برعاية وزير الصحة... الحاضر الغائب تحت الضغط نظمت الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري (أملاك) مؤتمرها الوطني الثاني يوم الثلاثاء 12 يونيو 2012 بالمكتبة الوطنية للمملكة بالعاصمة الرباط. ووضعت هذه الدورة في خطوة جريئة من نوعها تحت رعاية السيد "الحسين الوردي" وزير الصحة، الذي سبق و أن أعلن موقفه الداعم لمراجعة القوانين التي تمنع الإجهاض بالمغرب، في تحدٍّ واضح لهذا القيادي البارز في حزب التقدم و الاشتراكية لمكونات الحكومة المحافظة التي ينتمي إليها، برئاسة حزب العدالة و التنمية الإسلامي. الذي رغم انفتاحه على جمعية "أملاك" أيام كان في صفوف المعارضة، إلا انه لازال متحفظا على الموضوع، و لحد الآن لم يعلن عن موقف رسمي واضح إزاء تقنين الإجهاض في المغرب، إذ أن النقاش لازال مفتوحا في "كولوارات" الحزب بين مؤيديين كالعثماني و الخليفي و بنكيران نفسه، و معارضين كالرميد و الوزيرة الوحيدة في الحكومة الحالية بسيمة الحقاوي، التي تعتبر أن لوزارتها أولويات أهم ، مقترحة في نفس الوقت تنظيم استفتاء شعبي حول الموضوع! و قد علمنا أن الحكومة مارست ضغوطات على الوردي الذي تلقى اتصالا هاتفيا من رئيسها طالبا منه عدم الحضور. أشغال المؤتمر الذي عقد المؤتمر في غيابه، لكن برعاية، وهي ثورة في حد ذاتها، خصوصا إذا علمنا أن وزيرة الصحة السابقة رغم كونها امرأة "متحررة" لم تستطع إعلان موقف واضح أو مساندة جمعية "أملاك" علنا، رغم كونها مع تقنين الإجهاض - يؤكد البروفيسور شفيق الشرايبي رئيس الجمعية -. التقدميون ضد المحافظين: جدل العبد و السيد الأبدي شارك إذن في فعاليات هذا المؤتمر أطباء، علماء نفس و اجتماع، خبراء، سياسيون، أساتذة جامعيون... بحضور جمعيات مؤازرة ل " أملاك" كجمعية " التضامن النسوي" برئاسة السيدة عائشة الشنا، و الجمعية " المغربية لمحاربة السيدا" برئاسة السيدة حكيمة حميش، و مجموعة " الديموقراطية و الحداثة" بزعامة السيد نورالدين عيوش. احتدم النقاش خاصة بعد الزوال بين التقدميين و العلمانيين و الحركات النسوية من جهة، و المحافظين و الاسلاميين من جهة أخرى. فقد برر دعاة الحرية و الحق في الاختيار موقفهم بكون جسد المرأة ملكا حصريا لها و ليس ملكا للمجتمع، و بالتالي فمن حقها التصرف فيه كما يحلو لها بكل حرية و مسؤولية، باعتبارها قادرة على أخذ مثل هذه القرارات،كونها إنسان راشد كامل العقل، و متحرر من وصاية مجتمع أبوي منافق. من جهة أخرى انتقد المحافظون هذه المواقف، معتبرين الاجهاض جريمة قتل بشعة، يرتكبها الطبيب بمباركة المرأة، في حق الجنين الذي لاحول له و لا قوة، و هو تعد على حقه في الحياة. لجوء العلمانيين إلى الذكر الحكيم والملاحظ استدلال التقدميين بآيات من القرآن الكريم لتبرير مواقفهم، على رأسهم "خديجة الرويسي" رئيسة فريق حزب الأصالة و المعاصرة، و نائبة رئيس مجلس النواب، التي عبرت عن موقف البام المساند لإباحة الإجهاض باسم حرية الاختيار و المساواة، إضافة إلى الوزيرة السابقة و البرلمانية الحالية "نزهة الصقلي" التي أوضحت وجهة نظر حزبها، الذي يعتبر الاجهاض شرا لابد منه في بعض الحالات، كالاغتصاب، و زنا المحارم... وتكلمت إحدى المحاميات باسم الحزب الاشراكي الموحد، الذي يؤكد على أن الاجهاض مسألة شخصية تخص صاحبتها، بما أن ذلك جسدها و لها كامل الحرية في اتخاذ هكذا قرار دون قيود أو محاسبة. وخلق الاسلاميون المفاجئة، و خاصة بعض القياديات في حزب العدالة والتنمية، و الأعضاء في حركة