ألقى بي كي يون، الرئيس التنفيذي لشركة سامسونغ للإلكترونيات، خطابا خلال القمة الحكومية التي دبي: اليوم 24
انعقدت بداية هذا الأسبوع في مدينة دبي بدولة الإمارات، حيث قدم وصفة النجاح الخاصة بالعملاقالكوري مع موجز حول منهجية الابتكار التي تعتمدها شركة سامسونغ للإلكترونيات، إضافة إلى رؤيتها المستقبلية. وما يلفت الانتباه في قصة هذه الشركة إلى جانب كل الأرقام والإنجازات التي تحققها هي الطريقة التي بدأت بها، فلم يحتاج هذا البناء المدهش لأكثر من شخص آمن أنه يستطيع تغيير العالم فبدأ ببيع الأرز والسكر. اجتمع بالدورة الثالثة من القمة الحكومية آلاف القيادات العالمية البارزة في القطاع العام والخاص لتبادل ومناقشة أفضل الممارسات من مختلف أنحاء العالم. وبصفته متحدثاً في القمة، تلقى بي كي يون دعوة لتقديم رؤية ملهمة حول الابتكار لدى الحكومات المشاركة، وقال إن اعتماد الإمارات العام 2015 كعام للابتكار، أتاح الفرصة لشركة سامسونغ لعرض تجربتها خلال القمة الحكومية 2015. من زراعة الأرز إلى عملاق الإلكترونيات كانت بداية شركة سامسونغ مختلفة عن أي شيء يمكننا توقعه، فالبداية كانت سنة 1938 حين أنشأ بيونج شول لي متجراً لبيع الأرز والسكر وأسماه «سامسونغ»، وتعني بالكورية «النجوم الثلاثة»، والتي قصد بها بيونج المبادئ الرئيسية التي أنشأ شركته من أجلها (أن تكون كبيرة، أن تكون قوية، أن تبقى للأبد) . وهذا ما نفذه بالفعل. فحين تحول العالم إلى التكنولوجيا الاستهلاكية دخل فيها سونغ تاركاً الأرز والسكر. بداية عمل الشركة كانت متواضعة تمحورت حول إنتاج الإلكترونيات ذات جودة رديئة، وصارعت لكي تحقق بعض الأرباح البسيطة التي بالكاد ترضي المستثمرين بالشركة. ففي سنة 1969 رأى رئيس الشركة أن الفرصة متاحة لتأسيس شركة سامسونغ للإلكترونيات التي واصلت التقدم إلى أن أصبحت عملاق الإلكترونيات على مستوى العالم. الطريق لم يكن سهلا، فسامسونغ لم تكن تملك الخبرات الكافية –آنذاك- لتصنيع التلفزيونات والثلاجات والمكيفات. فكانت البداية بتلفزيون أحادي اللون يعرض بالأبيض والأسود، وذلك بالشراكة مع «سانيو» لتزويدها بالخبرات اللازمة. لكن المدير التنفيذي وأعضاء مجلس الإدارة لم يكونوا راضين عن الأداء المتواضع للشركة، ولا عن جودة المنتجات التي تخرج من مصانعها، حتى أتى يوم قرر فيه مجلس الإدارة بدء التغيير نحو الأفضل ليظهر لنا كما هو حاليا سامسونغ عملاق الإلكترونيات ذات الجودة العالية. وفي سعيها إلى مزيد من التطوير ولتخفيض التكلفة، رأى مسؤولو الشركة أن أغلب المكونات الداخلية لمنتجاتها تأتي من الخارج، فاتخذ قرارا إستراتيجيا بتصنيع القطع الداخلية داخل كوريا، وهو ما كان يعتبر خطأ –آنذاك- ولقي معارضة شديدة من مدراء الشركة بسبب انعدام خبرة أطرها في تصنيع القطع الداخلية وغياب الجودة. 1990 .. مطرقة لتكسير الشاشات في بداية سنة 1990، حضر المدير التنفيذي لشركة سامسونغ –آنذاك- «كون لي» وأعضاء مجلس الإدارة إلى مصنع الشركة الرئيسي وبحوزتهم مطرقة، بحيث قاموا بتكسير الشاشات والآلات الحاسبة والهواتف وجميع الإلكترونيات التي لم تتطابق مع المواصفات، وكانت ذات جودة رديئة وأمروا العمال بتدمير جميع الإنتاج والمخزون كذلك. وفي يوم واحد تم التخلص من منتجات تبلغ قيمتها 50 مليون دولار (45 مليار سنتيم). بعد ذلك رفعت سامسونغ لافتة تحمل شعارها وهدفها في المستقبل. كتب على اللافتة «الجودة أولاً». خلال سنة 1995، عندما أرسل «كون لي» مجموعة من هواتف سامسونغ الذكية كهدايا للعديد من الأشخاص