تقرير جديد من المجلس الأوروبي هذه المرة ينتقد أوضاع الصحافة والتضييق على حريتها بالمغرب، ويطالب بمراجعة عاجلة لقوانين الصحافة مشددا على ضرورة خلوها من أي عقوبات حبسية. استأثرت حرية الصحافة بأكثر الفقرات انتقادا في تقرير جديد قدّم، أول أمس، أمام مجلس أوروبا. إذ خرج مقرّر الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا لتقييم الشراكة من أجل الديمقراطية، بوغدان كليش، بانطباع سلبي جدا عن أحوال الإعلام بالمغرب بعد زيارته الرسمية التي أجراها لبلادنا بين 7 و10 يوليوز الماضي. وقال بوغدان في تقريره، الذي لم يخل من العديد من الفقرات الإيجابية حول الأوضاع السياسية ببلادنا، إن تضييقات «جدّ واضحة» تبقى موجودة في المغرب، معتبرا أنها تحدّ من قدرة الصحافة المغربية على تغطية مواضيع تعتبر حساسة من وجهة النظر السياسية أو الاجتماعية، «مثل الأسرة الملكية ووضعية الصحراء». وبعد سرده للمعطيات التي توصّل بها خلال وجوده بالمغرب، والتي تؤكد استمرار الممارسات التي تمس بحرية الصحافة، دعا بوغدان كليش، أول أمس الخميس خلال اجتماع بباريس للجنة القضايا السياسية لمجلس أوروبا، إلى مراجعة «عاجلة» للقوانين المتعلّقة بمجال الإعلام والنشر، مشدّدا على ضرورة حذف المقتضيات التي تنص على حبس الصحافيين. من جانب آخر، وصف المسؤول المنتمي إلى الحزب الشعبي الأوروبي، مسار تنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة ب»البطيء»، معتبرا أن تفعيل المقتضيات الديمقراطية التي حملتها الوثيقة الدستورية الجديدة، يبقى رهينا بإصدار القوانين التنظيمية الضرورية. «دستور 2011 يشكّل انعطافة حقيقية، لكن تطبيقه الكامل، وحده يضمن حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي كرّسها هذا الدستور» يقول المقرر. سمة البطء هذه ربطها المسؤول الأوربي أيضا بالمسلسل الخاص بإصلاح القضاء، حيث سجّل عدم صدور القوانين الجديدة التي تسمح بتطبيق الاستقلالية التي نصّ عليها الدستور. وسجّل التقرير خلاصات اللقاء الذي جرى مع وزير العدل والحريات، والذي أكد وجود جدولة كاملة للقوانين اللازم إصدارها من أجل تنزيل خلاصات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة. إصلاح يُنتظر أن يشمل السياسة الجنائية للمملكة، من خلال مراجعة كل من القانون والمسطرة الجنائيين، وهو ما دفع المسؤول الأوروبي إلى توجيه توصية مباشرة إلى المغرب، داعيا إياه إلى «إلغاء» عقوبة الإعدام، معتبرا أن الإعدام هو الاعتداء الأكثر مأسسة للحق في الحياة، «وإلغاؤه يشكّل أولوية في أي إصلاح جدي للعدالة الجنائية، كما أنه التزام تم اتّخاذه في إطار أهداف الشراكة من أجل الديمقراطية». وضعية النساء، وتشغيل الأطفال، استأثرا أيضا باهتمام كبير داخل التقرير الأوروبي الجديد، حيث دعا المقرّر إلى «حماية» المقتضيات الدستورية الجديدة التي تضمن المساواة بين الرجال والنساء من «القيم التقليدية» التي لا تزال سائدة في المجتمع. وشدّد في تقريره على أن القوانين المغربية «لا توفر الحماية الكافية» للنساء ضد العنف الزوجي والاغتصاب. كما توقّف التقرير مطوّلا عند مشكلة تشغيل الأطفال، حيث قال إن المسؤولين المغاربة أكدوا كثيرا على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ودورها في محاربة الفقر واستغلال الأطفال، لكنّ بوغدان كليش علّق بالقول إن ذلك «لم يحدّ من استمرار مظاهر استغلال كبير للأطفال في أعمال شاقة» من قبيل الفلاحة والأعمال المنزلية. بيد أن المسؤول الأوروبي حاول التخفيف من حدة هذه الانتقادات وقال إن المغرب يعتبر «نموذجا فريدا للانتقال السلمي» الذي باشرته السلطات، ويشكل بالتالي «مثالا» بالمنطقة برمتها. وبعدما اعتبر أن البرلمان المغربي أصبح أكثر قوة بعد دستور 2011، دعاه المقرّر الأوربي إلى بذل مجهود أكبر لتحقيق التقدم في الاتجاه الديمقراطي وإنجاز الإصلاحات اللازمة.