عادة، تخصص الغرفة المتواجدة في شرق البيت الأبيض- الغرفة الشرقية- لمؤتمرات الرئيس باراك أوباما الصحافية، وفي بعض الأحيان لحفلات العشاء الكبيرة ذات الطابع الرسمي. لكن الرجل الذي أسقط أرضا يوم 19 شتنبر الماضي، بعد أن تمكن من التسلل إلى الغرفة بعد السابعة مساء بقليل، لم يكن صحافيا، ولا علاقة له بالصحافة. فهو من قدماء المحاربين في العراق، اسمه عمر غونزاليس (42 سنة) يعيش داخل سيارته. قام بكل بساطة بالقفز فوق السياج المعدني الأسود الذي يحيط بالإقامة الرئاسية في واشنطن، قبل أن يقطع مائة متر جريا على العشب، متسللا عبر باب الرواق الشمالي الذي لم يكن مغلقا. لم يتم اعتقاله إلا عند خروجه من الغرفة الشرقية، وتم ذلك على يد أحد عناصر جهاز الخدمة السرية الذي يعد من وحدة النخبة المكلفة بحماية الرؤساء الأمريكيين. كان هذا العنصر الأمني في إجازة، وكان بمقر عمله صدفة. شعر بالقلق بعد رؤية شخص مجهول في هذا الموقع المحيط بالإقامة الرئاسية فانقض عليه. كان في جيب عمر غونزاليس سكين طول شفرته المسننة 9 سنتمترات. منذئذ، أصبح الجهاز الأمني للخدمة السرية في قلب عاصفة سياسية، ليست هناك أية علامة على تراجع حدتها لحد الآن. تم تأسيس جهاز الخدمة السرية سنة 1865، وكانت مهمته الأصلية تتمثل في محاربة العملات الزائفة والاحتيال المالي. بعد ذلك، أصبحت هذه الوكالة الحكومية مختصة في الحماية الرئاسية، إلا أنها على ما يبدو فقدت هيبتها خلال بضعة أسابيع بسبب الفضائح التي لا تتوقف. وهكذا أجبرت رئيسة هذا الجهاز، جوليا بيرسون، على تقديم استقالتها في فاتح أكتوبر الماضي، وتم تعيين خلف مؤقت لها، في انتظار صدور توصيات هيئة المحلفين والخبراء المستقلين، المفروض أن يقدموا تقريرا قبل 15 دجنبر المقبل. منذ ذلك اليوم، لم ينته الجدل والنقاش أبدا بشأن ضرورة «تغيير طريقة عمل الرجال والنساء الذين يعتمد عليهم أمن رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية»، كما يؤكد ذلك عدة نواب ديمقراطيين وجمهوريين. في حضن عاهرات ليلة الخدمة! كشفت قضية غونزاليس عن التقصير المتكرر في عمل جهاز الخدمة السرية منذ أكثر من عقد. ففي 2012، تعرض الحرس الرئاسي الشخصي لهزة عنيفة بسبب معلومات الصحافة الأمريكية التي كشفت أن 12 عنصرا من المكلفين بأمن الرئيس في القمة الأمريكية بقرطاجنة في كولومبيا قضوا الليلة مع عاهرات محليات في الفندق بدون أدنى اعتبار للمهمة الموكولة إليهم. هذه المرة، أدى اندفاع عمر غونزاليس الجنوني، الذي تم تصويره من طرف مارة بدوا أسرع من حراس الأمن الرئاسي، إلى ظهور سلسلة من الأسرار يبدو تصديقها صعبا للوهلة الأولى. ففي مرحلة أولى، أظهرت لجنة تحقيق تابعة للكونغريس أن جهاز الخدمة السرية قد كذب من أجل التقليل من أهمية الحادث، بالتأكيد أن غونزاليس قد تم اعتقاله أمام الرواق الشمالي، وليس خلال خروجه من الغرفة الشرقية. بعد ذلك، علمنا أن المجند السابق في حرب العراق، الذي ينحدر من تكساس، قد وضع تحت مراقبة الوكالة الحكومية منذ شهر يوليوز قبل أن يعتقل في فرجينيا. ووجد بحوزته أسلحة وذخيرة داخل سيارته القديمة من نوع «فورد برونكو»، من بينها ساطوران وفأسان اثنان. ووجدت أيضا بحوزته خارطة لواشنطن وضع فيها علامة سوداء على موقع البيت الأبيض. مع ذلك، قرر جهاز الخدمة السرية آنذاك