وجّهت المعارضة نداء إلى رئيس الحكومة كي يقدم استقالته إلى الملك، ما الذي يعنيه ذلك؟ نحن بصدد حالة خاصة تطرح عدة مشاكل. أولها محاولة معرفة ما الذي ترمي إليه المعارضة بمطالبتها رئيس الحكومة بالاستقالة؟ أعتقد أننا أمام خطوة لن تنتج عنها أية نتائج، بل مجرد استعراض لموقف لا أكثر. هل سيخضع بنكيران لهذا النوع من الإملاءات؟ طبعا لا. للمعارضة أسلحتها التي يوفرها لها الدستور، لتنبيه الحكومة، ودفعها في حالة ما كان هناك ما يستدعي ذلك، إلى الخروج من المسؤولية، فما هي هذه الأسلحة؟ أولا، علينا أن نلاحظ كون المعارضة تتمتع بالأغلبية في مجلس المستشارين، ويمكنها اللجوء إلى تقديم ملتمس يوقعه خمسة أعضاء المجلس. وحسب المادة 106 من الدستور هذا الملتمس يمكن أن يخضع للتصويت كي يحصل على الأغلبية المطلقة، وفي هذه الحالة لا تسقط الحكومة، لكن المجلس يحصل على حق الحصول على جواب من رئيس الحكومة، يتلوه نقاش دون تصويت. سلاح آخر تتوفر عليه المعارضة يتمثل في ملتمس الرقابة في مجلس النواب، وإذا كانت المعارضة تعتبر أنه لم يعد أهلا لتسيير الحكومة، أو أنه لم يعد يتمتع بدعم الأغلبية، يمكنها إذن تقديم ملتمس للرقابة. لهذا أنا أتساءل، هناك إطار دستوري وبرلماني يسمح للمعارضة باتخاذ موقف، لكنها تخرج من هذه الدائرة وتنغمس في الشعبوية، أي تفضل الاشتغال خارج الحقل المؤسساتي ومهاجمة رئيس الحكومة، وهو بالتالي ميدان خاطئ ومنهج خاطئ لا يساهم في تكريس ممارسات مؤسساتية. هل يمكن للوضع المتأزم لعلاقة رئيس الحكومة بالمعارضة أن يؤدي إلى انتخابات سابقة لأوانها؟ فرضية الانتخابات المبكرة تظل مطروحة بشكل دائم، والدستور نفسه توقعها وقال إنها تتم إما بمبادرة من الملك، في المادة 96، أو بعد رفض مجلس النواب التصويت على طلب للثقة من جانب الحكومة، المادة 103، أو بمبادرة من رئيس الحكومة، كما تفيد المادة 104، أو في حال تصويت مجلس النواب لصالح ملتمس للرقابة كما تنص على ذلك المادة 105. وفي جميع هذه الحالات، نكون أمام حدث سياسي كبير ينهي ولاية الحكومة قبل الآوان. صحيح أن المغرب لجأ إلى هذه الانتخابات المبكرة في 2011، في سياق احتجاجات الربيع العربي، لكن على من يطالب بهذه الخطوة اليوم، أن يفسر لنا كيف نعيش الآن في 2015 وضعية مشابهة تحتم على بنكيران إنهاء مهامه وتقديم استقالته. هل هذه المقارنة بين 2011 و2015 سليمة؟ لا أحد يمكنه اعتقاد ذلك، وكل هذا لا يساعد على توضيح المشهد السياسي المغربي، بل يزيده غموضا. قبل نحو سنتين من الآن، قلت لنا في حوار سابق إن بنكيران يتمتع بالدعم المؤسساتي للملك، لكن ليس دعمه السياسي، هل مازلت تحتفظ بهذه القراءة؟ صحيح، قبل سنتين تقريبا، تحدثت لأول مرة عن هذه القراءة خلال عشاء مناقشة نظمته جمعية قدماء مدرسة العلوم السياسية sciences po، وقدمت قراءة مفادها أن بنكيران كرئيس للحكومة، يتمتع بالدعم المؤسساتي للملك، لكن ليس دعمه السياسي. وأقصد بالدعم المؤسساتي أن الملك «يلعب اللعبة»، joue le jeu، حيث أخذ علما بنتائج انتخابات نونبر 2011، وأسند رئاسة الحكومة إلى زعيم الحزب الذي احتل المرتبة الأولى، وهو حريص على أن تقوم الحكومة بمهامها في إطار اختصاصاتها، بل إنه أعطى توجيهات صارمة لمحيطه كي لا يتدخل في مجال التدبير الحكومي، وبالتالي لم يعد هناك شيء اسمه حكومة الظل. هذا الدعم يترجم حرص الملك على ضمان سير جيد للمؤسسات، لكنه