يبدو أن اختلالات صندوق المقاصة لن تنتهي بعد سحب الحكومة بشكل كامل للدعم الذي كانت تخصّصه للمحروقات من وقود وبنزين، حيث عادت مادة غاز البوتان لتسبّب ثقبا جديدا في ميزانية المقاصة يوحي بوجود تلاعبات كبيرة. فقد ارتفع حجم الدعم الموجّه إليها في العام 2014، رغم الانخفاض الكبير الذي عرفه سعر الغاز في الأسواق العالمية. فالمعطيات الإحصائية المتوفّرة حتى الآن، والتي تغطي الشهور ال11 للعام الماضي، تكشف عن مفارقة غريبة، حيث انتقل حجم الغلاف المالي المخصص لدعم غاز البوتان، من 11.7 مليار درهم، إلى 12.5 مليار درهم. هذا في الوقت الذي انخفض فيه سعر هذه المادة الحيوية في الأسواق العالمية بنسبة 38 في المائة، حيث انتقل سعر الغاز من ألف دولار للطن الواحد، إلى 666 دولارا فقط. مصدر مقرّب من نظام المقاصة، قال ل» اليوم24» إن كلفة الدعم المقدّم للمنتجين والموزّعين، تتعلّق بالكميات المستهلكة، وليس بالأسعار العالمية فقط. وتفيد المعطيات الإحصائية المتوفرة حول دعم الغاز بارتفاع الكمّيات المستهلكة من الغاز في 2014 بنسبة 5 في المائة. المصدر نفسه أوضح أن سعر قنينة الغاز نفسها، لا يغطي سعر غاز البوتان الذي يوجد بداخلها فقط، بل إن نصف سعر القنينة الواحدة يذهب إلى تغطية مصاريف تعبئتها وتوزيعها. وتكشف المعطيات الرقمية المتوفرة حول الشهور ال11 الأولى من سنة 2014، أن 96 في المائة من نفقات المقاصة، هي تلك التي تغطي التوزيع، فيما تنقسم ال4 في المائة المتبقية بين تغطية نفقات النقل والاستيراد. لكن يبقى أن المعطى الحاسم في تحديد قيمة الدعم الذي تصرفه الدولة من ميزانيتها العامة، هو الكمّيات المستهلكة، والتي تحدّدها الشركات الموزّعة لمادة غاز البوتان بشكل أحادي، بعيدا عن أية مراقبة. وحسب تقرير للمجلس الأعلى،فأن بنية أسعار الغاز وضعت سنة 1995 على أساس سلسلة إنتاج مكونة في معظمها من مهنيين غير مندمجين، أي أن موزع قنينات الغاز كان يلجأ إلى شركات أخرى منفصلة عنه تقدّم له خدمات التعبئة، ووضع السدادات والتخزين… أما اليوم، فقد أصبح معظم موزعي قنينات الغاز يقومون بجميع أجزاء سلسلة إنتاج قنينة الغاز، ما يؤدي إلى «الأخطار المتعلقة بالفوترة بين شركات منتمية إلى نفس المجموعة أو فوترة الشركات لنفسها، ما يزيد من أعباء المقاصة بالنظر إلى مراكمة نفس الفاعلين لجميع الهاوامش والتعويضات». ومما يزيد من حدة الوضعية، «كون مراقبة تصريحات الشركات البترولية تقتصر على مراجعة الوثائق المدلى بها، مما يسمح بتفادي تطبيق الدعم على كميات لم يتم التحقق من صحتها». وفيما كشف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران مؤخرا، عن حرصه على عدم المساس بدعم غاز البوتان نظرا إلى حساسيته الاجتماعية، وربطه بين أية مراجعة وبين صرف دعم مالي مباشر للفئات الفقيرة؛ يقرّ الجميع، بمن فيهم الحكومة، على أن الكميات المستهلكة فعلا، لا تذهب كلها إلى مطابخ الأسر، بل إن القسم الأكبر منها يستهلك لأغراض تجارية مثل تشغيل محرّكات السقي في الضيعات الفلاحية. وزير الحكامة محمد الوفا، ذهب في إحدى خرجاته التلفزيونية إلى القول إن الحكومة يمكنها أن توزع قنينات الغاز مجانا على جميع الأسر المغربية ولن يكلّفها ذلك قيمة الدعم الذي تصرفه حاليا.