عندما يصعد السياسيون إلى منابر الخطابة في الجماهير يفقدون نصف عقلهم، وإذا احتفظوا بالنصف الآخر إلى نهاية الخطبة يكونون قد نجحوا نجاحا كبيرا، أما حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، فإنه عندما يصعد للخطابة في أتباعه فإنه يترك عقله في البيت، ويذهب إلى الجماهير بلسان طويل وقاموس للهجاء لم يسبقه إليه أحد في المغرب… نهاية الأسبوع الماضي نزل شباط إلى الدارالبيضاء لنصرة رئيس مقاطعة المعاريف، أحمد القادري، الذي عزلته وزارة الداخلية من منصبه الأسبوع الماضي، بعد أن أظهر التحقيق أن القيادي الاستقلالي متهم بعدة اختلالات وتجاوزات للقانون. عوض أن يذهب شباط إلى المحكمة للطعن في القرار التأديبي الصادر عن وزارة الداخلية ضد القادري، فضل أن يذهب إلى تجمع خطابي مع قيادات الحزب، ويعلن براءة القادري من المنسوب إليه أمام تجمع من 1000 شخص لا يعرف جلهم شيئا عن القانون ولا عن خبايا تسيير مقاطعة المعاريف، لكن أطرف ما سمعت في هذا الحفل البهيج هو تعليق كريم غلاب، الرئيس السابق لمجلس النواب والوزير مرتين، والذي يفترض أنه يعرف بعض رؤوس الأقلام عن القانون. سمعت غلاب يقول: «لا يعقل أن تعزل سلطة إدارية شخصا منتخبا ديمقراطيا». ألا تعرف، السي غلاب: أن القانون في المغرب، ومنذ السبعينات، يعطي الحق لوزارة الداخلية في عزل رؤساء الجماعات والمقاطعات؟ وأنكم أيها الاستقلاليون تعايشتم مع هذا القانون غير الديمقراطي لسنوات طويلة وأنتم في الحكومات المتعاقبة، والآن فقط اكتشف «موسيو» غلاب أن الديمقراطية المحلية مهددة، واكتشفت «مدام بادو» أن القادري يدافع عن الله والوطن والملك (هكذا قالت الوزيرة الضاحكة في التجمع الخطابي المناصر للقادري في البيضاء!). لكن ليس هذا هو موضوعي اليوم. الموضوع الذي أريد أن أتحدث فيه هو تصريحات شباط حول مذبحة شارلي إيبدو، حيث تقمص الزعيم الشعبوي للاستقلاليين رداء السلفي الجهادي للدفاع عن ثوابت الإسلام، حيث قال: «إن الرسول بالنسبة إلينا مسألة حياة أو موت، لأننا في بلاد أمير المؤمنين». («حياة أو موت» هذه صعيبة شوية السي شباط). وبهذا المنطق تجري تعبئة الشباب المتطرف لتنفيذ عمليات إرهابية ضد من يعتقد أنهم يمسون رموز الإسلام. هذا ليس خطاب عقل وحكمة وتبصر، نحن بلاد ومجتمع يدافعان عن الإسلام ورموزه بالعقل والحكمة والرزانة في الحياة وبالحياة، أما الموت فهو خارج هذه المعادلة الدنيوية! شباط لم يقف هنا فقط، بل أخذته الحماسة إلى أبعد من هذا، وهو يسعى إلى منافسة العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح على الخطاب الديني، فقال: «لا يمكن أن نقبل في دولة أمير المؤمنين بلاغ حزب العدالة والتنمية وبلاغ حركة التوحيد والإصلاح اللذين تعاطفا مع مجلة شارلي إيبدو، ولم يدافعا عن الرسول والإسلام. هذا ليس حزبا إسلاميا بالقطع، المسلمون يموتون كل يوم في العراق وفلسطين وليبيا وسوريا والبحرين»… رجعت إلى البلاغ الذي أصدره الحزب والبلاغ الذي أصدرته الحركة فلم أجد إلا موقف إدانة للجريمة، ودعوة إلى نبذ الإرهاب، وتنبيها إلى ضرورة احترام مشاعر المسلمين، والتفريق بين حرية التعبير وحق الأديان في عدم السخرية من رموزها، فقلت: «ماذا يريد شباط أكثر من هذا؟». هل يريد شباط من الشيخي وبنكيران والعثماني ويتيم والرميد وبوانو أن يبعثوا رسالة تعزية إلى الأخوين كواشي، وهدية إلى زوجة كوليبالي يهنئونها على غزوة شارلي إيبدو، ويعلنون وقوفهم خلف العملية ليكون الإسلام بخير ومحمد (ص) راضيا عنا؟ أيها السادة، شيء من العقل والحكمة… ما وقع من مجزرة في مجلة شارلي إيبدو حدث كبير وسيكون له ما بعده، واسألوا إخوانكم المسلمين في فرنسا وعموم أوروبا عن أوضاعهم بعد المجزرة، ثم إن قتل صحافي يرسم في مجلة شيء، وسقوط المسلمين في العراق وسوريا وليبيا والبحرين، للأسف، شيء آخر. لا يجب أن يقودنا سقوط الدم في بلادنا إلى تبرير سقوط الدم في بلاد أخرى، أو الدخول في مفاضلة بين الجرائم والضحايا هنا وهناك… إذا كان حزب العدالة والتنمية قد عبر عن موقف معتدل في هذه النازلة وأدان الإرهاب، ولم يبرره بأسلوب شارلي إيبدو في استفزاز المسلمين، فهذا يحسب له لا عليه، وإذا اعتقد شباط أنه سيجني أرباحا انتخابية من وراء اختطاف الخطابات الدينية من يد حزب المصباح فالله يعرضو للربح… هذا طريق ليس مفروشا بالورود، وفيه ألغام كثيرة، وأعان الله غلاب وياسمينة والدويري واحجيرة والدكتور الكيحل على ارتداء العمامة وإطالة اللحى ولبس الخمار، والجري وراء الدفاع عن الإسلام على الطريقة الشباطية…