في هذا الحوار، يسلط الكاتب السوداني حمور زيادة، الضوء على مضمون روايته «شوق الدرويش» الحديثة، الفائزة بجائزة نجيب محفوظ للأدب سنة 2014 التي تمنحها الجامعة الأمريكية في القاهرة. كما يتحدث الأديب السوداني الشاب عن علاقته بالروائي الراحل الطيب صالح ورؤيته إلى الكتابة. { لماذا العودة إلى الثورة المهدية؟ أين تكمن أهمية هذا الاختيار؟ متى فارقتنا الثورة المهدية، أو قل للدقة ظروفها وواقعها، لتكون الكتابة عنها عودة؟ نحن نعيش في واقع من التطرف الديني، والتعصب، نبذ الآخر، والقناعة بامتلاك الحقيقة المطلقة. عالم من الدم، وأحلام غزو العالم، والظلم الاجتماعي والحكومات القمعية. الثورات الحالمة التي تعيش حلمها منتشية حتى تصطدم بجدار الواقع الحجري. أليست تلك كلها سمات نهاية القرن التاسع عشر في السودان؟ { تعالج الرواية قضايا كونية مثل الاستبداد، القمع، العلاقة مع الآخر، الأوربي/ التركي، إلخ. هل يمكن القول إن الرواية كتبت لتضاهي أعمال الطيب صالح في عالميته؟ كُتبت لتضاهي؟ هذه قصدية بينة. بالتأكيد لا. منذ سنوات، حين كتبت عملي الأول في 2008 كنت مصمما ألا أشغل نفسي بالمقارنة بسيدي الطيب أو الحلم بمكانته. الطيب هو الطيب، وما قدمه هو عبقريته الخاصة، وهذه العبقرية هي ما أوصلته إلى العالمية. هذا أمر لا يمكن استنساخه، ولا يمكن السير على دربه تقليدا. لكل كاتب إبداعه وما يقدمه. أما أنا، فغير مشغول بالمقارنة مع سيدي الطيب، ولا مهووس بالعالمية. إنما بالكتابة. إن أحسنتها، فإن للكتاب نصيب لا يتأخر. وحين يحدث ذلك سأكون– غالبا– مشغولا برواية أخرى. { تقابل الرواية بين الحب والإرهاب، هل تعكس الرواية بهذا التقابل أصل الصراع في العالم العربي، أي استحالة الحب وهوس القتل؟ ما تريد أن تعكسه الرواية هي قراءة يمكن للقارئ أن يراها ويمكن ألا يراها. لا أحب أن أستخرج رؤية معينة وأقدمها على لسان الرواية. لكن أنا كشخص مؤمن بما قلته في سؤالك. إننا في منطقة من العالم لديها هوس التدمير. حتى أحلامنا الكبرى قائمة على «غزو العالم» و«أن تطأ خيولنا الفاتيكان والبيت الأبيض». لا أتحدث إن كنا نحب العالم أجمع. هذا أمر يفوق الواقع. لكن أحلامنا لا تحمل تقدمنا الطبي أو تفوقنا في البحث العلمي، أو رفاهية المواطن. أي مواطن عادي– ليس بالضرورة الإسلامي- ستجده بشكل ما يحلم باستعادة الأندلس، وقتل كل إسرائيلي رجلا كان أو طفلا أو امرأة. أنت ترى الفرح حين تصيب كارثة طبيعية الولاياتالمتحدة. تحدث بهجة لهذا الدمار أكثر مما سيحدثها توصل العلماء لعلاج نهائي للسرطان. في عالم كهذا، أين يوجد الحب؟ { حصولك على جائزة نجيب محفوظ من خلال عمل «شوق الدرويش»، هل سيكون «لعنة» كما قال الطيب صالح عن روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، رغم أن أحب أعماله إلى نفسه هي رواية «عرس الزين». هل ستطغى «شوق الدرويش» على بقية أعمالك الصادر منها والآتي؟ وماذا تعني جائزة بهذا الحجم لروائي شاب في مقتبل العمر؟ مازال الوقت مبكرا لحكم كهذا. خاصة أن شوق الدرويش هي رواية جيدة، أما موسم الهجرة فهي عمل عبقري فذ. أعتقد أن لعنة «الموسم» تمكنت من سيدي الطيب قبل جمهوره. لكن أنت تدري أنه كان- رحمه الله- غير محب للكتابة، إذ لم يتبق لديه في مشروعه الروائي سوى رواية صغيرة يتيمة هي «جبر الدار»، وهي مكتوبة منذ الثمانينيات، لكنه لم يهتم بنشرها. بالنسبة إليّ، أحب أن أفكر بأن الأمر مختلف، على الأقل لاختلاف الأزمنة، وقوة حركة النشر، وطغيان الميديا، وكثرة الجوائز. لاحظ أننا في زمن يمكن لكاتب في منتصف الأربعينيات من عمره أن يحصد 10 جوائز محلية وإقليمية بسهولة. هذه أمور لم تتوفر في زمان سيدي الطيب. لكن هذا لا يعني أن الجوائز لا تضع على كاتبها ضغوطا. فهي إما تدفعك للاستسهال بعدها، أو تجعلك مهووسا بالتجويد. هناك طريق قويم وسط بين هاتين الحالتين. أتمنى أن أمر منه. { هل الجائزة تقييم حقيقي ل«شوق الدرويش»؟ ماذا يعني لك الحصول على جائزة نجيب محفوظ؟ ما معنى «حقيقي»؟ هل يمكن اعتبار الجائزة أكبر من الرواية؟ أم أن الرواية أكبر من الجائزة؟ في النهاية، هذا تقييم للجنة تحكيم مستقلة، تنظر فيما بين يديها من روايات لهذا العام، وتختار بتوافق الأعضاء العمل الفائز. ما يعنيه لي، على المستوى الشخصي، هو السعادة البالغة بلا شك. لا يوجد كاتب يرفض أن يحس بتقييم الناس لما كتب. لكن هناك معنى أهم يسعدني أكثر. وهو السؤال الذي بات يتكرر حولي ولي عن الأدب السوداني، وعما يحدث ويُكتب داخل السودان. كتب عدد من الكتاب والروائيين والصحف العربية عقب الجائزة وجهة نظر تسجل غياب الأدب السوداني عن المشهد. إذ كتب الروائي الجميل حجي جابر: «أخيرا الضوء يلتفت للسودان»، وكتب أمير تاج السر شيئا مقاربا. وأنا كنت أصر دائما أن هناك عددا من الكتاب السودانيين الموجودين بالساحات الثقافية العربية، لكن الإعلام يتعامل معهم كآحاد منفصلين ويسأل بعدهم عن وجود الأدب السوداني. ربما تُغير الجوائز من هذا الأمر قليلا، وربما تشجع آخرين من السودان للقفز إلى دائرة الضوء. { بما تفكر الآن؟ غالبا بعد الحصول على جائزة ما يجد الكاتب نفسه يدور في حلقة الجائزة لفترة ليست بالقصيرة؟ هل سيؤثر ذلك في كتابات حمور المستقبلية؟ حلقة الجائزة هي تلبية احتياجات الإعلام، أما نفسيا فأنا في مرحلة رواية ثانية. اكتبها ببطئي القديم ذاته، وسخطي، وتذبذب رأيي فيما أكتب.