في ظل الدعوات الموجهة إلى جماعة العدل والإحسان للانخراط في العمل السياسي، وآخرها دعوة رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، والانضمام بالتالي إلى الحقل السياسي الرسمي، بدأت هذه الدعوات تتخذ أبعادا دولية، حيث أوصى تقرير أكاديمي أمريكي، صدر حديثا، واشنطن بلعب دور الوساطة، وتشجيع القصر على المصالحة مع جماعة العدل والإحسان. التقرير الذي صدر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تحت عنوان: "جماعة العدل والإحسان، في قلب التحدي الإسلامي بالمغرب"، ونشره موقع "ألف بوست"، يشكل نموذجا للدراسات التي تتوصل بها الدبلوماسية الأمريكية من مراكز الدراسات، وترسم بذلك حدود الدور الأمريكي المحتمل في التأثير في رسم سياسة بلاد مثل المغرب. ويتضمن التقرير في البداية خلاصة مقتضبة للسؤال الجوهري المطروح للبحث ومدى أهميته، ثم الجواب المقترح، على ضوء هواجس وأولويات السياسة الأمريكية، فيوصي الدبلوماسية بأن تشجع القصر على الاجتهاد لاستيعاب العدل والإحسان ضمن الحقل السياسي الرسمي. هذا ورسم التقرير ملامح المشهد السياسي المغربي وخاصة منذ 2011، في ظل العواصف التي أصابت الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي، قبل أن يبسط الأسس الإيديولوجية للجماعة، والمسار الفكري لمؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين، وموقعها داخل الحقل الديني بالمغرب وضمن الحركات الإسلامية الأخرى، ثم علاقتها المتوترة بالدولة. كما تناول التقرير الأكاديمي المبادئ الفكرية الكبرى للجماعة وهيكلها التنظيمي، وأطروحتها في منهج التغيير والاقتصاد والسياسة الخارجية، ثم مسألة المرأة ومشاركتها، وسبل استيعاب الأعضاء الجدد، وخاصة تدبير القطاع الطلابي، ومقارنة خياراتها السياسية بالتيارات السياسية الأخرى وعلى الخصوص في مسألة المساهمة في الانتخابات. كما تناول مقاربة الجماعة لمفهوم الديمقراطية، ونوعية امتدادها خارج المغرب وأخيرا الربيع المغربي. ومن ضمن ما أشار إليه التقرير، وهذا بيت القصيد، سيناريوهات أداء الجماعة في المستقبل المنظور، بعد وفاة مؤسسها عبد السلام ياسين وعلى ضوء متغيرات المخزن، وحدد هذه السيناريوهات في ثلاث خيارات في مقدمتها المصالحة مع القصر والاندماج في الحقل السياسي الرسمي، والاستمرار في عدم المشاركة عملا بنظرية التربص إلى أن تنضج الظروف، فضلا عن التحالف مع قوى سياسية أخرى مهمشة. وتبعا لذلك، تضمنت مقترحات المعهد للإدارة الأمريكية في تعاملها مع الدولة المغربية في مجال تعاطي هذه الأخيرة مع الجماعة، حيث دعت أمريكا إلى تشجيع السلطة في المغرب ممثلة في الملكية على إدماج الجماعة في الحقل السياسي الرسمي. وهذه المبادرة، تبقى حسب التقرير، مشروطة بمدى استعداد كل طرف لتقديم تنازلات في أفق المصالحة، ومدى وضوح نوايا الجماعة إن هي أصبحت يوما، على غرار حزب العدالة والتنمية، ليس فقط فاعلا سياسيا حزبيا فقط بل مشاركا في أغلبية حكومية يدبر الشأن العام. واعتبر التقرير أن سيناريو إدماج الجماعة سيمكن من تقليل المخاطر الوجودية التي قد تهدد النظام المغربي وهو ما يزيد الإدارة الأمريكية اطمئنانا، حسب التقرير.