* ——— أثار جواب السيد وزير العدل بمجلس المستشارين حول مسألة المطالبة بعقود الزواج بالفنادق لغطا كبيرا وردود فعل مختلفة، ما بين مرحب بموقف الوزير واعتباره متناسقا مع المبادئ الدستورية ومقاصد الدين الشرعية ومستجيبا لمضامين القوانين الوطنية، وما بين متوجس من الموقف بدعوى التشجيع على العلاقات الجنسية خارج الزواج والمس بهوية المغاربة وأعرافهم الاجتماعية، وما بين هذا وذاك بعض من لا هم لهم إلا تصفية الحسابات سياسية كانت أو إيديولوجية، و استغلال كل موقف للوزير مهما كان قانونيا ومنطقيا لشن وابل من التهم والمجازفات والمغالطات، بعيدا عن أي نقاش علمي رصين، أو ترافع فكري يشكل مادة يستفيد منها المختص والمتابع. لذلك أحببت هنا أن أعالج هذا الموضوع من مختلف جوانبه، سواء منها ما كان فقهيا أو قانونيا، مساهمة مني في هذا الجدل، وإعمالا لمبدأ التدافع الفكري الذي من شأنه تنوير المهتمين، واستفزاز مواقفهم لما فيه من إثراء للحقل المعرفي، وتجويد للنقاش العمومي. وبناء عليه سأتناول في هذا المقال الأسس والمعايير الدولية والدستورية لحماية الحياة الخاصة للأفراد (أولا)، ثم أحاول مقاربة الموضوع من جانبه الفقهي والشرعي (ثانيا)، لأنتهي إلى انعدام الأساس القانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية وأشكال الإيواء الأخرى بالإدلاء بعقود الزواج (ثالثا).
أولا- الأسس والمعايير الدولية والدستورية لحماية الحياة الخاصة للأفراد * المعايير الدولية لحماية الحياة الخاصة للأفراد: بداية لا بد من الإقرار بأن احترام الحياة الخاصة للأفراد، هو جزء لا يتجزأ من احترام حقوق الانسان، ذلك أن حماية هذا الحق، هو من الضمانات المتصلة بحماية كرامة الإنسان من أي انتهاك، وهو يشمل عدة حقوق تتصل بحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية باعتبارها من مكونات شخصية الفرد. وفي هذا الإطار، فقد أجمعت كل الصكوك الدولية، على حرمة الحياة الخاصة، إذ نصت المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أنه، « لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل، أو تلك الحملات ». وإذا كان معلوم أن الإعلان العالمي لحقوق الانسان، لا يكتسي طابعا إلزاميا للدول، إلا أنه يعتبر وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الانسان، بالنظر إلى دوره الجوهري في تمهيد الطريق لاعتماد عدد كبير من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الانسان، والتي أولت أهمية كبيرة لاحترام الحياة الخاصة للأفراد. وفي هذا السياق، فقد جاء العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بمقتضيات قريبة لما تضمنته المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث أورد في المادة 17 منه أنه » لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. وأنه من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس ». وهو نفس الأمر الذي أكدته العديد من الاتفاقيات الدولية، التي يعتبر المغرب طرفا فيها، مثل المادة 16 من اتفاقية حقوق الطفل، والمادة 22 من اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، وغيرها من الوثائق ذات الصلة… والملاحظ من خلال الاطلاع على هذه الاتفاقيات، أنها اعتمدت نفس المقتضيات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان المتعلقة بحماية الحق في الحياة الخاصة للأفراد. وبذلك، فقد أعطت لهذا الحق طابعا إلزاميا بالنظر إلى أن الدول التي صادقت عليها، تصبح ملزمة بملاءمة تشريعاتها الداخلية مع ما ورد في هذه