وكأننا كناَّ ديمقراطيين جداًّ، ومن كثرة الملل، قررنا تغيير اللُّوك، والبحث عن شكل جديد وغير مسبوق في صَرْعات الديمقراطية. وكأننا تملَّكْنا روحها قيماً وممارسة، ومن كثرة التعب، ومن فرط الانضباط لقواعدها الصارمة؛ قُلنا: لماذا لا نتمرد على شكلها التقليدي، ونبتكر شكلا جديدا، ومتحررا من الإيديولوجيا، وفريدا من نوعه للديمقراطية؟ وكأننا لا نملك ما يكفي أو ما يزيد عن الحاجة من الأحزاب والدكاكين والمأذونيات السياسية، فأضفنا حانوتا حزبيا جديدا في سوق الديمقراطية. من سوء حظ الشعب ومن حسن حظ النظام، تعزز المشهد السياسي هذا الأسبوع بوافد حزبي جديد، اختار له مؤسسوه اسما جذابا ومثيرا للجدل هو «الديمقراطيون الجدد». من الصور الأنيقة والخطاب المرتَّب لمؤسسيه، يبدو حزبا عصريا ونخبويا، يقدم نفسه للرأي العام كحزب قليل الإيديولوجيا وكثير النجاعة، كما يقول شعاره بصريح العبارة، ويعطي الانطباع بأنه حزب راض جدا ومكتف ومطمئن؛ كما يعكس رمزه المتفائل الذي يشبه الإبهام الفايسبوكي المعبر عن الإعجاب الشديد. لن أجادل في مشروعية الوجود، فتأسيس الأحزاب حق مشروع.. ولن أشكك في النوايا، فالحزب لم يقترف بعد خطيئة المشاركة في لعبة إكمال العدد وضبط موازين القوى.. ولن أبخس من مصداقية وكفاءة مؤسسيه، فلهم رصيدهم المشهود له في العلم والمعرفة والفعل المدني.. لكنني مجبرة على طرح سؤال الجدوى من إضافة حزب جديد؛ في ظل نظام سياسي عتيق، مازال مزاجيا ومترددا في اختياره الديمقراطي، ومازال ضبابيا في هوية مشروعه المجتمعي؟ ماذا سيضيف الديمقراطيون الجدد؟ وماذا سيميزهم عن الآخرين، في ظل ديمقراطية شكلية لا تخضع لإرادة الشعب، وتحكمها المصالح والولاءات والتوافقات الهجينة؟ هل نحن في حاجة إلى عناوين براقة وشعارات فضفاضة على واجهة دكاكين حزبية جديدة، أم في حاجة إلى تغيير ديمقراطي عميق وحقيقي، وإلى نخب منحازة لقيم الديمقراطية بدون قيد أو شرط أو انتقاء أو إقصاء أو تأجيل أو مراوغة سياسية؟ أمام الانتكاسة الديمقراطية والحقوقية التي يمر منها الوطن؛ وفي ظل أجواء التضييق والمنع وخنق الحريات، يثير تأسيس حزب جديد الكثير من الريبة وعلامات الاستفهام.. أتساءل بصدق وبقلق: ألن يتحول حزب «الديمقراطيون الجدد» إلى مجرد عجلة احتياط للطوارئ، وإلى مجرد رقم منقذ في المعادلات السياسية المستعصية؟ فقد استنفد النظام كل الاحتياطي الحزبي، وجرب كل الخلطات الممكنة والمستحيلة، لقد دمر الرأسمال الرمزي للأحزاب الديمقراطية التاريخية، وسلب الإسلاميين عذريتهم ورصيدهم الأخلاقي، وبدأ يستشعر انتهاء صلاحية أحزابه الإدارية الموروثة والمستحدثة، وشدد الخناق على معارضيه من حركات وأحزاب ممانعة، فماذا تبقى له لتدبير الآتي؟ يبدو أن النظام السياسي اليوم هو الأكثر حاجة إلى فاعل سياسي جديد، بلا سوابق ولا ماض، يكون مرنا وطيِّعا، لم يسبق استعماله من قبل، ومن الأفضل أن يكون بلا لون ولا شكل ولا رائحة ولا إيديولوجيا.