تفاجأ بتلقى اتصالات تفيد بأن الأجهزة لم تكن تعمل كما يجب. عندها بدأ في القيام بجولة عبر مختلف أقسام الشركة لتوصيل استراتيجية للتغيير، مستخدماً مقولته الشهيرة: «غيروا كل شيء ماعدا زوجاتكم وأبنائكم». وبعد إطفاء الحريق الذي أحرق فيه المنتجات الرديئة تم تعيين مدير تنفيذي ليدير الشركة في وقت صعب أثناء الأزمة الاقتصادية؛ مما اضطره إلى بيع أصول للشركة تقدر بملياري دولار، وإقفال بعض المصانع لتخفيض النفقات ومجاراة الطلب المتدني. الأزمة الاقتصادية كانت خانقة لدرجة اضطرت فيها سامسونغ لتسريح 24 ألفا من موظفيها. ما ساعد سامسونغ على النهوض بعد الأزمة الاقتصادية هو البحث والتطوير وابتكار منتجات تلقى قبولاً واسعا لدى المستهلكين. وجهازها المشهور «غالكسي» جعلها متقدمة على منافسيها من الشركات اليابانية. الميزة الأخرى هي القدرة السريعة على التغير ومواكبة أذواق ورغبات المستهلكين وتلبية متطلباتهم. المدن الرقمية .. الدولة الصغيرة لا توجد مقرات شركة سامسونغ الحالية في مبنى أو عدة مباني بل في مدن كاملة، حيث يملك العملاق الكوري ثماني مدن في كوريا الجنوبية باسم «مدن سامسونغ الرقمية»، وهي مدن متكاملة يعمل فيها موظفو الشركة، وتحتوي على بنوك ومستشفيات وعيادات وملاعب ومطاعم، أما عن الدخول والخروج من هذه المدينة فيشبه المرور بنقطة حدودية بين دولتين، فالسيارات يتم تفتيشها والحقائب تمر عبر أجهزة الكشف الأمنية، ولا يمكنك إخراج أي أجهزة إلكترونية، خاصة من الشركة كجهاز هاتفي أو كاميرا أو لابتوب أو حتى بطاقة ذاكرة. الطريف أن تدريب الموظفين الجدد في سامسونغ لا يقتصر فقط على الجانب التقني والمهني، بل يتم تدريبهم على العمل الجماعي من خلال عرض مدهش يقوم به الموظفون الجدد كل عام، فالمشاركون في هذا العرض ليسوا من طلبة المدارس أو الرياضة بل مهندسون وفنيون وإداريون يعملون في شركة سامسونغ، ويحملون معهم شعار: «فخورون في سامسونغ»، ويعمل باحثو سامسونغ في مباني تعادل سريتها وإجراءاتها الأمنية ما يحدث في أعتى المؤسسات العسكرية، ولا يمكن لأي شخص غريب أن يرى ما يحدث داخل هذه المراكز، حرصاً على الأسرار الصناعية التي تساوي المليارات . وتوفر الشركة لموظفيها مساكن فاخرة ووسائل مواصلات تنقلهم من وإلى الشركة، ومدارس لأطفالهم وحافلات كهربائية لنقل الأطفال إلى المدارس، وهي مدارس تابعة للشركة. لكنها تدار بواسطة وزارة التعليم في كوريا الجنوبية . إنتاج كل شيء بجيش من الباحثين وشركة تفوق أصولها 343 مليار دولار يمكنك صناعة أي شيء، ولا إثبات أوضح مما فعلته سامسونغ في سوق الهواتف الذكية، فلم تكن الشركة تعطي لهذا المجال أهمية تذكر في السابق، وهو خطأ تداركته الشركة سريعاً، وعندما اهتمت به اكتسحت كل منافسيها، حيث فاقت مبيعات الشركة شركات منافسة «نوكيا» و»آبل»، لتصبح «سامسونغ» الشركة الأولى في سوق الهواتف الذكية في العالم، فضلاً عن دخولها سوق الأجهزة اللوحية بقوة أيضا، ويظن الكثيرون أن شركة سامسونغ مختصة فقط بصناعة أجهزة الهاتف والتلفاز، لكن ما يجهله الكثيرون هو أن المجموعة تضم داخلها عدة شركات كبرى، من بينها «سامسونغ للإلكترونيات»، وهي الشركة المعروفة بهواتفها الذكية وأجهزة التلفاز..، وغيرها من الأجهزة التي تستخدم في حياتنا اليومية، وهي أكبر شركة لصناعة تكنولوجيا المعلوميات في العالم، ثم هناك «سامسونغ للصناعات الثقيلة»، وهي ثاني أكبر مُصنّع للسفن في العالم، وكذلك «سامسونغ الهندسية» و»سامسونغ C&T»، حيث شاركت إحدى هاتين الشركتين في بناء برج خليفة في دبي وبرج تايبيه 101، وهما الشركتان رقم 35 و72 في قائمة كبرى شركات البناء في العالم، دون نسيان «سامسونغ للسيارات»، وهي الشركة التي اشترت منها «رونو» الفرنسية 70% من أسهمها .