الاتفاقيات، وتقديم تقاريرها الدورية بشكل منتظم أمام اللجان المنبثقة عنها، المكلفة برصد تطبيق الدول لبنود هذه الاتفاقيات، لإبراز كيفية إعمال الحقوق الواردة فيها. ولا يخفى أن دور هذه اللجان في رصد تنفيذ المقتضيات الواردة في الاتفاقيات، لا ينحصر فقط في تلقي التقارير الدورية من قبل الدول الأطراف، بل يتجاوز ذلك إلى فحص تلك التقارير وتوجيه مخاوفها وانشغالاتها وتوصياتها إلى الدول الأطراف، وملاحظاتها الختامية، فضلا عن تفسير بنود الاتفاقيات من خلال التعليقات العامة التي تقرر اعتمادها بشأن مواضيع محددة تتناول جوانب من هذه الاتفاقيات، بهدف مساعدة الدول الأطراف على الوفاء بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقيات. وانطلاقا من كل ذلك، فإن حرص المملكة المغربية على مواصلة انخراطها في منظومة حقوق الانسان، والوفاء بالتزاماتها المترتبة عن ذلك، يتعارض بشكل مطلق مع استمرار بعض الممارسات التي تنتهك الحياة الخاصة للأفراد، خارج إطار القانون، والتي تسمح للمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء الأخرى، بالمطالبة بعقود الزواج من الزبائن، رغم عدم وجود أي نص قانوني يبرر ذلك، بل إن هذه المطالبة تتعارض أيضا، بشكل مطلق مع دستور المملكة. وبالنظر إلى أن حماية الحياة الخاصة تعنى بحماية الشرف والسمعة الشخصيين، فإن اللجنة المعنية بحقوق الانسان، في تعليقها العام رقم 16، المتعلق بالحق في حرمة الحياة الخاصة، أوصت الدول الأطراف في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بضرورة اعتماد تدابير تشريعية وغيرها من التدابير لإعمال الحظر المفروض على التدخل في خصوصية أي شخص، أو في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته أو لأي حملات لا قانونية تمس بشرفه أو سمعته، مؤكدة على أهمية إيلاء العناية اللازمة للمعلومات المتعلقة بالأسلوب الذي تضمن به السلطات التشريعية أو الإدارية أو القضائية، والأجهزة المختصة في الدولة بوجه عام احترام هذا الحق، وتوفير التشريعات الكافية لتحقيق هذا الغرض. كما أوصت كذلك باتخاذ التدابير اللازمة لتمكين أي إنسان من أن يحمي نفسه بصورة فعالة ضد أي اعتداءات غير قانونية تحدث بالفعل وتزويده بوسيلة انتصاف فعالة ضد المسؤولين عن ذلك. وعلاوة على ذلك، فقد أوصت المقررة الخاصة المعنية بحماية الحق في الخصوصية، في تقريرها المرفوع إلى الجمعية العامة بتاريخ 20/07/2022، في شأن الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، بضرورة الالتزام بمبدأي الشفافية والشرعية في معالجة المعطيات الشخصية، كما أوصت بأن تقتصر أنشطة المعالجة على الوفاء بالأغراض المشروعة التي جمعت لأجلها هذه البيانات. وانطلاقا مما تقدم، وبالنظر إلى أن إلزام الزبائن بالإدلاء بعقد الزواج كشرط للولوج للمؤسسات السياحية، يعتبر شكلا من أشكال المعالجة للبيانات الشخصية طبقا للتعريف الذي جاء به القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وبالتالي فإنه يتنافى مع كل المعايير الدولية المشار إليها، كما يتعارض مع صريح القوانين الوطنية، بل إنه يشكل أفعالا يمكن أن تترتب عنها مساءلة قانونية وفق ما سنبينه. * الأسس الدستورية لحماية الحياة الخاصة للأفراد: إن إعلان التزام المملكة المغربية تشبثها بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، لم يكن من باب الترف، أو المزايدات، بل هو ضمانة دستورية أساسية جاءت للتأكيد على حرص المغرب على حماية حقوق الانسان، كما هي متعارف عليها عالميا، وعلى عزمه على مواصلة انخراطه