، إذ مازالت النظرة «التجريمية»هي الأصل، وهي المهيمنة على المشروع، وليس المقاربة المنشغلة بضمان الحقوق والحريات وحمايتها وصونها.
هيمنة النظرة الأمنية الارتيابية الموروثة عن مرحلة الستينيات، والمتجاهلة لكافة المكتسبات التي تحققت بفضل كفاح مستميت طوال عقود.
يواجه من يقف في صف المسودة المنتقدين بأن القول بكون عقوبة الإعدام لا إنسانية هو رؤية تنحاز لجزء من المجتمع، ولكن جبر ضرر الضحية وذويه أيضا مسألة إنسانية، ثم بكون المجتمع مازال في حاجة إلى مثل هذه العقوبات. ما رأيكم؟
دفاعنا عن الحق في الحياة ليس مقرونا حصرا بمعرض رفضنا لحكم الإعدام. الحق في الحياة حق من الحقوق غير القابلة للتصرف في منظومة حقوق الإنسان التي نناضل من أجل احترامها في بعدها الكوني. يواجهنا مناصرو الحكم بالإعدام ببشاعة الجرائم المرتكبة من طرف من «يستحقونه». ويضربون على الوتر الحساس لألم الضحايا. كأن القصاص من المجرم سيعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ونحن، بالمقابل، ندافع عن التشديد في معاقبة مرتكبي جرائم القتل بعقوبات لا تدخل في منطق القصاص، ولا تزهق الأرواح، لكنها تحمي المجتمع فعلا من خطر المجرمين. ويظهر في ردود فعل العديد ممن يستخفون بمعنى الحكم بالمؤبد غير القابل للتخفيض عوض الإعدام، ويظهر أنهم لا يُقدرون ثقل عقوبة المكوث في السجن مدى الحياة، لأنهم لم يلجوا بابه أبدا. وربما تكون عقوبة المؤبد لو فكروا باستقلال عن الإطار الإيديولوجي الذي يكبلهم، وربما كذلك يكون المؤبد أكثر قسوة من القسوة التي يريدون إرفاقها بعملية الإعدام.
إن تنفيذ الحكم بالإعدام عن طريق ضرب الأعناق (السعودية…) أو الشنق (مصر، إيران…) أو دق العنق (إسبانيا سابقا) أو رميا بالرصاص (العديد من دول العالم الثالث) أو الكهرباء أو السم (أمريكا)، لم توقف الجرائم البشعة، ولا خيالات المجرمين المتوحشة أبدا. إنه ليس عقابا أو حماية للمجتمع، بل هو فقط إزهاق للأرواح الذي لا يحمي مجتمعنا، ولا يمنع دوامة العنف من الدوران، والأمثلة في العالم أكثر من أن تحصى. أما في حالتنا، فقد أصبح عبارة عن رافعة لحماية منظومة إيديولوجية يأمل مناصروها في الحكومة أن يرسخوا في الأذهان صورة جبروت الدولة أساسا قبل عدلها..
بخصوص الحريات ومراقبة الفضاء الرقمي، يرى المدافعون عن المسودة أن المواقع قد تصبح أداة للجريمة، ولا يمكن الاحتجاج بالحريات من أجل السماح بتجاوزات قد تكون خطيرة، هل تختلفون مع هذا الطرح؟
نفضل الاستماع إلى اجتهادات الصحافيين وحججهم. على الدولة، وهي محتكرة العنف المشروع والجباية، أن تحارب الجريمة دون المساس بالحريات. وأعتقد أن تقنيات المراقبة والاستباق متوفرة الآن بما يكفي في العالم. الأساسي هو أن نعمل على ضمان التدبير المؤسسي المرتكز للتأويل الديمقراطي لدستور 2011. ها نحن نتكلم في السياسة… وما القانون إلا التركيز على السياسة.
