يقول المتتبعون لسير مهرجان مراكش الدولي، أكبر تظاهرة سينمائية في المغرب، وواحدة من الريشات التي اختارها لترسم ملامح هويته الجميلة أمام العالم، إن المهرجان حقق شيئا من أهداف المغرب، لكنه حمل مقابل ذلك ملامح الهوية الفرنسية، تماشيا وهوى مديرته الفرنسية، ووريثته الوحيدة "الشرعية" ميليتا توسكان دوبلانتي، بعد وفاة زوجها الذي بدأ الإشراف عليه، وإن كان ذلك تحت قبعة أميرية برعاية ملك المغرب، ولغته الرسمية الأولى كانت العربية. ما يزكي ما سلف الإشراف الدائم لوكالة فرنسية على سيره، والعدد الكبير للفرنسيين المشتغلين به، والذين تغص بهم مساحات قصر المؤتمرات والطرق المؤدية إلى قاعاته، فيتهيأ لك وكأنك في مهرجان جنوبفرنسا، وأنت المغربي الضيف في بلدك. وبمناسبة الحديث عن الضيوف، والفرنسيون كثر، (وأمام الضيف لا يملك صاحب الدار إلا الترحيب)، ثمة شيء سيذهلك حين تُستقبل في قصر المؤتمرات بلغة فرنسية إن شكرت بالعربية، ستدهش مستقبلك، وغالبا مستقبلتك وكأنك ألقيت أمامها ومصدرك جزيرة "الوقواق"، لا المغرب. بل وحتى البلاغات والإعلانات التي يصدرها المهرجان تصلك، إن كنت صحافيا، أولا باللغة الفرنسية، فلا تملك إن لم تكن فرنسي الهوا إلا انتظار نسخة عربية تصلك متأخرة. أما عن فكرة إجراء مقابلة صحافية مع أحد نجوم المهرجان من كل دول العالم غير الناطقين بالعربية، فتلك حكاية أخرى.. عليك طلب ذلك وتمني النفس بموافقة غالبا لن تأتي لأن من يسهرون على انتقاء المنابر التي ستحظى بالحوارات هم الفرنسيون، لأنهم يا سادة مطلعون جيدين على يوميات المنابر الصحافي الناطقة بالعربية، وخصوصا المكتوبة منها ! وإذا أتت هذه الموافقة، لا لشيء إلا لأنك محظوظ هذه المرة فعليك أيضا أن تكون فرنسي الهوا، فإدارة المهرجان تقشفت، وهي الفقيرة، فلم توفر مترجما إلى العربية، وإن شئت فهناك ترجمة إلى الفرنسية، وعليك ألا تنطق حرفا بغير اللسان الأول لفرنسا التي تحترم وتقدر وتعتز جدا بهويتها، والتي أُعْلِن افتتاح المهرجان ثلاث مرات بلسانها، فيما أعلِن باللغة العربية مرة واحدة لأن لجنة التحكيم الموقرة، التي تشرف على رئاستها الفرنسية الكبيرة إيزابيل هوبير، تضم عضويين آخرين فرنسيين، كان ممكنا أن يمثلا دولتين أخريين في اللجنة. قد نعود للحديث بتفصيل عن الموضوع في انتظار ذلك، كل عام ومهرجان المغرب السينمائي الأول فرنسي الهوا (كي لا نقول الهوية) إلى أن ترضى عيون ميليتا وتنطق العربية بعد 14 سنة أقامت خلالها في المغرب الذي يعتز بهويته جدا، دون أن تكلف نفسها خلالها عناء مجرد التفكير في تعلم اللغة العربية، لبلد هي اليوم مسؤولة، فيه داخل إطار من إطارات واجهته على العالم. وحتى لا ننسى أن ننصف ميليتا توسكان دوبلانتي، فهي أيضا واحدة من النجوم اللامعة التي تعرف كيف تسطع على البساط الأحمر مستعرضة، بعيونها الواسعة المثير بريقها، جسدا يليق بعارضة أزياء مميزة أكثر من غيرها.