جدل مستمر في البرلمان الإسباني بسبب توشيح عبد اللطيف الحموشي، مدير مديرية مراقبة التراب الوطني، بقلادة «صليب الشرف» من لدن السلطات الإسبانية في شهر أكتوبر الفائت. كاسبار جامازاريس تريغو، وهو قيادي بارز في حزب اليسار الموحد (ذو تمثيلية محدودة)، ونائب في البرلمان الإسباني، قدم سؤالا كتابيا إلى الحكومة يستفسرها عن توشيح رئيس المخابرات المغربية قائلا: «إن الحموشي يُوشح في إسبانيا بينما يُطارد من لدن الفرنسيين». وبينما وُضع السؤال – لدى « اليوم24» نسخة منه- في 23 أكتوبر 2014، لم تقدم وزارة الداخلية جوابها عنه سوى قبل يومين، بعدما كانت الوقائع في موضوع المخابرات المغربية قد تطورت لصالح الحموشي، عقب إعلان الدولة الفرنسية الشهر الفائت عن توشيح مدير مديرية مراقبة التراب الوطني بقلادة «جوقة الشرف الوطني»، وهي أعلى الأوسمة التي تمنحها الدولة الفرنسية، مثلها في ذلك مثل قلادة «صليب الشرف» التي منحت للحموشي من لدن السلطات الإسبانية. علاوة على أن الدفوعات الواردة في السؤال الموجه للحكومة كانت قد تجاوزتها الأحداث الأخيرة. وقد أسس ممثل حزب اليسار سؤاله على الشكاوى التي كانت رائجة وقتها (أكتوبر 2014) أمام المحاكم الفرنسية ضد رئيس المخابرات المغربية، استنادا إلى مزاعم تعذيب رفعها نعمة أسفاري، المعتقل على خلفية أحداث «أكديم إيزيك»، بيد أن هذه الدعاوى أصبحت متجاوزة بعدما طوت محكمة باريس العليا الملف قبل شهر أيضا، بسبب تضمنه لإفادات لا ترتكز على وقائع مؤكدة، وأن الدعوى المرفوعة بنيت على قرائن هشة وضعيفة. ومن الغريب أن اليسار الموحد علل معارضته لتوشيح الحموشي بالقول «إن الرجل كان وراء تسريب نبأ حمل رشيدة داتي، وزيرة العدل الفرنسية السابقة، من رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق، خوسي ماريا أثنار، كما خلط الحزب بين الحموشي والمنصوري حين زعم أن المخابرات الخارجية، لادجيد، (كانت تقود حملة لشراء ذمم الصحافيين لتشويه الحقائق في قضايا حقوق الإنسان، ولا يمكن أن يكون ملائما توشيح رئيسها من لدن الإسبان)). وطالب جاسباريس الحكومة الإسبانية بالتحقيق فيما إذا كانت رشاوى المخابرات الخارجية شملت صحافيين إسبان، لنشر مواد دعائية تخدم مصالح المغرب، ثم البرهنة على أن توشيح الحموشي لا يشكل إضعافا لحقوق الإنسان في المغرب، وتبرير اختيار هذا المسؤول دون غيره لتوشيحه بقلادة «صليب الشرف». وبعد ستة شهور من طرح السؤال في البرلمان، أجاب وزير الداخلية الإسباني، خورخي فرنانديث دياث، بالقول «إن توشيح شخصيات بارزة مغربية هو اعتراف بالعمل الرائع الذي تقدمه السلطات الأمنية المغربية رفقة جهاز الشرطة الإسباني، للوقوف ضد التهديدات العدائية التي تستهدف البلدين، خاصة في ظل تنامي الفكر المتطرف، كما يتبين من خلال عدد الخلايا التي جرى تفكيكها مؤخرا». مؤكدا أن الأمن المغربي والشرطة الوطنية الإسبانية يقومان بعمل نموذجي في إطار تنسيق محكم ومجهودات جبارة، و»الطرفان يعملان في جو تسوده الثقة والاعتراف والاحترام المتبادل في مجال حساس ومعقد كمحاربة الإرهاب الجهادي». وأوضح وزير الداخلية الإسباني أن توشيح الحموشي «لم يكن المرة الأولى التي تقوم فيها إسبانيا بتوشيح شخصيات مغربية في المجال الأمني، إذ أنه سبق لرئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوصي لويس ثباتيرو أن وشح الجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك الملكي بوسام «صليب الشرف» عام 2005 «. وأشاد فرنانديث بعمليات تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية ب»فضل التعاون المشترك بين الجهازين الأمنيين المغربي والإسباني، التي أدت إلى اعتقال العديد من الأفراد ممن كانوا يخططون للقيام بأعمال عدائية تستهدف الدولتين، أو من كانوا يقومون بتجنيد الأفراد للالتحاق بصفوف التنظيم الإرهابي «داعش» بكل من سوريا والعراق»، مشيرا إلى هذه العمليات «كان لها دور مهم في حماية الأمن العام لكل من المملكة المغربية ونظيرتها الإسبانية، كما أنها تظهر مستوى التعاون بين الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني وجهاز الشرطة الإسبانية». ويشرح نبيل الدرويش، الباحث في شؤون العلاقات المغربية الإسبانية، ومؤلف كتاب ((الجوار الحذر))، كيف أن مواقف اليسار الموحد الإسباني من المغرب معروفة على العموم، ولا تخرج عن نمط معين، فهو «يرفض مثل هذه المبادرات بحكم أنه يرى أن خروقات في مجال حقوق الإنسان ترتكب من طرف هؤلاء المسؤولين الذين يجري تكريمهم، وهكذا فعل عندما جرى تكريم حسني بنسليمان من طرف الحكومة الاشتراكية السابقة بقيادة ثباتيرو.. وكان سيكون غريبا لو لم ينتقد توشيح الحموشي عندها «. ويوضح درويش أن حزب اليسار الموحد «تخترقه الكثير من اللوبيات الموالية لجبهة البوليساريو التي تصنع في كثير من الأحيان مواقفه من المغرب»، غير أن الباحث يكشف أن «تأثيره محدود، بحكم أنه حزب يتآكل الآن أمام قوة حزب بوديموس الذي امتص حركة 15 ماي، وأعطى لنفس خطاب حزب اليسار الموحد قوة وبريقا جديدا».