عدم القيام بأي شيء. والأدهى أن جوليا بيرسون كانت مجبرة على أن تعترف أنه قبل بضعة أيام من «زيارة» غونزاليس، حدث مشكل آخر خلال سفر أوباما لأطلنطا. فقد تمكن حارس خاص للأمن من دخول المصعد مع رئيس البيت الأبيض، وهو يحمل مسدسه في حزامه من دون تفتيش أو من دون أن يتم التعرض له. ولم يجر حتى التحقق من هويته سوى عندما بدأ يلتقط صورا للرئيس. وانتظرت بيرسون، التي شعرت بالحرج من هذه الحلقة الجديدة في مسلسل فضائح جهازها الأمني، عدة أيام قبل أن تبلغ البيت الأبيض بالخبر. وهذا الأمر سرع اتخاذ قرار استقالتها. ويقول رونالد كيسلر، وهو مؤلف كتاب «الخدمة السرية الخاصة بالرئيس» الصادر في 2010، «إذا ما نظرنا إلى الأمر من الخارج، فإنه يبدو مثل شريط سينمائي سيء، ولكن ما نقف عليه هنا جاء نتيجة انحرافات تعود إلى عدة سنوات مضت، ومحصلة ثقافة تطورت داخل إدارة جهاز الخدمة السرية، الذي يفضل تكذيب ونفي وجود صعوبات في العمل عوض محاولة تسويتها، كل هذا من أجل تخليد أسطورة الوكالة التي لا تقهر». وحسب كيسلر، فإن الضباط الذين لهم الجرأة على الإبلاغ عن هذه الحوادث نادرون جدا، ولا يتم الإنصات لهم، بل يمكن أن يتعرضوا لعقوبات، مضيفا «ومن شأن ذلك أن يخلق جوا معقدا أكثر.. فقبل بضع سنوات، وقعت ابنة نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، الذي كان تحت حماية جهاز الخدمة السرية في حالة غضب بعد أن رفض أحد عناصر الجهاز مرافقة أصدقائها إلى المطعم. وكان ذلك الرفض عاديا جدا. بعدها طلبت رأس هذا العنصر، فطرد من عمله فورا مع العلم أنه طبق القواعد القانونية الجاري بها العمل. فكيف يمكن لعناصر الجهاز العمل بشكل صحيح في هذه الظروف. إذا نظرنا عن قرب لما حصل مع غونزاليس، فإننا لا محالة سنصاب بالصدمة.. إذ كيف حدث أن لا أحدا قام بإطلاق الكلاب المكلفة بمراقبة المجال المحيط بالبيت الأبيض؟». تعديل ضار بعد 11 شتنبر يعتقد الكثيرون في واشنطن أن هموم جهاز الخدمة السرية هي أيضا نتيجة مباشرة للتغييرات الراديكالية التي حدثت داخل الوكالة الأمنية الأمريكية بعد هجمات 11 شتنبر. في تلك الفترة، كان جهاز الخدمة السرية نابعا فقط لإدارة الخزينة المكلفة بتحديد الضرائب. وتم إلحاقها بإدارة الأمن الداخلي الكبيرة. وتم اتخاذ قرار إجراء اقتطاعات من الميزانية السنوية لوكالة الأمن الداخلي التي كانت ترتفع إلى 6،1مليار دولار، وكذا تخفيض عدد عناصرها. لكن عملية الزرع هذه لم تؤخذ حقيقة على محمل الجد. وقد أوضح مؤخرا مقال نشره عنصر سابق في جهاز الخدمة السرية، دان إيميت، في موقع فوكس الإخباري على الإنترنيت، أن الجهاز وجد نفسه منشغلا بعدد كبير من المهام داخل إدارة الأمن الداخلي، وأن الوكالة لم تتمكن من تجنب «تسييسا» كان ضارا بها. وبالنسبة إليه، أصبحت الاعتبارات السياسية لها أهمية أكثر من أمن رئيس الدولة، ذلك أن «المحيطين بالرئيس يحاولون إظهاره قدر الإمكان في وسائل الإعلام وقريبا من ناخبيه، بينما جهاز الخدمة السرية يسعى مبدئيا إلى تقليص ظهور سيد البيت الأبيض العلني إلى الحد الأدنى»، حسب تعبير إيميت. تعليمات مخالفة للبروتوكول يؤكد الرجل، الذي قدّم لنا موعدا تحت اسم مستعار بإحدى حانات بروكلين، والذي اشتغل هو أيضا لمدة عدة سنوات في أمن الرئيس بالبيت الأبيض، ويشتغل اليوم في القطاع