تراجعت أسعار النفط الخام بشكل كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية، ووصلت إلى ما دون 50 دولارا للبرميل الواحد، بعد قرار منظمة الأوبك الإبقاء على سقف الإنتاج البالغ 30 مليون برميل يوميا. وكانت أسعار النفط وصلت إلى نحو 140 دولارا للبرميل عام 2008، لتتراجع بعد ذلك وتستقر ما بين 100 إلى 110 دولارات للبرميل خلال الأشهر القليلة الماضية. وبلغت نسبة انخفاض أسعار النفط حوالي 50 في المائة منذ شهر يونيو الماضي، فكيف سيستفيد المغرب من هذا التراجع؟ احتياطي العملة في الأخضر يتطلع المغرب إلى تقليص فاتورة الطاقة خلال هذه السنة، لتعديل خسائر ميزان المدفوعات الخارجية الذي يمتص الاحتياط النقدي، وصرح المحلل الاقتصادي عبد الخالق التهامي، في اتصال مع «اليوم24»، أن تقهقر أسعار النفط في الأسواق العالمية له انعكاس إيجابي على خزينة الدولة، من خلال انخفاض الفاتورة الطاقية بشكل عام، موضحا أنه إذا افترضنا أن الكمية التي يستوردها المغرب هي نفسها خلال السنة الماضية، فإن هذا ما يعني أن التكلفة ستنخفض إلى النصف خلال الأربعة أشهر الأخيرة باعتبار أن سعر برميل النفط شهد تراجعا بأكثر من 50 في المائة خلال هذه الفترة. وبما أن الفاتورة انخفضت، فإن الاحتياطي من العملة الصعبة سيرتفع، إذ أن المبالغ الضخمة التي كان يشتري بها المغرب براميل النفط بالدولار، سوف تعرف تراجعا ملموسا مع انخفاض الذهب الأسود في الأسواق العالمية، يضيف الأستاذ الجامعي. فإذا كانت احتياطات المغرب قبل أشهر قليلة، من العملة الصعبة لا تغطي سوى 5 أشهر، فإنها الآن أصبحت تغطي 5 أشهر و12 يوما، وسيتزايد هذا الرقم مستقبلا إذا استمرت الأسعار في التراجع. صندوق المقاصة وتحسن عجز الميزانية قال هشام موساوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، إن أكبر رابح من تقهقر أسعار النفط هي خزينة الدولة، وبالتالي التوازنات الماكرواقتصادية للمغرب، مضيفا، في تصريح ل» اليوم24»، أن عجز الخزينة العامة يتغذى من خلال نفقات صندوق المقاصة، والتي وصلت خلال سنة 2012 أزيد من 55 مليار درهم، وهو ما يمثل 7,3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وبما أن 85 في المائة من نفقات المقاصة تذهب لاستيراد المواد النفطية، فإن الفاتورة الطاقية للمغرب تحملت الشيء الكثير في الفترة ما بين 2003 و2010 وقاربت في المتوسط نسبة 8 في المائة من الناتج الخام. وبالتالي يخلص الموساوي إلى أن تقهقر أسعار النفط في الأسواق العالمية كان له أثر جد إيجابي على خزينة البلاد واستطاع المغرب توفير أزيد من 12,5 مليار درهم في السنة الماضية، والتي كانت تستنزفها نفقات صندوق المقاصة. وعلى هذا الأساس راجع صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن عجز الميزانية في البلدان المستوردة للنفط، إثر التراجع المتواصل لسعر النفط في الأسواق الدولية وانعكاساته على المالية العمومية لهذه البلدان، وخفض توقعاته بنقطتين مئويتين، ليقلص العجز المنتظر، خلال السنة الجارية من 9.5 في المائة، خلال 2013 إلى 7 في المائة في السنة الماضية، ما يعكس الترابط القوي بين سعر النفط ومستوى عجز الميزانية. وإذا كان العجز بالمغرب لم يصل إلى مستوى 9.5 في المائة، فإنه سيستفيد من الانخفاض في سعر النفط، إذ يتوقع أن يتراجع بنحو 0.6 إلى 1 نقطة مئوية ليستقر في حدود 4 في المائة، كما أن نسبة النمو يمكنها تحقيق 5 في المائة خلال السنة الحالية. انخفاض الواردات وتراجع الدين العمومي أدى انخفاض أسعار البترول عالميا إلى تراجع قيمة واردات المغرب من الخارج، وقال عبد الخالق التهامي، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، إن تنافسية