هل تتفقون مع تجريم الإفطار العلني لمن «يعرف عنه الإسلام»، وتشديد العقوبة مقارنة بالقانون السابق، حيث يرى المدافعون أن ذلك ضرورة مجتمعية تنسجم مع الدين المجمع عليه في البلاد، خصوصا وأن التجريم يطول المجاهرين بالإفطار؟
مهمة الدولة الديمقراطية أن تسهر على الضمان الكامل للحق في ممارسة الشعائر الدينية لكل مواطن من مواطنيها، لا إجبارهم على ممارستها. هنا الفرق بين الدولة الديمقراطية والدولة الدينية. سوف لن أتحدث عن المكون اليهودي في الهوية المغربية – وهم مواطنون «كاملون» كغيرهم – كما وردت في الدستور، وأرجئه إلى موعد لاحق. إذا أراد المشروع أن يطبق التصور الديني للدولة، فعليه ألا يتوقف عند صيغة «من يعرف عنه الإسلام»، بل أن يتعداه حتى إلى «من لا يعرف عنه». فطبقا لهذا المنطق، على «من لا يعرف عنه» أن يحترم «من يعرف عنه»، وها قد دخلنا في دوامة لا أفق لها. علينا أن نختار بين أن نقر بالتحولات السوسيولوجية التي عرفها المجتمع وسيعرفها لاحقا، وألا نجعل من وجوب احترامنا للشعائر الدينية مناسبة لاضطهاد من لا يمارسها، وإلا كان علينا أن نجند مجموعات «المطاوعية» لجر الناس إلى المساجد في أوقات الصلاة رغما عنهم كما يقع في بلدان أخرى. فواضعو المسودة يعرفون أن مكانة الصلاة في الشعائر الإسلامية هي في مرتبة أعلى من شعيرة الصيام… فلماذا تغاضوا عنها؟ لقد تعايش المغاربة في ظل «إسلام الأرواح» قرونا بين من يصلي ومن لا يصلي، ومن «يشرب» ومن لا «يشرب» ومن يصوم ومن لا يصوم، وقصارى ما كانوا يفعلونه – بحكمتهم المأثورة – هو طلب الهداية لبعضهم. حتى جاء «الإسلام السياسي»، فجعل من مسألة الإيمان مسألة سياسية، إذ أن ضبط الأرواح هو مفتاح ضبط الأجساد والسلوكات، أي مفتاح السلطة… ثم ها نحن نسمع نغمات جديدة أخرى – في الفضاء العمومي – تعكس مدى الارتباك في التعاطي مع تحولات المجتمع وقصور المقاربة «الإسلاموية» عن التفاعل العقلاني معها: فمنهم اليوم من ينفي «تهمة» كونهم أتباع الإخوان المسلمين، ثم منهم من يريد التخلص نهائيا من تسمية «الإسلامي»، لأن الزمن غير الزمن، في حين أن الإيمان، قبل وصولهم إلى القرار وبعده، كان وسيبقى، بالاقتناع الروحي لا بالإرغام البوليسي، وتلك قيمته الحقيقية. هذا تصورنا لحرية الضمير والحق في العقيدة والحق في ممارسة الشعائر الدينية.
يواجه المدافعون عن المسودة انتقادات المدافعين عن الحريات بخصوص جرائم الشرف بكونها ليست مسألة مهمة مادامت تعتبر ظرف تخفيف وأن حالة الزوج الذي تمت خيانته تكون مهتزة نفسيا، كيف تردون على ذلك؟
لا مجال لأي تمييز في مواجهة جرائم الشرف. ما يصدق على الرجال يجب أن يصدق على النساء. والقانون والعدالة هما المخولان لإنزال العقاب. أما السماح بالتخفيف للرجال حصرا، فهو مرفوض بأي حجة كان، لأنه يحتوي ويرسخ فكرة الميز.
مؤسس حركة ضمير
الإدريسي : لا حق للمعارضين في الحديث باسم المغاربة
يحتج الرافضون لمسودة القانون الجنائي بأن القانون به مقتضيات رجعية ولا يلائم المجتمع المغربي التواق نحو الحرية والحداثة. وبعد دستور 2011 يليق بالمغرب قانون أفضل وأكثر رحابة وحرية.. ما قولكم في هذا الرأي؟
أولا، نحن أمام مجرد مسودة مشروع للقانون الجنائي، وهذه في حد ذاتها مبادرة غير مسبوقة، لأول مرة قانون مثل القانون الجنائي يعرض على المناقشة العمومية قبل مروره في المؤسسات الرسمية المتمثلة في مجلسي الحكومة والبرلمان، ويجب أيضا أن نسجل ونثمّن أنها أول مرة يصاغ فيها قانون على هذا القدر من الأهمية بطريقة تشاركية، فهي مبادرة غير مسبوقة. النقاش حول المسودة لم يبدأ اليوم، بل منذ عقد من الزمن على عهد الأستاذ بوزوبع، وزير العدل الراحل، أي أن هناك تراكما، واللجنة الحالية ناقشت المسودة وهي تضم في مكوناتها رجال قانون وحقوقيين وغيرهم من مختلف الفاعلين. ثم طرحت للمناقشة العمومية.
