ينتاب الإسبان شعور بالقلق الشديد على مصير مدينة سبتةالمحتلة، ومصدر خوفهم هو أن المعطيات المتوفرة لديهم تقول بأن عددا هاما من الجهاديين المغاربة الذين هاجروا للقتال في الشرق الأوسط يأتون من محيط هذه المدينة، فثلث الذين يقاتلون في سوريا والعراق ينحدرون من طنجةوتطوان. هذه أبرز المعطيات التي نشرتها يومية «إلموندو» في تحقيق صحفي، استعانت فيه بمعطيات من مصالح الأمن الإسباني، وتحليلات متخصصين من معهد «الكانو الملكي»، وأيضا بدراسة أجرتها المديرية العامة للأمن الوطني بالمغرب حول مكان وجغرافية التطرف. وحسب هذه المعطيات، فإن 30 في المائة من أصل أكثر من ألف مقاتل مغربي في الشرق الأوسط يخرجون من ولايتي تطوانوطنجة، ويشكل قرب المدينتين من سبتة (تطوان35 كيلومترا برا، وطنجة 46 كيلومترا من سبتة) هاجسا مخيفا للإسبان. وحول تصدر طنجة للائحة المقاتلين المتوجهين إلى سوريا والعراق، قال حسن الحداد، الفاعل الحقوقي والجمعوي والذي أطر عددا من الأبحاث حول ظاهرة السلفية الجهادية بشمال المغرب: «الإحصائيات الرسمية غير موجودة، وربما لا تملكها حتى الدول الأوروبية، لكن هذا الرقم يبدو منطقيا لعدة أسباب؛ أولا، لأن المدينة عرفت هجرة داخلية قوية في العشرين سنة الأخيرة، كما سجلنا نموا مطردا للتجارة غير المهيكلة والتهريب بحكم القرب من سبتة، وتنامي الأحياء العشوائية.. وبجولة وسط هذه الأحياء من خلال ملاحظات أولية ما يثير الانتباه هو وجود التجمعات الكبيرة للسلفيين، إضافة إلى قوة وسهولة التواصل بينهم. وتعتبر تنسيقيات المعتقلين الإسلاميين من أقوى التنسيقيات بالمغرب، حيث تنظم أسبوعيا عدة أنشطة ووقفات، فضلا عن استقرار بعض رموز السلفية الجهادية؛ سواء بطنجة أو بتطوان». وحسب نسب مساهمة المدن المغربية في تصدير الجهاديين، تأتي طنجة في مقدمة الترتيب ب 16.6٪، تليها فاس ب 15٪، الدارالبيضاء 13.8٪، وتطوان 13.4٪، وسلا 9 ٪، وتتوزع البقية المشكلة من 32٪ على مدن أخرى. وأشارت السلطات الإسبانية إلى أن عدد المرشحين للانضمام للدولة الإسلامية يزداد كل يوم، بل تقريبا كل الجهاديين المغاربة –اليوم- يطمحون إلى الانضمام لصفوف «داعش». وتؤكد السلطات الإسبانية أنه إضافة إلى أولئك الذين جاؤوا من المغرب، يجب أن يضاف المئات من الأوروبيين من أصل مغربي من جنسيات فرنسا وبلجيكا وهولندا وحتى إسبانيا، على اعتبار أن المغاربة يشكلون ثاني أكبر قوة من الأجانب، بعد التونسيين، في صفوف المنظمات الإرهابية التي تقاتل في الشرق الأوسط. مدريد تعتبر أن الدولة الإسلامية، «داعش» أصبحت مسألة حساسة في الأمن القومي للمغرب، وأشارت «إلموندو» إلى أن الكاتب العام لوزارة الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، التقى وفدا برئاسة ديفيد غرين، المستشار السياسي لسفارة الولاياتالمتحدة بالرباط، وتداولا أرقاما حول عدد الجهاديين المغاربة في سوريا والعراق. مباشرة بعد ذلك، سيكشف وزير الداخلية المغربي، محمد حصاد، في يوليوز من هذه السنة أمام البرلمان، أن1122 جهاديا مغربيا يوجدون في الشرق الأوسط. وهذا الرقم سيرفعه ياسين المنصوري، رئيس جهاز «لادجيد»، في نيويورك، إلى 1193 جهاديا، فيما أشار تقرير المجلس الاستشاري للأمن الخارجي بنيويورك، في أكتوبر الماضي، إلى أن العدد أكبر بكثير من الذي أعلن عنه في المغرب، ويتراوح مابين 1500 و2000 جهاديا مغربيا. تحقيق «إلموندو» أيضا، خصص فقرة مهمة لمدينة الفنيدق، البلدة القريبة من تطوان التي صدرت عددا كبيرا من الجهاديين. للإشارة، فإن مقاتلي الفنيدق جلهم يتحدرون من الأحياء الفقيرة، وتتوزع أعمارهم مابين15 و25عاما، لا يتجاوز مستواهم التعليمي المرحلة الابتدائية، وأغلبهم يعملون في القطاع غير المهيكل كباعة متجولين في الشوارع، أو يمارسون تجارة التهريب انطلاقا من سبتة. وجود سكان الفنيدق بالقرب من مسلمي أفقر أحياء سبتة، يجعل انتقال العدوى الجهادية أمرا ممكنا. ففي إسبانيا، يمكن القول إن الحركة الجهادية نادرة، ولكن على العكس من ذلك، فإنها تتركز بشكل كبير في سبتة ومليلية، وهو ما يفسره فرناندو ريناريس، الباحث المتخصص في الإرهاب بمعهد «الكانو ريال» ب»التعبئة المنتشرة بين السكان المسلمين والتي استقرت هناك لعدة أجيال».