التوحيد و الإصلاح المقربين من بسيمة الحقاوي، بعد إنشاء جمعية للدفاع عن ال"حق في الحياة" أسابيع قليلة قبل انطلاق أشغال المؤتمر الداعي إلى السماح بالوقف الطبي للحمل في 9 حالات هي: الاغتصاب،زنا المحارم، القاصرات، البالغات أكثر من 45 سنة، المصابات بمرض عقلي، تعرض الجنين لتشوهات أو أمراض خلال الحمل، و صعوبة الظروف الاجتماعية، و حالات أخرى: كالاستغلال الجنسي للخادمات... لجوء الإسلاميين إلى القيم الكونية العلمانية و حقوق الإنسان يبدو أن مساحة اللعب ضاقت بالسياسيين، فقد بدأت القوى التقدمية في استعمال الدين هي الأخرى على غرار الاسلاميين لأغراض سياسية، ما يؤدي حاليا إلى إسقاط القداسة عن الدين، و جعله تيارا سياسيا مثل باقي التيارات. هامش اللعب ضاق بالاسلاميين أيضا الذين بدأو يقتحمون معجما غريبا عليهم، باستنادهم إلى ماجاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لإيجاد تبريرات جديدة بعد استهلاك رصيد الآيات، و الأحاديث، والقرائات النصية للقرآن. الاستدلال بالحق في الحياة في مواجهة تحرير الإجهاض سلاح ذو حدين، إذ يضع الاسلاميين في تناقض مع أنفسهم، فهم يدافعون و بشراسة عن حق الجنين في الحياة، في الوقت الذي يقفون فيه ضد حذف عقوبة الإعدام! وإذا كان الإجهاض جريمة قتل، فلماذا لا يدافع هؤلاء عن حق الحيوان المنوي في الحياة؟ هذه الكائنات الحية الصغيرة التي ترتكب في حقها ملايين جرائم القتل كل يوم، والتي يمكن أن ترقى إلى جرائم الإبادة الجماعية، بل و التطهير العرقي؟! الحق في الحياة.. حرية الاختيار: نقاش فلسفي بعيد عن الواقع وفي رأيي الشخصي، بعيدا عن السخرية والنقاشات الفلسفية، التي تحمل في طياتها تصفية "حسابات" سياسوية محضة... أرى أنه من الضروري تنزيل هذا النقاش، وإيجاد أرضية يبنى على أساسه، فقد كان البعض يصور الإجهاض على أنه تجربة استثنائية تحلم بها كل فتاة مغربية، في حين أن اللجوء إلى الإجهاض حتى في حالات الاغتصاب، يتحول إلى ذكرى مريرة ل"مشروع إنسان" أحست به في أحشائها... وفي أرض الواقع تتم مئات عمليات الاجهاض يوميا رغم قانون منع يعتبر الأكثر تشددا في العالم الإسلامي، حتى مقارنة مع إيران! عمليات تتم بدون احترام أدنى شروط النظافة، ناهيك عن المواليد المتخلى عنهم مباشرة بعد الوضع في مكبات النفايات، حيث يكون لحم أجسادهم البريئة معرض لنهب الجرذان و الكلاب الضالة... ولنكن واقعيين، إذا أرادت امرأة التخلص من حملها، فستكون ميكيافيلية، و تفعل ذلك مهما كانت الوسيلة، معرضة في أحيان عدة حياتها للخطر! والأرقام تثبث ذلك، فعدد العمليات التي تتم في المغرب سريا تساوي عدد تظيراتها في دول الشمال، إن لم تتعداها، الفرق الوحيد هو الإطار الطبي الموفر في الدول التي حررت الإجهاض، وانخفاض نسبة وفيات الأمهات. و في نطاق آخر، يجب التأكيد على أن الاجهاض ليس حلا أو وسيلة جديدة لحد النسل أو تنظيم الأسرة، بل إجراء استدراكيا راجع لغياب التربية الجنسية الصريحة في المدارس المغربية، وقلة التحسيس بوسائل الحماية كالعازل الطبي. إن الوقف الطبي للحمل يجب أن يباح في المغرب بطريقة مستعجلة في الحالات التسع المقترحة من طرف جمعية "أملاك"، بهذه الطريقة نكون قد أخذنا بعين الاعتبار صحة المرأة بأبعادها الثلاث المتعارف عليها: الجسدية، النفسية، و الاجتماعية. من جهة أخرى يجب التعامل و بصرامة مع الحالات الأخرى، فمن له علاقات جنسية غير محمية، يجب أن يتحمل النتائج، لأن الحرية والحرية الجنسية، مسؤولية قبل كل شيء.