كل ذلك بجانب عدة شركات أخرى كسامسونغ للتأمين (الشركة رقم 14 في قائمة كبرى شركات التأمين في العالم)، وسامسونغ للأمن، وشركة شيل للدعاية (رقم 19 في قائمة كبرى شركات الدعاية في العالم )...إلخ. الابتعاد عن الأفكار التقليدية قال بي كي يون، الرئيس التنفيذي لشركة «سامسونج للإلكترونيات» في كلمته الرئيسية خلال القمة الحكومية بدبي، والتي حملت عنوان «الريادة والبقاء في المقدمة.. نموذج سامسونغ في الابتكار»، إن الشركة تعتمد على الابتكار كوسيلة أساسية لتحقيق كل الأهداف والطموحات التي تسعى إليها، ومواجهة التحديات التي قد تعترض عملها في المستقبل. وأوضح أنه من خلال هذه الرؤية، تمكنت «سامسونغ» من التحول من شركة صغيرة في كوريا إلى شركة عالمية رائدة منتشرة في 48 دولة حول العالم، تزيد عائداتها على 200 مليار دولار (1800 مليار درهم)، وتعتبر من أهم الشركات الإلكترونية، وذلك لأنها اعتمدت على الابتعاد عن الأفكار التقليدية والتفكير القديم، في إيجاد الحلول لجميع القضايا والمشكلات التي تواجهها. وأكد أن المعايير الواضحة والعمليات الموحدة تلعبان دوراً حاسماً في تشغيل الشركات العالمية. أما فيما يتعلق بالمستهلكين أكد أنه انطلاقاً من مبدأ «المستهلك أولاً»، تلتزم سامسونغ بدعم ورعاية موظفيها، ومساعدتهم على الوصول إلى أقصى إمكاناتهم. وعلى سبيل المثال، يوفر برنامج الخبراء الإقليمي لدى سامسونغ فرصاً تتيح للموظفين الاحتكاك بالأسواق المحلية وفهمها، بينما تعمل مبادرات، مثل: «مجموعة الاستراتيجية العالمية» بمثابة بنك للكفاءات من خلال جذب أفضل المواهب في العالم من خريجي ماجستير إدارة الأعمال إلى مقرّ الشركة. ثلاثة أسس أشار يون خلال القمة الحكومية، أن الأسس الثلاثة؛ المنتجات والعمليات والناس، أسهمت في صياغة تاريخ الابتكار لدى سامسونغ للإلكترونيات. بالنسبة للأساس الأول «المنتجات»، فقد نجحت سامسونغ من خلال هواتفها الذكية المبتكرة في توفير تجربة لا مثيل لها في عالم الهواتف المتحركة للمستهلكين حول العالم. كما تجاوزت الشركة التفكير التقليدي من خلال إنتاج تلفزيونات LED التي أسهمت في إحداث تغيير شامل للتصورات القديمة حول كيفية تصنيع التلفزيونات. ومن خلال ثلاجاتها المتميزة، نجحت سامسونغ كذلك في تطوير المخططات الأساسية لتصنيع الثلاجات، لتتيح للمستهلكين بذلك أعلى مستويات النظر لحياة صحية أفضل وبشكل مريح في مطابخهم. أما الأساس الثاني «العمليات»، فإن المعايير الواضحة والعمليات الموحدة تلعبان دوراً حاسماً في تشغيل الشركات العالمية. وعلى سبيل المثال، تقوم شركة سامسونغ من خلال نظام تشغيلٍ قياسي بإدارة تدفق القطع والمنتجات بكفاءة عالية، مع البقاء على مقربة من شركائها عبر كامل سلسلة القيمة. وعن الأساس الثالث «الناس»، يقول يون أنه انطلاقاً من مبدأ «الناس أولاً»، تلتزم سامسونغ بدعم ورعاية موظفيها، ومساعدتهم على الوصول إلى أقصى إمكاناتهم. وعلى سبيل المثال، يوفر برنامج الخبراء الإقليمي لدى سامسونغ فرصاً تتيح للموظفين الاحتكاك بالأسواق المحلية وفهمها، بينما تعمل مبادرات مثل «مجموعة الاستراتيجية العالمية» بمثابة بنك للكفاءات من خلال جذب أفضل المواهب في العالم من خريجي ماجستير إدارة الأعمال إلى مقرّ الشركة. مشيرا إلى أن سامسونغ أرسلت 5500 خبير إقليمي حول العالم. تحويل