في منظومة الأممالمتحدة لحقوق الانسان. ولتأكيد هذه الإرادة، فقد خصص دستور 2011 الباب الثاني منه كاملا للحريات والحقوق الأساسية، كما نص في الفصل 175 منه على أن الأحكام المتعلقة بالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور لا يمكن أن تكون محل مراجعة دستورية، فضلا عن تخصيصه عدد من الفصول الدستورية لضمان التمتع بالحقوق والحريات الأساسية. وفي هذا الإطار، وبالنظر إلى أهمية الحق في حماية الحياة الخاصة للأفراد، باعتباره من الحقوق الأساسية للإنسان التي تستوجب الحماية، فقد حرص الدستور على أن يشمل هذا الحق بحماية دستورية، حيث نص في فصله 24 على أن: « لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. ولا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والاجراءات التي ينص عليها القانون. لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون. حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون « . خلاصة الأمر أن إلزام نزلاء المؤسسات السياحية وأشكال الإيواء الأخرى، بالإدلاء بعقود الزواج، كشرط للسماح لهم بالولوج إلى هذه المؤسسات، يعتبر انتهاكا واضحا لحياتهم الخاصة، التي تشكل حقا من حقوق الانسان المحمية دستوريا، لاسيما، أن ديباجة دستور 2011 جاءت واضحة بالتزام المملكة المغربية بحماية منظومة حقوق الانسان، والتشبث بها كما هي متعارف عليها عالميا، وحسمت النقاش في جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الراسخة، تسمو فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة. وانطلاقا من هذه الاعتبارات الدستورية، فإنه لا يمكن الوفاء بالالتزامات المعبر عنها بشكل صريح في ديباجة الدستور، في ظل استمرار هذه الممارسات المخالفة لصريح القانون، والمنافية للمعايير الدولية لحماية حقوق الانسان، ولالتزامات المملكة المغربية بحماية حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا. ثانيا- الأسس الفقهية لحماية الحياة الخاصة للأفراد يتحجج المناصرون للمطالبة بعقود الزواج في الفنادق وأماكن الإيواء الأخرى بحرمة العلاقات الجنسية خارج الزواج دينيا، وأن من شأن هذا التساهل التشجيع على هذه العلاقات، وهو ما يشكل برأيهم تعارضا مع هوية المغاربة واختيارهم التاريخي والدستوري والاجتماعي للإسلام وشريعته. والواقع أن الإشكالية المطروحة غير مرتبطة بموضوع العلاقات الرضائية خارج الزواج، ولا بمنطق الحلال والحرام الذي يعتبر في الأخير اختيارا ذاتيا وقناعة شخصية، بقدر ما يرتبط بمفهوم الحياة الخاصة في الشريعة الإسلامية وحرمة المنازل والمساكن، ومدى مشروعية اقتحامها أو التجسس عليها، والمسؤوليات المترتبة على ولي الأمر في رعاية هذه الحرمات، والحالات الخاصة التي يمكنه التدخل فيها. وبالعودة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وما تركه الفقهاء من تراث مقاصدي وتفصيلي نجد تشديدا واضحا في ضرورة حماية الحرمة الخاصة للأفراد، وخصوصا ما يتعلق بالمساكن ومنازل الإيواء، وعدم جواز التجسس أو الأخذ بالظن، ومحدودية صلاحية تدخل ولي الأمر في اقتحام المساكن والفضاءات الخاصة. ويظهر ذلك فيما يلي: * حرمة الحياة الخاصة في القرآن الكريم: من أهم النصوص القرآنية الواردة في حرمة الحياة الخاصة، قوله تعالى: » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَانِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ » (النور 27-28). وقوله تعالى: » يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ »(الحجرات 12) وقوله تعالى: « وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا « (الإسراء 36) ويمكننا من خلال هذه النصوص استقراء الضوابط التالية المتعلقة بحماية الحياة الخاصة وضرورة مراعاة حرمتها: * حرمة المسكن وحق العيش فيه آمنا بعيدا عن تطفل الآخرين وتدخلهم. * عدم جواز اقتحام أي بيت أو مسكن أو دخوله دون استئذان من صاحبه. * عدم جواز بناء الأحكام على مجرد الشك، إذ حذر القرآن من بناء الأحكام على الظن، فأمر باجتناب كثير من الظن، واعتبر الحكم به مخالفا للحق « إن الظن لا يغني من الحق شيئا »، ففي هذه النصوص تحذير من اتخاذ أي إجراء ينطوي على انتهاك لحرمة الحياة الخاصة للإنسان، وذلك لمجرد الظن بأن ثمة جريمة قد ارتكبت أو في طريقها للارتكاب. * النهي عن اقتفاء أو تتبع أمور الناس بغير هدى أو علم، ومن يفعل ذلك يكون مسؤولا عن أي انحراف عن الحق نحو الباطل. * تحريم التجسس والغيبة، وذلك في قوله تعالى «ولا تجسسوا »، وهو نهي عام واضح عن التجسس والنظر إلى العورات، سواء أكانت في مسكن أو أي بيت يستعمل للستر والسكن. وهو نهي عام متوجه إلى الجميع، حاكما كان أو محكوما، موظفا كان أو رجلا من عموم الناس. * حرمة الحياة الخاصة في السنة النبوية: شددت السنة كما القرآن في ضرورة حماية الحرمة الخاصة للأفراد، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا » (رواه البخاري)، وقوله صلى الله عليه وسلم: « يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته »(رواه مسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم » من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة » ( رواه البخاري)، كما قال صلى الله عليه وسلم : « من اطلع في قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فلا دية ولا قصاص »(رواه أحمد). فدلت هذه المرويات النبوية على ما يلي: * ضرورة المحافظة على الحق في حرمة الحياة الخاصة وحمايته. * النهي عن الطعن في أعراض الناس وتتبع أعراضهم. * النهي عن اجتناب الظن وبناء الأحكام على الشك. * النهي عن التجسس على البيوت واقتحام حرمتها. وهذا هو عين ما بنى عليه السيد وزير العدل مقاربته لقضايا الحريات الفردية في القانون الجنائي، حيث جاء في كلمته التي ألقاها بالمكتبة الوطنية بالرباط تحت عنوان « الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية » : » وأما تثمين الحياة الخاصة للفرد واحترام مساحاته فقد كان الإسلام واضحا جدا في تكريسها والدفاع عنها، فحرم التجسس على الغير والحديث عنهم بسوء زمن غيابهم ، في قوله تعالى: » ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا »، وحرم تلصص الناس بعضهم على بعض في حياتهم الخاصة وفضاءاتهم الحميمية، فقال عز من قائل: « وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها، ولكن البر من اتقى، وآتوا البيوت من أبوابها »، وحرم التشهير سواء بالنفس أو بالغير، فجاء في الحديث النبوي » من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها »، وقال في حديث آخر » كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره الله عز وجل ويصبح يكشف ستر الله عز وجل عنه ». * حرمة الحياة الخاصة من خلال مقاصد الشريعة: تقرر مقاصد الشريعة الإسلامية بشكل واضح حرمة الحياة الخاصة للأفراد، فمن مقاصد الشريعة حفظ المصالح وصيانة الضروريات، يقول الجويني: » فأما فإني أرى مسكن الرجل من أظهر ما تمس إليه حاجته، والسكن الذي يؤويه وعيلته وذريته، مما لا غناء عنه.. فإذا تقرر إلحاق المساكن بالحاجات، بطل النظر إلى المالك