رغم الأموال الهائلة التي صرفت للنهوض به، فإن قطاع السياحة بالمغرب لا يحقق تقدما ملموسا، بل سجل في الشهر الماضي تراجعا مهولا خصوصا بين السياح القادمين من فرنسا التي تعد أول مزود لبلادنا في هذا المجال. في هذا الحوار يقدم وزير السياحة تفسيره لهذا التراجع، ويبسط الإجراءات الكفيلة بتجاوزه. { لماذا أصبح وضع السياحة المغربية حساسا لدرجة تنفيذ خطة عمل تكلف 10 ملايير سنتيم؟ أحسسنا بأن هنالك فتورا من جانب السياح الفرنسيين، وهم يشكلون الزبون الرئيسي للسياحة المغربية، إزاء القدوم إلى المغرب. وهو فتور نسبي على كل حال، لكنه يتطلب منا القيام بعمل لاحتواء آثاره على الحسابات النهائية لقطاع السياحة بالمغرب. ويطرح علينا هذا الإشكال المرتبط بالسياح الفرنسيين ضرورة البحث عن أسواق جديدة يمكنها أن تملأ الفراغ المحتمل الذي يتركه الفرنسيون وراءهم، وحينما نتحدث عن خطة العمل، فإن أحد أوجه تنفيذها سيكون محاولة تجاوز المطلب الفرنسي لرحلات السياحة نحو المغرب. وفي كل الأحوال، فإننا لا نرغب في تقليص الاهتمام التاريخي عندنا نحو السياح الفرنسيين، بل سنبحث عن الكيفية الناجعة لاستعادة الفرنسيين، فهم في نهاية المطاف زبون جيد. { كم بلغ مستوى الفتور من حيث الأرقام؟ لا أستطيع أن أقدم لكم أرقاما نهائية، لكن ما يمكنني تقديمه -في هذا الصدد- هو أن نسبة الانخفاض في تدفق السياح أو تقلص نسبة الحجوزات تراجعت نسبتها مابين 5 و10 في المائة، منذ نونبر حتى دجنبر 2014. ويقول المهنيون، بحسب سجلاتهم، إن نسبة تدفق السياح الفرنسيين في شهر يناير الفائت، تراجعت بنحو 20 إلى 25 في المائة، وهو تراجع مرتبط على كل حال بتكالب عوامل داخلية تهم فرنسا. وحتى يكون لدي رقم دقيق لتقييم مستوى تراجع السياح الفرنسيين، فإني أحبذ التفكير في أن مسار هذا التراجع سيتوقف بعد شهر، ليعود إلى مستوياته الاعتيادية. { ولكن لماذا يتخلى السياح الفرنسيون تدريجيا عن المغرب كوجهة سياحية؟ هو ليس تخليا من لدنهم كما قد توحي به العبارة المستعملة من قبلكم، بل هو فتور نسبي فحسب، تغذيه بعض الإجراءات المتخذة من الجانب الفرنسي الرسمي. وتتذكرون التحذير الذي أطلقته وزارة الخارجية الفرنسية قبل شهور لمواطنيها من السفر إلى المغرب، فقد كان تحذيرا غير واقعي، ولم تكن أسبابه مفهومة، وكان من الصعب التصديق أن المغرب سيصبح بالنسبة إلى جهة حكومية فرنسية كالخارجية، وجهة خطرة مثلها مثل دول لا تعرف للاستقرار مذاقا. وبالرغم من أن ذلك التحذير كان يفتقر إلى الحجة، إلا أن تأثيره على السياح الفرنسيين المفترضين كان مدمرا، وفي غالب الأحيان، تكون تلك التحذيرات المحدد الرئيسي أو حتى النهائي لوجهة السياح في ذلك البلد. وهكذا، ومنذ شهر نونبر الماضي، شرعت مؤشرات الحجوزات للسياح الفرنسيين في الهبوط، ولاحظ المهنيون بقلق كيف أن توافد السياح الفرنسيين قلّ، وحتى لما سحبت الخارجية الفرنسية تحذيرها، لم نر أي أثر يدفع تلك المؤشرات إلى التحسن، لأن أثر التحذير الأول ليس من السهل زوال مفعوله، ويحتاج إلى ترتيبات أكثر فعالية لمحوه. { وربما حتى أحداث مجلة «شارلي إيبدو»، عززت الاعتقاد لدى الفرنسيين بأن دول شمال إفريقيا ربما قد تمثل خطرا بالنسبة إليهم.. أليس كذلك؟ ما لم نكن في حاجة إليه بعد تحذير الخارجية الفرنسية لرعاياها من السفر إلى المغرب، هو وقوع عمليات إرهابية في فرنسا، فقد قدم المتهمون على أساس أنهم مغاربيون، وبالنسبة للمواطنين الفرنسيين، فأن يكون المتهم أو الفاعل مغاربيا أو ينحدر من دولة معينة في شمال إفريقيا، معناه أن كافة دول شمال إفريقيا قد تكون مصدر خطر. لقد كنا ضحايا لمثل هذه الاستنتاجات غير الواقعية، لأن الخلط الذي وقع بين أن يكون الفاعل مغاربيا أو جزائريا، كما جرى تحديده لاحقا، وبين المغرب كبلد، دفع الفرنسيين إلى التفكير مرتين قبل السفر إلى المملكة. خذ هذا الخلط في عين الاعتبار وعقول الفرنسيين مازالت تحمل آثار التحذير من زيارة المغرب. كان ذلك شيئا