في حزب العدالة والتنمية هنالك توجه لتحديد نطاق إباحة الإجهاض لا يؤيده الناشطون في هذه القضية. لماذا؟ بصفة عامة، هنالك تيار عالمي يريد أن يبيح الإجهاض وأن يحدّ من حياة الأجنة، نتيجة التطور السريع الذي تعرفه المجتمعات، حيث أصبحت الممارسات الجنسية خارج الزواج جزءا من هذه العملية، لكننا لا يجب أن نُسقط هذا الوضع على المغرب، وكأنه أمر طبيعي، لأنه كان نتيجة لتطور معين في المجتمع، بل ينبغي أن ننظر إليه من الزاوية الأخلاقية والدستورية والقانونية. ومن البديهي ألا تدفعنا الأعداد والإحصاءات إلى التشريع لشيء ما حتى وإن تحول إلى ظاهرة، وإلا كنا ملزمين أن نشرع لاستعمال المخدرات وبعض الجرائم، وحتى السرقات لأن عدد مرتكبيها في ارتفاع. إن الفصل 20 من الدستور يتحدث عن الحق في الحياة، وما يطرح هنا هو الإشكال القائم بين حق المرأة والجنين معا في الحياة، وبالتالي، فإن المفاضلة أمر صعب، إذ من العسير أن نتفق على تفضيل حياة دون أخرى. لهذه الاعتبارات، فإن الرأي الديني ضروري، حين يطرح نقاش بداية الحياة بالنسبة إلى الجنين، فأنا أجزم أنه بمجرد تلقيح البويضة، فإن الحياة تبدأ بالنسبة إليه. ولا يمكن لنا أن نشرع للقتل فقط، لمعالجة وضعية اجتماعية. ما أجده غريبا أن التيار المدافع عن إباحة الإجهاض في المغرب وفتح بابه على مصراعيه –لأنه لا يريد حدودا- هو نفسه التيار المدافع عن إيقاف وحذف عقوبة الإعدام، وهذا تناقض كبير، إذ كيف له أن يدافع عن شخص مثل قاتل تارودانت وقد اغتصب 11 طفلا، ثم قتلهم، ولا يريد أن يُعدمَ، فيما يطالب بقتل جنين حي بدعوى أن للمرأة حرية التصرف في جسدها. طرح سعد الدين العثماني مقترحا لتعديل قوانين الإجهاض، ويبدو غريبا أن يقود حزب العدالة والتنمية حملة الإصلاح للقوانين المؤطرة لهذه الظاهرة بالنظر إلى خلفيته الدينية. أليس كذلك؟ سابقا اتصل شفيق الشرايبي، الذي يقود حملة لتقنين الإجهاض، بفريقنا في مجلس النواب، كما أجرى اتصالات بفرق برلمانية أخرى، لكنها لم تستجب له باستثناء فريق حزب العدالة والتنمية، حيث فتحنا معه النقاش، بالرغم من أن الكثيرين كانوا يُخوّفُونه منا بالقول إن المشكلة الرئيسية في طريق تقنين الإجهاض يخلقها حزب العدالة والتنمية. وكنت أنا بمعية العثماني، نقود هذه العملية، وكان لنا يوم دراسي في البرلمان حول الموضوع نفسه، ثم تقدم العثماني بعدها بمقترح قانون، لكنه لم يكن موضع إجماع داخل فريقنا، لأننا ما نزال في طور مناقشة المهل الزمنية المحددة لجواز الإجهاض، وأيضا في تحديد مفهوم الحياة بالنسبة إلى الجنين. وبسبب عدم اتفاقنا حول مضامين المقترح المقدم من لدن العثماني، بقي حبرا على ورق، إلى أن عُزل الشرايبي من مسؤوليته في المستشفى، الذي كان يعمل فيه بسبب قضية الإجهاض نفسها، فكانت سببا في أن يثار النقاش من جديد حول مراجعة القانون. وهل يمكن أن يراجع القانون ليمتد إلى حالات أكثر مما هو موجود في مقترح العثماني، مثل التغرير؟ من يرغب في قول شيء الآن، فليقله، لكننا بمجرد أن نصل إلى مرحلة الجد، سيتحمل كل طرف مسؤوليته، لأن هذا الموضوع لا يَحسِم فيه شخص ربما غير مؤهل من الوجهة العلمية أو الشرعية. هذا موضوع يجب أن يحسم فيه المجلس العلمي الأعلى وهيئة الإفتاء التي يترأسها الملك بنفسه. ثم ينتقل الأمر إلى المشرعين، فالأطباء، وبالطبع مع الاحتفاظ بدور للمجتمع المدني. في هذه القضية، كل شخص من حقه أن يقدم الفكرة التي تبدو له صائبة من وجهة نظره، لكن المرحلة التشريعية تستلزم الحكمة لأنها تتوخى ألا يصدر عنها شيء يناقض الدين الحنيف في نهاية المطاف. مصطفى الإبراهيمي: طبيب جراح ونائب برلماني (حزب العدالة والتنمية)