والمستأجر لعموم التحريم ». واعتبار المسكن من الضروريات كما قال محمد كمال إمام الدين هو أساس حماية الشارع للمسكن بوجه خاص، ولحق الخصوصية بشكل عام، لأن حماية المسكن إنما قصد بها حماية الانفراد والخصوصية، لا الملكية التي قرر الشارع لصيانتها حدا في العقاب على السرقة، بالإضافة إلى التعازير وضمان المتلفات، ولو كانت الحماية للملكية لما قررها الفقهاء للمستأجر والمستعير وكلاهما ليس مالكا. * حرمة الحياة الخاصة للأفراد في الفقه الإسلامي: لا خلاف بين فقهاء المسلمين في ضرورة صيانة الحياة الخاصة للفرد عملا بما ورد من نصوص سابقة، بل إن لهم من التفريعات والتفصيلات في الأحكام ما يعزز هذه الصيانة ويؤكدها، ومن ذلك ما يلي: * اعتبار المسكن من الحرز، واعتبار الاستئذان شرطا أساسيا لدخول الحرز، لدرجة أن بعضهم لم ير الحد على السارق إذا كان مأذونا له بدخول البيت لشبهة الحرزية، « فلا يقطع السارق من امرأة ابنه أو زوج أمه أو امرأة أبيه إذا سرق من المنزل المضاف إليه فلا يلزمه القطع »، و »الضيف إذا سرق بيت المضيف لا يقطع لأنه مأذون بالدخول في الحرز ». * التوسع في تعريف المسكن، فقد اعتبروا أن السكن هو كل ما أوى إليه الفرد على سبيل الاختصاص، سواء كانت الإقامة فيه على سبيل التأقيت أو الديمومة، استدلال بقوله تعالى: « والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم »، ولهذا قال الفقهاء أن الخيمة في الصحراء لها حكم البنيان، وحدد ابن حزم الأندلسي السكن الموجب للحرمة ما كان » يقي شتاء من المطر، وصيفا من الشمس، ودائما من عين المارة »، ولم يفرقوا بين أن يكون السكن دائما أو مؤقتا، مملوكا أو مستأجرا، فيدخل في ذلك كل منازل الإيواء من فنادق وشقق للإيجار وغيرها. * اشتراط الظهور في تدخل ولي الأمر لمنع منكر من المنكرات، ويقصدون بالظهور عدم الاستتار، وفعل المنكر علانية حيث يراه الناس، والتلبس به واستمرار ذلك الفعل وقت ضبطه، فأسسوا بذلك قديما لمبدأ التفريق بين الفضاء العام والخاص، بل إن الفقهاء من تشددهم في الأمر لم يعتبروا السمع أو العلم من أدلة الإثبات، بل اشترطوا الإدراك البصري لإثبات المنكر، ولهذا لما سئل أحمد بن حنبل عن الرجل الذي سمع صوت الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه فقال: « ما عليك، ما غاب لا تفتش ». * اشتراط الحلول لاحتساب ولي الأمر على المنكر، ويقصدون بالحلول وقت مزاولة المنكر لا قبلها ولا بعدها، بل يرون أنه حتى لو كانت متوقعة من شخص اعتاد على فعل ذلك فلا يحتسب عليه، يقول الجويني: « أن المتعلقين بضبط الأحوال – ولاة الأمر- قد يرون ردع أصحاب التهم قبل إلمامهم بالهنات والسيئات، والشرع لا يرخص بذلك ». * تحريم التجسس باعتبار الظهور شرطا في المحتسب عليه، وقد أجمعت المذاهب الفقهية على منع التجسس، يقول الخرشي المالكي في شرحه على مختصر خليل: » ويشترط في ظهور المنكر من غير تجسس ولا استراق سمع ولا استنشاق ريح، ولا بحث عما أخفي بيد أو ثوب أو حانوت فإنه حرام ». * اشتراط ضرورة العلم في الاحتساب على منكر يجري داخل المساكن، رغم أن الفقهاء بنوا أغلب أحكامهم على الظن، إلا أنهم تشددوا فيما يجري داخل المنازل لحرمتها فاشترطوا ضرورة العلم والقطع، يقول أبو يعلى الفراء الحنبلي: « إنكار المنكر لا يجب إلا بعد العلم والقطع بحصول المنكر، فأما إذا ظن وقوعه منه، لم يجب عليه إنكاره.. لأنه لا يأمن ان يكون الأمر على خلاف ما ظنه فوجب ترك ذلك »، وهو ما يعني أن اقتحام المنازل بحجة توقع المنكر أولى بالمنع والتحريم. وخلاصة الموضوع أن