يعقد المخرج السينمائي سعد في هذا الحوار مقارنة بين سينما اليوم وسينما جيله، متحدثا عن رؤيته لسينما الشباب، كما تحدث عن حرية الإبداع وارتباطها بالرقابة، معلنا أن أخطر رقابة هي الرقابة الذاتية، كما يوضح مخرج «نساء ونساء» سبب توقفه عن الإخراج التلفزيوني. {كيف تقيم الإخراج السينمائي للشباب اليوم، باعتبارك واحدا من مخرجي الجيل السينمائي الثاني في المغرب؟ في كل بلد كيفما كان، تتعاقب الأجيال، ولكل منها طموحات مختلفة، كما هو الشأن في المغرب الذي تعاقبت فيه ثلاثة أجيال سينمائية. بالنسبة إلى الجيل الثاني، الذي أمثله، فقد كان طموحنا هو التأسيس لسينما مغربية خلال فترتي السبعينيات والثمانينيات. وفي أواسط التسعينيات، جاء الجيل الثالث، وهو مكون بالأساس من سينمائيين عاشوا خارج المغرب. ومجموعة من مخرجي جيلنا هم من بحثوا عن هؤلاء الشباب المخرجين، ومنهم نور الدين لخماري، نبيل عيوش، رشيد بوتونس، حسن لحزولي، وآخرون. هذا الجيل جاء بطريقة عمل مختلفة ونظرة مغايرة. { ما ميزة هذا الجيل من المخرجين برأيك؟ هذا الجيل تأثرت أغلب عناصره بمسار تكوينها خارج المغرب، وانعكس ذلك حتى على المواضيع التي تطرحها، وهي مختلفة عن المواضيع التي طرحها جيلنا، وحاليا جاء جيل آخر، فتغيرت آليات الاشتغال التقنية في أعماله، إذ أصبحت آليات مبسطة، وهو ما سهل مسألة الإنتاج لدى من يلج مجال الإخراج. هذا الجيل السينمائي جاء بطموح يمثل في الوقت نفسه قطيعة واستمرارية مع الأعمال السابقة. { كيف يمكنه أن يمثل القطيعة والاستمرارية في الآن نفسه؟ اليوم أصبح لدينا حوالي 200 مخرج سينمائي، وهذا العدد يضم بنظري ما بين 40 و50 مخرجا جديدا لا يمكنهم أن يمثلوا جميعا توجها واحدا. { هل يمكن أن نتحدث عن تنوع في المدارس السينمائية بالمغرب؟ كلمة مدارس هي كلمة كبيرة، ولا أعتقد أن المغرب وصل إلى مرحلة تكوين مدارس. { لكن ثمة تأثر بمدارس عالمية مختلفة؟ صحيح، أما الحديث عن مدرسة الأفلام المغربية فهو أمر غير وارد. وشخصيا كنت أحارب هذه الفكرة، وما أعتبره غنى في السينما المغربية هو التعددية في المجال، سواء على مستوى طرح المواضيع أو طريقة تناولها وإخراجها، وهذا هو الجميل، لأنها تتيح مشاهدة مواضيع مختلفة، وأيضا مشاهدة طرق معالجة مغايرة. { أين وكيف تصنف المواضيع التي يركز عليها المخرجون الشباب؟ هي في مجملها مواضيع اجتماعية، ويحاول عدد من مخرجي الجيل الجديد من خلال الاشتغال عليها تجديد اللغة السينمائية. { وكيف ترى هذه اللغة الجديدة التي يعتمدها؟ ميزة هذه اللغة السينمائية الجديدة السرعة، بمعنى أن المخرج لا يأخذ وقته الكافي للتفكير في موضوع ما، وإنضاجه على مستوى المكون الدرامي، وبناء الشخصيات وغيره قبل بدء الاشتغال عليه. ومثال ذلك وقوع حدث في المغرب، فيتم التقاطه، ويباشر المخرج العمل عليه دون بحث وتمحيص للموضوع من كل جوانبه، وهذا هو التسرع الذي لا يمكنه أن يقدم لنا إلا عملا سطحيا، رغم أهمية الموضوع أحيانا. { هل كان لتطور التقنية تأثير في هذه النتيجة؟ ما يعاب على بعض المخرجين الشباب اليوم أنهم لم يستغلوا التطور التقني، إذ لا يهتمون بعنصر الجودة، ويختصرون زمن التصوير بشكل مهول، وبدل الاجتهاد وإعادة الاشتغال، تجد الكثير منهم يكتفي بساعتين لتصوير مشهد كان يتطلب منا قبلا كمخرجين يوما أو اثنين (مثلا)، وهذا أمر يحرص عليه كبار المشتغلين بالقطاع. { إذن، التنوع الذي تحدثت عنه لا يغني المشهد السينمائي المغربي، مادام موسوما بالتسرع والسطحية التي ذكرت؟ لكن ذلك لا يمنع من وجود استثناءات جيدة، تراعي مقاييس الجودة، وشخصيا شاهدت بعض الأفلام التي شدتني طريقة تناولها من أول مشهد إلى آخر مشهد. { كيف تقيم مستوى جرأة الأفلام الحالية؟ نلمس في مجمل الأفلام المعروضة، خلال السنتين الأخيرتين، عدم الجرأة في طرح المواضيع، إلى جانب نوع من الحشمة في كثير منها. { لكن ثمة أفلاما على عكس ما قلت، وهي أكثر جرأة؟ هي استثناءات قليلة، وفي اعتقادي أن هذا أمر يجب ألا نمضي فيه، علينا أن نعود إلى الجرأة التي كنا عليها في السبعينيات والثمانينيات. على السينمائي، مخرجا أو كاتب سيناريو..، أن يطبق الحرية التي يؤمن بها على نفسه أولا، قبل أن يخرج عمله إلى العموم، ليترك له حرية القراءة وينتعش النقاش، ويدافع كل عن رأيه. { هل حجب أحد أفلامك أو طلب منك حذف مشاهد منها؟ لم يحدث ذلك مطلقا في السينما، لكنه طلب مني في التلفزيون، ولذلك توقفت عن إخراج أعمال تلفزيونية. { ما هي هذه الأعمال؟ كان ذلك في عملين، أحدهما لم يخرج إلى الوجود، بعد أن أخرجته سنة 2002، وهو تحت عنوان «قصة سارة»، الذي أنتجته القناة الأولى، ويتناول موضوع «عملية التطهير» التي قامت بها وزارة الداخلية سنة 1995 و1996، والثاني مع القناة الثانية. { ألا يبدو أن هناك تناقضا بين القول إن القناة أنتجت فيلما ومنعت عرضه؟ أليس مفترضا أنها قرأت السيناريو؟ هذا هو المحرج في الأمر، لأن القناة اطلعت، قبل تمويل الفيلم، على السيناريو الذي كتبته بالتعاون مع حسن حبيبي. { هذا يعني أنك أدخلت تعديلات على موضوع الفيلم أثناء تصوير مشاهده؟ لا أبدا، تم تصوير الفيلم تبعا لما ورد حرفيا فيه. { احك لنا تفاصيل هذا المنع؟ اتصل بي فيصل العرايشي، مدير القناة، وأخبرني أنه لا يمكنه أن يذيع الفيلم في قناة يشرف على إدارتها، لأنه يطرق موضوع الرشوة في البلاد. وكان ردي هو أنه في ظل العهد الجديد، صار من الجيد طرح المواضيع التي كان مسكوتا عنها، وهو ما رفضه العرايشي إلى يومنا هذا، كما رفض أن يعرض الفيلم ولو في إطار خاص بين بعض الأصدقاء والصحافيين المقربين. { متى كانت آخر مرة حاولت فيها التواصل مع العرايشي ليرى هذا العمل النور؟ ما بين سنتي 2006 و2007، قبل أن أتراجع عن الأمر، لأن الفيلم في نهاية الأمر من إنتاجها، وهي المسؤولة عن إيذاعه من عدمه. { وماذا عن الفيلم الثاني مع القناة الثانية؟ اشتغلت على فيلم تلفزيوني مع القناة الثانية تحت عنوان «تمزق»، وطلبت مني حذف مشهد منه يمثل علاقة مشبوهة بين امرأتين، رغم أنه كان فقط مرموزا وليس مباشرا. لكني رفضت، لأن عقد الفيلم الموقع بيني وبين القناة حرصت على أن أكتب «أنه لا يمكن تغيير شيء إلا بالموافقة الكتابية للمخرج»، لكن القناة الثانية تجاوزت ذلك، وأذاعت الفيلم مع حذف ذلك المشهد. لكن اليوم، وضع التلفزيون قوانين أخرى حتى لا يجد مشاكل، وخول لنفسه التعديل في الأعمال وحذف المشاهد. { لكن، أليس من حقك متابعتها قانونيا؟ أعرف أنه من حقي متابعة القناة على هذا الخرق القانوني، لكن لا أريد الدخول في صراعات من هذا النوع، لذلك تابعتهم بطريقة أخرى، وهي أني تخليت عن التعامل معهم. { اليوم، جل الأعمال التلفزيونية المغربية صارت مرتبطة بموسم رمضان، كيف تجد هذا؟ حتى أوضح رأيي في الموضوع، سأسرد واقعة حدثت قبل ثلاث سنوات، إذ التقيت بالصدفة، في حفل سينمائي المدير العام للقناة الثانية، والمدير العام للقناة الأولى، ووزير الاتصال، وتبادلنا الحديث، وعبرت عن رأيي آنذاك بالقول إن الأعمال التلفزيونية صارت رديئة تبعا للحيز الزمني القصير الذي يفرد لها، واقترحت أن يبدأ التحضير لها مباشرة بعد انتهاء موسم العرض الرمضاني، حتى تتاح إمكانية الإبداع والاشتغال في ظروف غير مضغوطة وأفضل. لكن الجواب الذي تلقيته من واحد من مديري القناتين هو: «الجمهور عايز كده»، وذلك ما تؤكده نسب المشاهدة التي تتابع أكثر الأعمال التي يتداول أنها رديئة». ومقولة هذا المدير هي نفسها التي تطبقها اليوم الشركات المنتجة لجل الأعمال التلفزيونية الموسمية التي نراها. وبالتالي، أخلص لأقول إن الأعمال التلفزيونية المغربية ماضية من سيء إلى أسوأ. { وزير الاتصال أعلن مؤخرا عن خلق صندوق دعم جديد بغلاف مالي 15 مليون درهم سنويا تخصص لأفلام حول قضية الصحراء، ما رأيك؟ هو قرار معقول ومنطقي، لأني أعتقد أن الإعلام السمعي البصري كان مقصرا بشكل ما في الحديث والدفاع عن القضية الصحراوية، وترك بذلك الفرصة لأعداء المغرب ليكونوا السباقين إلى إثارتها بشكل لا يخدم المغرب. ومن ذلك، الفيلم الذي موله خافيير بارديم، الذي أثار ضجة لوصوله إلى الأممالمتحدة، وقدّم موقفا مضادا للمغرب.بالنسبة إلي، ما فهمته مما صدر عن الوزارة أن الأمر يتعلق بإنتاج أفلام وثائقية، وأعتقد أنه عليها التفكير في تمويل أفلام روائية متخيلة أيضا، لأنها أوسع انتشارا مقارنة بالفيلم الوثائقي الذي يبقى إشعاعه محدودا. { لنتحدث عن حرية الإبداع، ما حدودها برأيك في العمل السينمائي المغربي؟ علاقة بحرية الإبداع وارتباطها بالرقابة، يمكن أن أقول إن هناك ما هو أخطر من الرقابة التي تمارسها جهة رسمية، وهي الرقابة الذاتية التي يمارسها المبدع على عمله، سواء كان كاتبا أو ممثلا أو مخرجا. { هل تعتقد أن الرقابة الذاتية التي تحدثت عنها موجودة لدى كل العناصر المتدخلة في صناعة المنتوج السينمائي؟ أجل، وهذا الحديث كثيرا ما طرح بيننا نحن المهنيين. وإذا ما عقدنا مقارنة ما بين الوقت الراهن والفترة السابقة، يمكن أن نلخص إلى أننا في زمن الرقابة الرسمية كنا نبدع بحرية وبجرأة أكبر، مدركين أنه ثمة مقص علينا مقاومته، ودخلنا في صراعات جادة، إذ إن هناك أفلاما تم حجبها، وأخرى طلب من مخرجيها حذف بعض مشاهدها، وغير ذلك. اليوم، في ظل المناخ السياسي والثقافي والاجتماعي الذي بدأ يتداول بشكل يومي احترام قيم معينة، وينحو نحو المحافظة، ليس فقط في المجال الفني، صار السينمائي يسائل نفسه لدى اشتغاله على أي عمل: هل يتناسب وقيما معينة؟ ومجرد طرح هذا السؤال أثناء العملية الإبداعية، يعني بالضرورة أن ثمة رقابة. هذا فيما يخص الجانب الهيكلي الداخلي. { وماذا عن علاقة هذا الجانب الذاتي بالمجتمع؟ بخصوص هذه العلاقة، نعرف أن الذاكرة الجماعية للمجتمع وصلت إلى درجة تقبل ما هو خاص، وبات السينمائي يعرف أنه إذا تجاوز مستوى تقبل الجمهور سيتم رفضه. لكن هناك من المخرجين من يفوق هذا المستوى، إيمانا منه بفكرة أن التقدم بالمجتمع يتطلب أن يقدم فكرة أجرأ مما ينتظره، دون أن تصل إلى حد يؤدي إلى نفور المجتمع منه.