المقاولات المغربية ارتفعت متأثرة بتراجع فاتورتها الطاقية، أي أن الشركات سجلت نفقاتها من مشتريات الطاقة تقهقرا مهما وهو ما جعل تنافسيتها أكثر أهمية لأن توازناتها المالية صارت جيدة. من جانبه، أشار الأستاذ الجامعي هشام الموساوي، إلى أن تراجع العجز الموازناتي للمغرب جراء تقهقر أسعار النفط، من شأنه التأثير إيجابا على وقف دوامة الدين العمومي التي ينخرط فيها المغرب منذ سنوات، والذي يمثل حاليا 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام. تغير فرضيات القانون المالي 2015 تتمثل أهم الآثار الإيجابية لتراجع أسعار النفط في أنه يحمل أخبارا سارة لدولة مستوردة للذهب الأسود مثل المغرب، الذي استفاد من انخفاض الأسعار باستيراد هذه المادة الحيوية بتكلفة أقل، إذ عندما تتراجع أسعار النفط تنخفض التكاليف بالنسبة إلى قطاع الأعمال، بالتبعية تنخفض الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب الاستهلاكي، أكثر من ذلك، فإن انخفاض التكاليف يحفز المستثمرين على مزيد من الاستثمار، الأمر الذي يرفع من معدلات النمو. لذلك، يعتقد بعض المراقبين أن التراجع الحالي لأسعار النفط سيساعد على تعزيز معدلات النمو في المغرب. وإذا كانت الحكومة قد اعتمدت في فرضياتها لنسبة النمو في 2015 إلى سعر برميل النفط، الذي كان يقارب 100 دولار، فإن عليها حاليا مراجعة نسبة النمو التي حددتها في 4.4 في المائة، باعتبار أن سعر برميل النفط، إن استمر في تراجعه خلال هذه السنة، خصوصا وأنه لا يتعدى نصف ما افترضته حكومة بنكيران في قانونها المالي الحالي، يصرح المحلل الاقتصادي عبد الخالق التهامي ل»أخبار اليوم»، حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة النمو خلال هذه السنة، ما يجعل من إعادة النظر في نسبة النمو أمرا ضروريا. وبالفعل، فإن المعطيات الاقتصادية المؤثرة في مستوى النمو بالمغرب تبدو إيجابية هذا العام، فالخبراء يتوقعون، استقرار برميل النفط في مستوى ال60 دولارا وأقل، فيما وضعت الحكومة من خلال قانون المالية على أساس مائة دولار لبرميل النفط، مما سيتيح لها فائضا ماليا مهما، وسيحفز الإنتاج أكثر، وسيعزز تنافسية المنتجات المغربية، هذا فضلا عن بشائر سنة فلاحية جيدة بعد التساقطات المطرية الأخيرة، كل هذه العوامل دفعت بالخبراء والمؤسسات إلى التفاؤل، منها بنك المغرب الذي يتوقع أن يتعافى نمو الاقتصاد المغربي في مستوى 4.4 في المائة، كما أبدى أحمد لحليمي المندوب السامي للتخطيط، تفاؤلا كبيرا لما ستكون عليه الوضعية الماكرو اقتصادية في المغرب خلال السنة الجارية، مؤكدا أن توقعات النمو الاقتصادي لسنة 2015 ستبلغ 4.8 في المائة. شركات الطيران تتنفس الصعداء من أكثر القطاعات التي تأثرت بانخفاض أسعار النفط هي شركات الطيران، التي تنفق 30 في المائة من ميزانياتها على الوقود، وإذا ظلت الأسعار على انخفاضها، فمن المتوقع أن توفر هذه الشركات 5 مليارات دولار في 2015، وفقا لمحللي بنك «جي بي مورجان»، كما يتوقع المستهلكون انخفاض أسعار الرحلات الجوية. ويرى المحللون أن شركات الطيران بالمنطقة تأمل في الاستفادة من تراجع أسعار النفط، وذلك بعدما شهدت صناعه الطيران تباطؤاً كانت له انعكاساته على أرباح الشركات في ظل ارتفاع تكاليف الوقود. ولعل نتائج شركة الخطوط الملكية الجوية خلال سنة 2014، خير دليل على انتعاش الشركة الناقلة التي كانت تعاني سابقا من تحقيق نتائج سلبية، حيث نقلت الشركة أزيد من 6 ملايين مسافر على متن 68 ألفا و300 رحلة، مسجلة بذلك نسبة ملء في ارتفاع ب 2 في المائة مقارنة مع سنة 2013. واختتم بذلك النقال الجوي الوطني السنة المالية 2014 (من نونبر 2013 إلى نهاية أكتوبر 2014) بتسجيل