في تقديري، أجد أن الذين يعارضون فقط من أجل المعارضة حري بهم أن يتحدثوا عن المسودة بالنظر إلى النقاط الإيجابية ومستجداتها الإيجابية، وطبعا كلنا لدينا ملاحظات من أجل تحسين هذا النص، لكن أظن أن القضايا المطروحة للنقاش والمختلف حولها قضايا مغلوطة، والنقاش يجب ألا يتوجه إليها.. وأعتقد أن هؤلاء لا حق لهم أن يتحدثوا باسم المجتمع المغربي، ويمكن أن ننزل إلى الشارع ونسأل المغاربة هل هذه القضايا تعتبر رجعية ولا تهم المغاربة وسنرى حينذاك.
رغم أن المسودة أسقطت عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام من 33 إلى 11، فإنهم يطالبون بإسقاطها نهائيا لاعتبارات إنسانية من جهة، ومن جهة ثانية للتعبير عن انخراط المغرب في سيرورة عالمية تنحو في اتجاه حذف العقوبة نهائيا، لماذا لا تتفقون مع هذا التوجه؟
أظن أن عقوبة الإعدام هي دائما كانت محل خلاف، ليس فقط في المجتمع المغربي، بل في العديد من المجتمعات، وذلك منذ عقود، ووجب التذكير أولا أنه ليس هناك أي مقتضى في القانون الدولي أو الاتفاقيات الدولية يلزم الدول بحذف عقوبة الإعدام.. هناك بروتوكول، والمغرب لم يصادق عليه، هذا بالنسبة للالتزامات الدولية للمغرب، بالنسبة للدواعي الإنسانية التي يحتج بها البعض لإلغاء هذه العقوبة، أظن أنه بنفس الدواعي يمكن لمن يدافع عن بقاء العقوبة أن يدفع بها، لأنه إذا نظرنا من جانب الجاني سنقول إنه يجب أن نلغي العقوبة إذا نظرنا من جانب الضرر الذي يحدث للضحايا وللمجتمع، وسنقول ببقاء عقوبة الإعدام نظرا لبشاعة بعض الجرائم وخطورتها على الفرد والجماعة، لا مجال لبقاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، وهدفنا هو تقليصها، وكذلك المسطرة الجنائية وضعت العديد من القيود على الحكم بعقوبة الإعدام، واشترطت الإجماع، بمعنى أنه إذا كان هناك قاض واحد يعارض الحكم بها، فلا يمكن الحكم بها وبقاؤها لازال ضرورة في المجتمع، لأنه يشكل ردعا كبيرا، وهو ما يحافظ على توازن المجتمع.
بخصوص تجريم الإفطار العلني، يعتبر الرافضون لمسودة مشروع القانون الجنائي أن مقتضيات التجريم والعقوبة في المشروع يمس الحريات، وهو ما يخالف دستور 2011 ومكتسبات الحركة الحقوقية، هل لديكم رأي مخالف؟
أولا، هذه الجريمة موجودة منذ 1962، وبقيت على حالها، ومن يقول إنها عقوبة جديدة أو لم تكن، يغالطون الرأي العام، المسودة حين أبقت عليها، فقد أبقت على مقتضى يجرم المس بالأمن الروحي للمغاربة، ولا علاقة لهذا بحرية الاعتقاد.. الجريمة هي المجاهرة بالإفطار وليس الإفطار في حد ذاته، وهذه المسودة إذا ما نظرنا إليها نظرة متوازنة، فهي تضمن حق الناس في الإفطار، كما تضمن حق المجتمع في أمنه الروحي، وألا يخدش أمن المغاربة بالنظر إلى ما يفعله الإفطار العلني من اشمئزاز لدى المجتمع الذي تصوم منه النسبة العظمى.
