«إذا كان الناس يتهافتون نحو الأضواء، فليس ذلك لكي يُحسِّنوا من قدراتهم على الإبصار، وإنما لكي يزداد لمعانهم. وهذا الذي يلمعون أمامه يُعتَبر نوراً». ف. نيتشه -1 على عكس ما يقوله غوستاف فلوبير عن الروائي «من كونه ينبغي أن يتوارى خلف أعماله»، فإن المثقفين اليوم، يجعلون أعمالهم تتوارى خلف صورهم، عونهم الكبير في ذلك هو الوسائط الإعلامية. -2 إذا كان المثقف لم يسهم في الانتفاضات، فإن الانتفاضات قد نالت منه، ولم تتركه على حاله. فهي قد بدَّلت صورته عند الغير، وزعزعت صورته عن نفسه. -3 لم يكن شعار «ارحل» موجهاً لسلطة أو حزب أو جماعة حاكمة فحسب، وإنما كان موجهاً أساساً لعلائق اجتماعية وعوائد أخلاقية وأساليب فكرية. إنه وُجّه لمفهوماتنا عن الإنسان والمجتمع والفكر والتاريخ، فالأمر لا يتعلَّق أساساً باستبدال أنظمة، وإنما بتغيير ذهنيات. -4 مضى زمن كانت الدهشة كافية لأن توقظ الفكر. مقابل دهشة الأقدمين، خجل المحدثين. -5 صمت المثقف: كثر الحديث بعد «الربيع» عن عزلة المثقف وصمته، ولم ينظر إلى ذلك الصمت إلا كموقف سلبي. الصمت يكون في بعض الأحيان إيجاباً وفعالية. قد يكون الصمت توقفاً عن الكلام، إلا أنّه يغدو في أحيان أخرى مُقاومة وإضراباً عن الكلام. -6 تتميّز المقاومة عن المفهوم الجاري عن النّضال. النّضال يتبنّى عقيدة وينخرط ضمن عائلة. ما يبعد النضال عن المقاومة، هو بالضبط ما يميّز المنظومة العقائدية عن الشبكة. -7 لا تتحدَّد المقاومة بلونها و«مضمونها» بقدر ما تتعيَّن بما تقوم به. فهي لا يمكن أن تُعَرّف إلا إجرائياً واستراتيجياً، وهي مثل دروب هايدغر، تتعيَّن بالمسار الذي تخطّه أثناء السّير. إنها لا تنخرط في مواقف ومذاهب وتيارات، وإنما تشكل شبكات. -8 لا يتبقَّى للمثقف إلا الانخراط في شبكات مقاومة تسعى جهدها إلى بلورة أسئلة وإحداث شروخ في عالم ينحو نحو التنميط والتخشُّب وتكريس البلاهة LA BÊTISE. -9 ليست البلاهة مجرد الحماقات LES BÊTISES، وليست هي البلادة أو الجهل، وإنما اللافكر الذي تنطوي عليه الأفكار الجاهزة. -10 الحديث عن شبكات مقاومة يعني أساساً أن ليست هناك نقطة بعينها هي مكان الرّفض. يتعلق الأمر بفسح المجال لأشكال الرّفض من دون سعي نحو توحيدها وإخضاعها لسيادة الكل، أو اختزالها في موقف بعينه، حتى وإن سمَّى نفسه يساراً. -11 المقاومة لا «تقف» يساراً فتعلنها حرباً ضد كل يمين، وهي لا تتموضَع جهة الحقيقة فتعلنها حرباً على الخطأ، ولا جهة الحقّ فتعلنها حرباً على الباطل، ولا جهة الخير فتعلنها حرباً على الشرّ. إنها تعمل، بدءاً، على تفكيك هذه الثنائيات الميتافيزيقية. -12 لا يلحقنا التخشُّب والتبلُّد فحسب، من ترسُّخ مقولاتنا في الماضي، ولا من ترديد مقولات «استوردناها»، وإنما أيضاً، وربما أساساً، مما نتشرَّبه لحظياً من أشكال اللافكر التي نتغذَّى عليها، ومما لا ينفك «مجتمع الفرجة» يرسِّخه فينا. عن «الدوحة»