ارتفاع بنسبة 6 بالمائة مقارنة مع السنة المالية الماضية. حيث استقل قرابة 5,2 مليون مسافر للقيام برحلات دولية، أي ما يعادل 83 في المائة من حركة النقل لدى الشركة. كما أن 4 ملايين مسافر عبروا محور الدارالبيضاء الذي استوعب 67 في المائة من حركة نقل الخطوط الملكية المغربية. ومن أجل مواكبة التطورات المرتبطة بالمنافسة الشديدة، عملت الشركة الوطنية للخطوط الملكية المغربية على التموقع بشكل جديد في عملية التسويق من خلال إعادة التركيز على الزبون واعتماد سياسة تعريفية جريئة. ومن جهة أخرى، عملت على تعزيز الخدمات الموفرة للزبون وتكثيف الحركات الجوية بين البلدان الأفريقية، خاصة الغربية منها، ودعم مختلف الأنشطة الثقافية والفنية التي من شأنها تقوية هويتها الإفريقية. ويرى المراقبون أن تراجع أسعار الوقود خلال الشهور الأخيرة من السنة الماضية ساهم بشكل كبير في تحقيق شركة «لارام» لهذه النتائج الجيدة. أصحاب السيارات المستفيد الأكبر يرى طارق المالكي، الأستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، أن تأثير انخفاض الأسعار على الاقتصاد المغربي يمكن أن يفهم من خلال ثلاثة اتجاهات. أولا، على مستوى الموازنة العامة للدولة، وهذا يتوقف على السعر الذي اشترى به المغرب النفط، الذي يقوم على تقنية التغطية. إذ إن التراجع في أسعار النفط سيكون له انعكاس إيجابي على صندوق المقاصة، الذي تراجعت نفقاته بشكل لافت خلال هذه السنة، ثم هناك الأثر الثاني المتمثل في تراجع الواردات المغربية من المواد النفطية، وهو ما يقلص بشكل أوتوماتيكي العجز التجاري المتفاقم منذ عدة سنوات. وثالثا، انعكاس ذلك على سعر الوقود الموجه للمستهلك، بالإضافة إلى تأثيره على سعر الإنتاج بشكل عام، حيث إن الحركة الاقتصادية للعديد من المقاولات ستتأثر إيجابا، لأن الوقود يشكل أهم نفقاتها. فأصحاب السيارات لمسوا تراجعا كبيرا في الأسعار بمحطات الوقود، خصوصا وأن سعر الغازوال تراجع خلال الأسبوع المنصرم بحوالي 40 سنتيما للتر الواحد لينتقل إلى 8,03 دراهم للتر الواحد، في حين عرف سعر البنزين انخفاضا ب31 سنتيما للتر الواحد، ليستقر في 8,98 دراهم للتر الواحد. إلى متى ستظل أسعار النفط منخفضة؟ يرى المراقبون أن التوقعات تلعب دورا في تحديد سعر البترول، حيث من المتوقع أن تظل الأسعار منخفضة لمده ستة أشهر مقبلة على الأقل، خاصة بعدما امتنعت منظمه الأوبك عن اتخاذ أي تدابير من شأنها إنقاذ السعر من الانهيار. فيكفي أن تعلن المنظمة، التي تتحكم في حوالي 40 في المائة من سوق البترول العالمي، عن نيتها الحد من إنتاجها، حتى يرتفع السعر. وتحدد المنظمة لكل دولة من أعضائها 12 «كوطة» محدده، أي حجم إنتاج النفط المسموح لها بإنتاجه، بحسب حالة السوق، وبغرض الحفاظ على سعر البترول في حدود هامش من الأسعار يكفل لمجموع الدول ككل أن تستفيد خير استفادة من تجارة الذهب الأسود، هذا كلام نظري فحسب، إذ أنه في الواقع، وطمعا في المزيد من المكاسب، تتجاوز غالبا الدول الكوطة المحددة، لتطرح في الأسواق كميات أكثر من المتفق عليه. والرسالة التي أرسلتها مؤخرا دول الأوبك لأسواق النفط هي أنها من أجل الحفاظ على حصصها في السوق، لا تبالي بانخفاض السعر في الوقت الحالي، مما دفع التوقعات المستقبلية للسعر إلى أسفل. وحتي خارج أوبك، تحاول روسيا التي تترنح عملتها هي، أيضا، اقتناص أكبر قدر من الموارد في إطار انخفاض الأسعار عن طريق ضخ المزيد من النفط في الأسواق. وهكذا، تدخل السوق في دوامة من زيادة المعروض طمعا في تعويض انخفاض الأسعار، فلا يجد المعروض مشترين، فيقل السعر على أمل في اجتذابهم، إذ يحاول المنتجون تعويض الانخفاض بمحاولة بيع كميات أكبر، وهكذا.