المدافعون عن الحريات والرافضون للمدونة يعتبرون أن مقتضيات المسودة تتعلق بمراقبة العالم الافتراضي، وهو ما يعيد المدونة الرقمية من باب أخرى ويضيق على مجال الأنترنيت، كيف تردون على ذلك؟
بتاتا، قلت في البداية نحن أمام مسودة فقط، لا علاقة لها بالمدونة الرقمية. ما ورد فيها من إمكانية إغلاق الموقع الإلكتروني في حالة ما إذا كان هذا الموقع يشكل أداة أو وسيلة للجريمة وأداة الجريمة تكون محل حجز ومتابعة، ولا أعتقد أن الأمر فيه إشكال كبير، وطبعا هذا الموضوع من النقاط التي يمكن أن نتفق على مراجعتها.
فيما يتعلق بالنصوص التي ترتبط بالحريات، سواء كانت فردية أو جماعية، يرى المحتجون أن الكثير من التعابير جاءت فضفاضة من قبيل زعزعة الولاء للدولة وازدراء الأديان، ما يمنح مساحة كبيرة للتأويل، وهو ما يشكل خطرا على حرياتهم، ألا تتفق معهم؟
زعزعة الولاء للدولة تضمنها القانون الجنائي الحالي منذ 1962، ولم تأت بها المسودة لأول مرة، ولا أحد في علمي سبق له معارضتها، وبعض المعارضين للمسودة كان منهم من كان داخل مؤسسات رسمية، ولم يسبق لأحد أن احتج عليه، ولم يستعمل إلا مرات قليلة ولا تغلطوا المغاربة وتظهروا هذه المادة وكأنها مقتضى جديد جاءت به المدونة، وأنا أتفق معهم على أنه مصطلح فضفاض، فيما يتعلق بازدراء الأديان، دعنا نقل إن مقتضى الفكرة جد متقدم، أي إنها تجرم ازدراء كل الأديان، وليس فقط الدين الإسلامي، وهذا مقتضى جد منفتح، ولم يسبق أن تضمن في نصوص جنائية في دول أخرى، وإذا لزم الأمر العبارة، يمكن أن تدقق أكثر المسودة غير عامة، فقد حددت من قام عمدا بالسب أو القذف أو الاستهزاء أو الإساءة إلى الله أو أحد الأنبياء ولم نخصص الرسول محمد (ص)، وإذا اتفقنا على المبدأ فلا مانع من التدقيق في الاصطلاحات.
فيما يتعلق بجرائم الشرف، يحتج الرافضون للمسودة بكون إقرار العذر لمرتكب جريمة الشرف يعيدنا إلى عصور غابرة، وأن هذه المقتضيات التي تلتمس التخفيف لمرتكب جريمة الشرف تسود فقط في البلدان المتخلفة، فهل تعتقدون خلاف ذلك؟
بالنسبة إلى جرائم الشرف، فهو نص يعتبر أن أحد الزوجين إذا وجد شريكه في حالة خيانة أو في اتصال جنسي غير مشروع، وأدى ذلك إلى جريمة ضرب وجرح أو قتل، أولا هذا ليس مقتضى جديدا، بل هو قديم وكان قبل 1962. إذا ضبط الزوج زوجته فيعتبر بالنسبة إليه ظرفا مخففا، وهذا المقتضى بقي، وهم يريدون إظهاره على أنه ابتكار جديد في هذه المسودة. في سنة 2004، أضاف المرحوم بوزوبع تعديلا اعتبر بمقتضاه أنه يمكن للزوجة أيضا أن تتمتع بظروف التخفيف إذا ضبطت خيانة زوجها، وهذا ما احتفظت به المسودة، وأعتقد أن الحالة النفسية للزوج أو الزوجة ستكون غير عادية وغير مستقرة، والمسودة اعتبرته عذرا مخففا، وطبعا فعنصر الاستفزاز حاضر، وهو عنصر يعترف به القانون الجنائي في عناصره الكلية.
برلماني ورئيس جمعية محامي العدالة والتنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.