إعداد: وداد الملحاف عرفت الساحة الإعلامية والحقوقية نقاشا محتدما حول موضوع الإجهاض، إذ تباينت الآراء بين مؤيدي تقنينه وبين من يرون أن تجريمه يحد من انتشاره في المجتمع، إلى أن تدخل الملك بشكل شخصي في الموضوع، واستقبل كلا من وزيري العدل والحريات، والأوقاف والشؤون الإسلامية، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وقد قدمت عدة جمعيات مقترحاتها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل صياغة مذكرة تشمل كل المقترحات، وترفع بعد ذلك إلى الملك. وفي ورقتها، قدمت حركة أنفاس ديمقراطية اقتراحات في الموضوع: قامت حركة أنفاس ديمقراطية بإصدار ورقة حول موضوع الإجهاض السري تضمن تعريفات وإحصائيات حول معدلات إجراء هذه العمليات في المغرب والعالم، كما تم التطرق إلى المشاكل التي تعرفها بلادنا في هذا المجال، خصوصا من الناحية التشريعية، كما قدمت الورقة اقتراحات من أجل إيجاد حل عملي للموضوع، وذلك باعتماد استراتيجية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ومن أبرز الحلول التي اقترحتها أنفاس هي إلزامية مأسسة دروس التربية الجنسية في المناهج التعليمية، «لتشرح بطريقة واضحة وبيداغوجية فيزيولوجيا الجنس والتوالد ومختلف طرق منع الحمل». وفي تصريح لأخبار اليوم حول منطلق حركة أنفاس في إصدار هذه الوثيقة، اعتبر يونس كرم، عضو التنسيقية الوطنية للحركة، ويشتغل في نفس الوقت كطبيب مستعجلات، أن الهدف من تأسيس الحركة هو إعطاء نظرة متكاملة لمختلف مناحي الحياة الاجتماعية بأبعادها السياسية والاقتصادية والفكرية. «كان لدينا مشروع طموح لطرح تصور شامل لمجال البيوأخلاقيات من إجهاض واستعمال الخلايا الجدعية والهندسة الجينية، إلى غير ذلك من نقاشات»، مضيفا أن «بروز النقاش حول الإجهاض سرع في طرحنا لورقتنا حول الموضوع، التي كما ذكرت تنتمي إلى مشروع متناسق أكبر»كما يرى أن قضية الإجهاض معقدة، وإعطاء رأي فيها يجب أن يكون في إطار نسق فكري ونوع من البرهان المنطقي والفلسفي. وتعتبر أنفاس في ورقتها أن تملّك الجسد يدخل في باب الحرية الفردية والحياة الخاصة، وبالتالي للمرأة حرية الإنجاب أو عدم الإنجاب ويقول كرم: «نعتبر أنفسنا حركة يسارية وتقدمية. وبالتالي، فإن الحق في الحياة بالنسبة إلينا مقدس، كما أن حرية الأشخاص في ذواتهم، وخاصة المرأة، مقدس أيضاً، والتوفيق بين هذين المبدأين يمر عبر تحديد بداية للحياة داخل الرحم بمفهومه القانوني والفلسفي بالنسبة إلى المجتمع والقانون المغربي». وحول موقع المرأة في هذا الموضوع يرى كرم أن «للمرأة الحرية المطلقة في الإجهاض». ومنذ انطلاق النقاش حول موضوع الإجهاض، تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض. فقد بررت بعض الأصوات المحافظة معارضتها للموضوع كون ذلك يشجع على شرعنة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. وفي رده على هذا الرأي، يعتبر يونس كرم أن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج بين راشدين بالتراضي «يدخل في إطار الحياة الخاصة للأفراد»، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى أن يتطلب شرعنة من الدولة، كما يرى أن تقنين الإجهاض هو «وسيلة لعلاج آفة إنسانية وطبية تسمى بالحمل غير المرغوب فيه، وما يتبعه من إجهاض سري، وما يتبعهما من وفيات وعاهات مستديمة للنساء»، وأردف كرم قائلا «موقف هؤلاء الفقهاء من الإجهاض الآن هو نفس موقفهم من وسائل منع الحمل قبل أن يراجعوا أنفسهم عقودا بعد ذلك». وتضمنت الورقة كذلك إحصائيات حول الموضوع، إذ بلغ عدد عمليات الإجهاض بالعالم 43,9 مليون عملية، أي ما يعادل معدل 28 امرأة من كل 1000 في سن الإنجاب سنة 2008 عبر العالم، كما أشارت إلى أن هناك ممارسة ل 20 مليون عملية إجهاض سري سنويا، ما يؤدي إلى وفاة 50 ألف امرأة أغلبهن من الدول السائرة في طريق النمو، كما تعتبر التقديرات أن 13 بالمائة من وفيات الأمهات في الدول السائرة في طريق النمو تحدث بسبب الإجهاض السري. وفي المغرب، لا تتوفر معطيات وأرقام رسمية حول الإجهاض، لكن اعتمدت أنفاس على إحصائيات قدمتها الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري «تمارس 600 إلى800 عملية إجهاض سري يوميا، أي ما يعادل معدل 23 إلى 30 لكل 1000 امرأة في سن الإنجاب. (المعدل العالمي 28 لكل 1000)». ومن بين الحلول التي اقترحتها الورقة إتاحة الحق لكل امرأة حامل في تقديم طلب لمؤسسة صحية عمومية أو خصوصية للولوج إلى الإنهاء الإرادي للحمل، بشرط أن يتم ذلك داخل الأجل القانوني المتوافق عليه، وتنصيب لجنة مغربية للأخلاقيات، تعمل على تهيئ قانون عام للأخلاقيات الإحيائية، من قبيل الإنهاء الإرادي للحمل والموت الرحيم، ومعاقبة المزاولين لعمليات الإجهاض السري المُمارس خارج الضوابط القانونية، وإلغاء مختلف العقوبات ضد المرأة التي أجهضت أو تحاول ذلك، سواء أكان ذلك شرعيًا أم سريًا، والترخيص للإنهاء العلاجي للحمل. وفي النقاش الدائر حاليا حول مشروع القانون الجنائي، يقول يونس كرم: «هناك تعارض صريح بين تجريم الإجهاض بشكل غير مباشر في إحدى المواد وبين النقاش المجتمعي والمؤسساتي الدائر حاليا». هذا الرأي تضمنه كذلك بيان وقعته العديد من هيئات المجتمع المدني والشخصيات الرافضة لبعض المواد التي جاء بها مشروع القانون الجنائي الذي أثار نقاشا وجدلا كبيرين في الساحة الإعلامية وفي مواقع التواصل الاجتماعي.