سيئا بالنسبة لنا. إنهم يفكرون بمنطق أن الأخوان كواشي ينحدران من الجزائر، وهذا بلد مجاور للمغرب، وما قد يصدره الجزائر من مخاطر إلى الفرنسيين، يمكن للمغرب أن يصدره، وهذا خطأ، وكل الأدلة تدحضه، لكن الفرنسيين -على كل حال- يحتاجون إلى دليل إضافي لإقناعهم بعدم صواب تخميناتهم، وستكون خطة العمل في أجزاء كبيرة منها، موجهة إلى استعادة ثقة الفرنسيين في المغرب كوجهة يمكنهم الاطمئنان إليها كسياح، وكي نقول لهم إن فكرتكم حول المغرب مجرد وهم مصطنع. { أليست مهمة إعادة ثقة الفرنسيين في المغرب من الناحية الأمنية، مهمة ومتعددة الجوانب، ولا تهم فقط وزارة السياحة؟ ربما على جهات حكومية مغربية أخرى أن تسعى في هذا الاتجاه.. بالنسبة إلينا، ما يجب أن نقوم به هو ما هو مطلوب من وزارة السياحة في مثل هذه الحالات. ويمكننا أن نقدم للفرنسيين عبر خطة العمل هذه، ما يرغبون في سماعه، مصحوبا بالقدر الكافي من الأدلة، على أن المغرب لا يجب أن يصنفوه كمنطقة خطرة. والمهنيون أيضا لديهم دور حيوي في هذه العملية، وعدا ذلك، يمكن القول إن المغرب يسعى كدولة إلى تعريف نفسه بالطريقة المناسبة في الخارج، أي بوصفه بلدا مستقرا، ولا مكان لخوف سائح فرنسي كان أو من جنسية أخرى، على حياته من هجوم متطرفين. { حتى تدهور العلاقات الفرنسية-المغربية في الشهور الأخيرة ربما ساهم في دفع مؤشر تدفق السياح الفرنسيين نحو الأسفل.. في رأيي، فإن تقييم مستوى العلاقات الفرنسية-المغربية لا يؤثر على العملية السياحية. وحتى وإن تدهورت قليلا أو كثيرا، فإن السبب الرئيسي لا يكون مرتبطا بالسياحة، ولا يمكنه أن يؤثر على تدفق الفرنسيين إلى المغرب. من الصعب القول إن رعايا ذلك البلد سيقررون تجاهل المغرب كوجهة سياحية، فقط لأن بلدهم لديه سوء فهم للمغرب كسياسات عامة. مثل هذه المشاكل كانت تحدث دوما، لكنها لا تؤثر على نسب السياح الفرنسيين، ولذلك لا يمكن القول إن حرارة العلاقات الدبلوماسية تنعكس على حرارة السياح الفرنسيين. { وهل من الحكمة التعويل على سياح بلد واحد لدفع عجلة السياحة.. سيترككم هذا في مواجهة تأثيرات جانبية قد تؤدي إلى الانهيار. لا يمكننا التشطيب على السياح الفرنسيين من أجندة السياحة المغربية، وبعد قول هذا، يمكنني أن أقول لكم إن خطتنا تستهدف إعادة توجيه التركيز نحو زبناء آخرين محتملين بشكل كبير لملء أي فراغ محتمل للسياح الفرنسيين. ربما لم نُقوّم، في السابق، استراتيجيات عمل أوسع. لكننا سنشرع، ابتداء من الأسبوع المقبل، في تنفيذ خطة تسويق المغرب في أسواق جديدة نسبيا. وخذ على سبيل المثال، ما يوجد من فرص هائلة في السوق الإنجليزي. ليس من السليم تجاهل ما يمكن استثماره هنالك لصالح السياحة المغربية. ونعتقد أن أفضل ما يمكن فعله هو التركيز على هذه السوق، وأيضا على السوق الإيطالي المهمل بدرجات متفاوتة. وسأكون هنالك في الأسبوع المقبل كي نرى ما يمكن فعله لدفع السياح الإيطاليين أكثر فأكثر نحو المغرب. ثم لا ننسى ما يختزنه السوق الإسباني بدوره من فرص للسياحة، فهذا بلد سياحي أيضا، لكنه مصدر حيوي للسياح، وبالرغم من الأزمة المالية، فإن الإسبان يحبون المغرب كوجهة سياحية، وما علينا فعله سوى تطوير رغباتهم. { وكيف ستنفذون خطة العمل؟ إنها تدابير يتعين القيام بها في مجال التواصل، ولكن أيضا على مستوى الشراكة ووسائل الإعلام الموجهة أساسا إلى قادة الرأي ومهنيي السياحة بشأن الأسواق الرئيسية المصدرة للسياح. وكما كتب في البلاغ الصادر عنا، فإننا كخطوة استباقية لتجاوز الانخفاض المسجل، وكي نرفع اللبس عن وضعية المغرب، سنحافظ على التواصل في السوق الفرنسية، وتعزيز أعمال علاقات الإعلام والضغط والتحسيس في أوساط قادة الرأي ووسائل الإعلام، وندفع الفاعلين السياحيين الفرنسيين والمغاربة إلى العمل على ترسيخ فكرة استقرار المغرب، والإخبار بالأمن المضمون سواء بالنسبة للمواطنين أو بالنسبة للسياح، ووضع استراتيجية للتواصل المشترك مع شركات النقل الجوي.