الخاص، أنه شعر بالدهشة من عناوين الصحف ومن الجدل الجاري. « قبل كل شيء، أريد أن أقول إن الرجال والنساء، المشتغلين في جهاز الخدمة السرية، يقومون بعمل رائع، ولكنهم جميعا لا يتقاضون الأجور الملائمة لعملهم. ولا يتوفرون على الوسائل لإنجاز مهامهم بشكل أفضل. فهم في أغلب الأحيان يداومون في عملهم لساعات طوال، ولعدة أيام متوالية من دون تعويض. ناهيك عن أنه في لحظة ما، لا نفهم أي شيء من الأوامر الموجهة لنا»، ثم يضيف «فخلال حفلات الاستقبال والعشاء في البيت الأبيض، يطلب منا في بعض الأحيان عدم تفتيش المدعوين لتجنب الإحراج، وهو ما يعتبر مخالفا بشكل كامل للبروتوكول، ويولد لنا، في الكثير من الأحيان، انطباعا بأن محيط الرئيس لا يتعامل حقيقة بجدية مع التهديدات التي يمكن أن يتعرض لها». وقبل بضعة أيام، أكد جاسون غافيتز، أحد نواب الحزب الجمهوري، والعضو في لجنة مجلس النواب حول الأمن الوطني، أنه لا يمكن لجهاز الخدمة السرية أن يبقى بمنأى عن الإصلاح الواسع، مشددا على أن «مديرا جديدا ينتمي للقطاع الخاص» وحده يمكنه حل المشكل. «إنها النقطة حاسمة»، يؤكد من جهته كيسلر مضيفا أنه «يمكن لشخصية من خارج الجهاز أن تعيد الأمور إلى نصابها». وتابع أنه «يجب إعادة تقييم دور جهاز الخدمة السري وعلاقته مع البيت الأبيض، ورؤية ما إذا كان بإمكان الوكالة أن تشتغل بفعالية أكثر داخل إدارة الأمن الداخلي».(…) أما الرجل الدخيل، مقتحم البيت الأبيض، فهو يعتبر نفسه غير مذنب، ويرفض الاتهامات الموجهة إليه، ولم يقل أية كلمة خلال مثوله أمام المحكمة في الجلسة الأولى. وسيكون عليه الخضوع لعملية تقييم نفساني من أجل تحديد ما إذا كان يعاني على الخصوص تأثيرات الصدمة بعد عودته من العراق. فقد اعترف لضابط جهاز الخدمة السري الذي اعتقله أنه جاء لتنبيه وتحذير الرئيس أن الجو كان سيئا. غضب الرئيس في يوم 27 شتنبر الماضي، كشفت صحيفة «واشنطن بوسط» أنه في خريف 2011، انتظر جهاز الخدمة السري مرور أربعة أيام قبل أن يؤكد أنه تم إطلاق الرصاص في اتجاه البيت الأبيض من طرف رجل اسمه أوسكار أورتيغا هرنانديز، أوقف سيارته السوداء من نوع هوندا أمام الإقامة الرئاسية ليلة 11 نونبر، قبل أن يطلق النار من بندقيته شبه أتوماتيكية اعتقل بعد أن تخلى عن سيارته التي تعرضت لحادث سير. وكانت تحتوي على السلاح. لكن إدارة جهاز الخدمة السري تخلت لعدة أيام عن المسار الجنائي، واعتبرت أن صوت الانفجار مصدره ورش غير بعيد عن هذا المكان. وتطلب الأمر أن تقوم خادمة بالكشف عن أجزاء من الزجاج التي تطايرت بفعل قوة الانفجار على الجدران، لكي يتم تغيير صبغة الحادث بشكل راديكالي. لم يكن أي واحد من هذه التفاصيل معروفا قبل تحقيق موقع فوكس على الإنترنيت، المؤكد أن سلوك جهاز الخدمة السري أدى إلى غضب شديد لباراك أوباما وزوجته اللذين كانت ابنتهما الصغيرة، ساشا، موجودة في غرفتها عند حدوث إطلاق الرصاص. إلى حدود الآن، امتنع البيت الأبيض عن تقديم أي تعليق عما تم الكشف عنه من فضائح جديدة، كما رفض إبداء رأيه بشأن التغييرات المقبلة في جهاز الخدمة السري، بعدما طرح عليه أسئلة حول اختلالات الوكالة بعد اعتقال عمر غونزاليس. واكتفى باراك أوباما بالتأكيد على أنه «ممتن لكل التضحيات التي يقدمونها من أجله ومن أجل الآلاف». بتصرف عن ليبراسيون الفرنسية