الشريعة الإسلامية تمنع تفتيش المساكن واستباحة الحياة الخاصة لمجرد التوقع أو الظن بوقوع ما هو ممنوع قانونا، خاصة حين يتعلق الأمر بالعلاقات الجنسية، وهو ما جعل الشارع يتشدد في طرق إثبات « الزنا »، حيث اشترط معاينة أربعة شهود لواقعة المعاشرة مع تحقق حدوث الإيلاج بين الرجل والمرأة، وهو ما لا يمكن أن يكون إلا علانية وسط الناس، وليس في غرف المنازل أو الفنادق. على أن الدولة ليس من مهماتها التدخل في حياة الناس واختياراتهم الدينية، ولا توزيع الأحكام الشرعية على أفعال الناس وتصرفاتهم، فذلك موكول للخالق وحده، وهو ما أكده السيد وزير العدل في كلمته المشار إليها سابقا » إنّ تحريض الناس على التدخل في الحريات الشخصية لبعضهم البعض لا يعني مُجرّد انتهاك للكرامة الإنسانية، حيث يتمّ التعامل مع الناس باعتبارهم قاصرين يحتاجون إلى الحِجر والوصاية، بل إنه انتهاك لأحد حقوق الله، الحقّ في الثواب والعقاب، لا سيما بخصوص القناعات الشخصية. وقد قيل لصوفي ذات مرة: إنّ رجلا يشتم الله ويجبُ علينا أن نقتله. فردّ عليهم بكل هدوء: إذا أدركتم بأنه لا يحب الله فمن أدراكُم بأن الله لا يحبه؟ لقد أجمع المسلمون في سياق التدين الشعبي والفطري، على ضرورة إرجاء أحكام الله للآخرة، وتركها لله حصرا، تماشيا مع منطوق الخطاب القرآني الذي يقول « الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون »، كما يقول في موضعٍ آخر من كتابه العزيز « ثمّ إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون »، بهذا المعنى الرباني تكون التعددية الدينية قدرا دنيويا لا راد له، وبالتالي فإن التعددية الدنيوية تتبع القدر نفسه ».
ثالثا: مؤيدات انعدام الأساس القانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية وأشكال الإيواء الأخرى، بالإدلاء بعقود الزواج
تتوزع هذه المؤيدات عبر مجموعة من المقتضيات القانونية المنصوص عليها، سواء في القانون رقم 80.14، المتعلق بالمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء السياحي الأخرى، أو القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، أو القانون الجنائي أو غيره من القوانين ذات الصلة. * المؤيدات المستخلصة من القانون رقم 80.14، المتعلق بالمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء السياحي الأخرى: أوجبت المادة 36 من القانون رقم 80.14 المتعلق بالمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء السياحي الأخرى، على كل مستغل لمؤسسة للإيواء السياحي أو شكل من أشكال الإيواء السياحي الأخرى، أن يصرح يوميا لدى الإدارة بالمعطيات المتعلقة بزبنائه العابرين أو المقيمين يوم وصولهم لمؤسسته، عبر معالجة إلكترونية تسمى التصريح الإلكتروني، مع احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. وتحدد كيفيات التصريح المذكور بنص تنظيمي. وقد أوضحت المادة 37 من نفس القانون أن هذه الوثائق هي، وثائق التعريف، وملء استمارة فردية للإيواء، يحدد نموذجها بنص تنظيمي، كما نصت المادة 38 من نفس القانون، على إعفاء هذه المؤسسات من إيداع الاستمارات الفردية للإيواء المتعلقة بزبنائهم العابرين، أو المقيمين لدى مكاتب مصالح الأمن الوطني أو الدرك الملكي. غير أنه يجب على المستغلين المذكورين الاحتفاظ بالاستمارات الفردية للإيواء لمدة سنة، ووضعها رهن إشارة المصالح المختصة بالمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي كلما طلبت ذلك. وبالرجوع إلى المرسوم رقم 2.15.865 بتحديد كيفيات التصريح الالكتروني بالمعطيات