ليس دعما سياسيا، بمعنى أن الملك ليس مناضلا في صفوف حزب العدالة والتنمية، وليس مكلفا بتطبيق برنامج هذا الحزب الإسلامي. ويحرص على أن يكون البرنامج الذي نصبت الحكومة على أساسه في يناير 2012، ووافق عليه كرئيس للمجلس الوزاري، محترما للمبادئ العامة والقيم التي جاء بها الدستور. عندما تكون هناك ثقة، فإنها تكون مستحقة وبناء على ضمانات واضحة. حزب العدالة والتنمية جاء من بعيد، أي ينحدر من حركة إسلامية قطعت مسارا متعرجا. هذا الحزب لم يحصل على الاعتراف القانوني إلا عام 1996 وعلى أساس دفتر تحملات مرهق، أي أن اندماجه في النظام السياسي يظل محدودا وتحت مراقبة شديدة رغم أنه يكرر تصريحاته المؤكدة للولاء. زد على ذلك هذا السياق الإقليمي والدولي المتشنج، والذي يضرب الحركات الإسلامية، والذي لا يعطيه قيمة إضافية… هل استقالة بنكيران ممكنة في ظل كل هذا؟ أجل، على الورق ممكنة، لكن السؤال هو هل مثل هذا القرار، الذي يعود إليه، يمكن أن يتخذ دون الحصول على موافقة الملك؟ لا أعتقد ذلك، وفي جميع الأحوال ستكون الكلفة السياسية لمثل هذا القرار كبيرة. من الناحية العملية، هل يمكن تعويض بنكيران برئيس حكومة آخر؟ هذا هو السيناريو الأول لما بعد فرضية الاستقالة، لكن لهذا السيناريو مجاهل كثيرة: مع من سيشكل نواب العدالة والتنمية الأغلبية الجديدة؟ هل مع البام أم الاتحاد الاشتراكي أم الاستقلال أم الاتحاد الدستوري…؟ ما مدى انسجام هذه الأغلبية الجديدة؟ وما برنامجها؟ السيناريو الثاني المحتمل، على اعتبار أن السيناريو الأول مستبعد وغير قابل للتطبيق، هو اللجوء مجددا إلى صناديق الاقتراع. السؤال هو هل هذا ممكن في سنة 2015 المثقلة أصلا بأجندة انتخابية طويلة، تبدأ في يونيو ولا تنتهي إلا في شتنبر؟ ألن يؤدي ذلك إلى تجميد كثير من الإصلاحات التي تباشرها الحكومة الآن، والتي تأخرت أصلا مثل صناديق التقاعد ومدونة الشغل…؟ ليبقى سيناريو تشكيل حكومة تكنوقراط، الذي يتداول هنا وهناك، والذي أعتقد أنه سيناريو خيالي لأن الإصلاحات الواجب القيام بها تحتاج إلى دعم سياسي وشعبي كبير، وعدم ترك بنكيران وحزبه يكملون ولايتهم الحكومية إلى غاية 2016 سيكون صفقة رابحة له ولحزبه، وسيسمح له ذلك بتقديم حجج دامغة وذات شعبية كبيرة، يتم بناؤها على فكرة أنهم لم يتركونا نقدم على الإصلاحات، وأن معسكر المعارضة ولوبيات وشبكات المصالح يعرقل التغيير. زد على ذلك أن بنكيران وحزبه تعلموا الكثير خلال ثلاث سنوات ونصف، وخبروا جيدا جهاز الدولة والإدارة، وسيتقنون حتما عملية الرفع من قدرتهم على التعبئة. الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة مصطفى بكوري قال إن الملك غير راض عما يفعله رئيس الحكومة، هل تصدق هذا الكلام؟ أجل، يحاول حزب الأصالة والمعاصرة وأمينه العام مصطفى بكوري، الإيحاء بكون الملك غاضب من بنكيران، وذلك على أساس بعض الإشارات… السؤال المطروح هو ما هي هذه الإشارات؟ ومن فوّضهم أو سمح لهم بالإعلان عن مزاج الملك؟ عن ماذا يتحدثون؟ فالملك يتوفر على جميع أنواع القنوات التي تسمح له بالتعبير عما يفكر فيه أو ما يريد قوله حول أداء المؤسسات العمومية، وقد شهدنا ذلك مرات متعددة طيلة 16 سنة. المعارضة تقوم بالمضاربة ليس إلا، بينما ستكسب الكثير لو أنها دافعت عن برنامج بديل، قد يرفع من جاذبية عرضها السياسي. * مصطفى السحيمي محلل سياسي وأستاذ للقانون الدستوري