مفهوم إنترنت الأشياء خلال العرض الذي قدّمه بالقمة، تناول يون أربعة توجهاتٍ رئيسية هي: التقنيات المتنقلة، والتحضر، والشيخوخة، والتهديدات الجديدة مثل التغيّر المناخي، والتي تؤدي إلى تغيير كل شيء، ابتداءً من طريقتنا في العيش والعمل، وصولاً إلى تنظيم المجتمعات والحكومات. كما أوضح يون أن التكنولوجيا والحكامة تلعبان دوراً حيوياً في التعامل بشكلٍ فعال مع هذه التغيرات الحتمية. وتعتبر التقنية جانباً رئيسياً في التعامل مع هذه التوجهات الرئيسية، وبشكلٍ خاص مع مفهوم «إنترنت» الأشياء الذي يتطور بسرعة. وتوقع أن يبدل «إنترنت» الأشياء الواقع والمستقبل ويعيد صياغة قواعد اللعبة في المستقبل، مرجحاً أن يبلغ حجم سوق «إنترنت» الأشياء أكثر من 7 تريليونات دولار بحلول 2020، خاصة وأنه سيحدث فرصا هائلة في مجالات الأعمال، ويغير طريقة البشر، ويفتح إمكانيات لا تحصى ولا تعد. وقال يون: «من أجل ضمان نجاح مفهوم «إنترنت» الأشياء، ينبغي تطويره حول احتياجات الناس، كما يجب بناؤه استناداً على منظومة مفتوحة. وعلاوة على ذلك، يشكل الدعم الحكومي والتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص عاملين أساسيين لإطلاق الإمكانات اللامحدودة لمفهوم إنترنت الأشياء». مشيرا إلى أن سامسونغ تنتج جهاز الاستشعار الطبي، اعتمادا على إنترنت الأشياء بما يجعل حياتنا الصحية أفضل. «على قدر أهل العزم …» استهل الرئيس التنفيذي لشركة سامسونج كلمته خلال القمة الحكومية بتحية الحضور باللغة العربية والتعبير عن سعادته بالمشاركة في أعمال القمة، فيما اختتم الجلسة التي كشف خلالها عن استراتيجية سامسونغ للابتكار بسرد بيت شعري للمتنبي للتأكيد على أنه مع الإصرار والعزيمة تتحقق الأهداف والطموحات، حيث استشهد بقول الشاعر: «وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم». وأكد يون أن كوريا الجنوبية نجحت في تحقيق إنجازات عظيمة من الصفر تقريباً من خلال الابتكار، وأضاف: «نحن في سامسونغ نتبادل نفس الشغف تجاه الابتكار. لقد استلهمنا الكثير من عزيمة حكومة دبي على الابتكار والخيال الخصب الذي تتحلى به». وسوف تواصل سامسونغ بناء علاقات أقوى مع العالم العربي من خلال تعزيز الأعمال بين الشركات، مثل نظام تكييف الهواء، وكذلك توسيع أعمالها في مجال «إنترنت الأشياء» بشكل كبير في المنطقة، باعتباره دافعاً للنمو المستقبلي. وتابع: «من أجل الابتكار علينا أن نعترف بالتغيير، وأن نغير عاداتنا، وأن نتعدى الحدود والحواجز التقليدية، وليس هناك من حد لا يجوز أن نتخطاه». الجانب المظلم من النجاح قصة نجاح سامسونغ من شركة بسيطة إلى عملاق إلكترونيات يحمل العديد من جوانب النجاح المثيرة للإعجاب. ولكن على الرغم من هذا النجاح هناك الجانب المظلم الذي لا ينبغي إغفاله؛ كتجاوز القوانين، وعدم احترام أخلاقيات التعامل، وفضائح الرشاوي. ففي سنة 2005 غرمت سامسونغ 300 ميلون دولار لدورها في التلاعب بأسعار الشرائح الإلكترونية، وخلال 2012 وجد المحلفون في كاليفورنيا سامسونغ مذنبة في انتهاك ست براءات اختراع مسجلة لشركة «آبل»، وتم تغريمها مليار دولار. وعلى الرغم من بعض الإخفاقات فسامسونغ حققت الكثير من النجاح، وتربعت –بتفوق- على عرش الإلكترونيات ذات الجودة والكفاءة العالية. وفي كل صناعة تدخلها سامسونغ، فإنها تمتلك حصة عالية من تلك الصناعة لوجود الخبرات المهنية والمؤهلات المالية اللازمة. بما أنها في القمة الآن، فإنها أصبحت الهدف التالي للشركات الصاعدة التي تطمح للوصول إلى نفس مستوى نجاح سامسونغ..