المتعلقة بالزبائن العابرين أو المقيمين بمؤسسات الإيواء السياحي أو أي شكل من أشكال الإيواء السياحي الأخرى، ونموذج الاستمارة الفردية للإيواء، فإنه يتعين ما يلي: – التصريح الإلكتروني بالمعطيات المتعلقة بالزبائن العابرين أو المقيمين بمؤسسات الإيواء السياحي أو أي شكل من أشكال الإيواء السياحي الأخرى، عقب وصولهم ومغادرتهم، من قبل المستغل يوميا قبل الثامنة صباحا، لدى المصالح المختصة بالمديرية العامة للأمن الوطني، أو بالدرك الملكي. – يحدد نموذج الاستمارة الفردية للإيواء في الملحقين 1و 2 المرفقين بالمرسوم، وبالاطلاع على البيانات التي ينبغي تضمينهما في هذين الملحقين، نلاحظ أنها تتعلق بما يلي: بيانات الملحق الأول: – الاسم الشخصي والعائلي – الجنس – الجنسية – بلد الإقامة -عدد الأطفال دون 18 سنة – تاريخ المغادرة المقدر – طبيعة وثيقة الهوية المقدمة: جواز سفر، ب ت و إ – وثائق أخرى (رقم الدخول)، – سند الإقامة – رقم وثيقة الهوية المقدمة. معلومات تكميلية – مكان الازدياد – مقر السكن – المدينة -الفئة الاجتماعية والمهنية (مهن عليا، أطر، مستخدمون، عمال، مهن متوسطة، فئات أخرى، طلاب، متقاعدون) – سبب الإقامة (أسباب مهنية، زيارة الأهل، والأصدقاء، المشاركة في مؤتمرات وزيارة معارض – تنظيم الإقامة – سفر منظم – أسفار أجنبي أو وطني – حجز مباشر لدى صاحب السكن، – بدون حجز. بيانات الملحق الثاني: – بيانات لا تتعلق بالزبائن وإنما تتعلق بمؤسسة الايواء السياحي، مثل: – اسم المؤسسة – نوع المؤسسة – الصنف – الهاتف – البريد الالكتروني – مندوبية – توقيع مستغل مؤسسة الايواء السياحي وبناء على كل ما تقدم يتضح أنه ليس هناك أي مقتضى قانوني يلزم المؤسسات المذكورة بمطالبة الزبناء بالإدلاء بعقد الزواج. * المؤيدات المستخلصة من القانون رقم 09.08، المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي لقد عرفت المادة الأولى من القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي بأنها » كل عملية أو مجموعة من العمليات تنجز بمساعدة طرق آلية أو بدونها وتطبق على معطيات ذات طابع شخصي، مثل التجميع أو التسجيل أو التنظيم أو الحفظ أو الملاءمة أو التغيير أو الاستخراج أو الاطلاع أو الاستعمال أو الايصال عن طريق الارسال أو الاذاعة أو أي شكل آخر من أشكال إتاحة المعلومات، أو التقريب أو الربط البيني وكذا الاغلاق أو المسح أو الإتلاف ». كما أوجبت المادة 3 من نفس القانون، على كل جهة، سواء كانت شخصا ذاتيا، أو معنويا، أو سلطة عامة، أو مصلحة، أو هيئة سواء تقوم بمفردها، أو باشتراك مع آخرين، أن تقوم بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، بطريقة نزيهة ومشروعة، تحت طائلة العقوبات، المنصوص عليها في المادة 54 من نفس القانون. وبالاطلاع على هذه المادة (54) نلاحظ أنها نصت على أنه « يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة، وبغرامة من 20.000 درهم، إلى 200.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من قام بخرق أحكام، البنود أ، ب، ج، من المادة 3، المذكورة، بجمع معطيات ذات طابع شخصي بطريقة تدليسي، أو غير نزيهة، أو غير مشروعة … » وبناء على ما تقدم، يتضح أن إلزام نزلاء المؤسسات السياحية وأشكال الإيواء الأخرى، بالإدلاء بعقد الزواج كشرط للولوج إلى مؤسسة الإيواء، يعتبر نوعا من أنواع معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي وفق التعريف المشار إليه أعلاه غير المشروعة، بالنظر إلى عدم وجود أي أساس قانوني لهذا الالزام، وهي تدخل ضمن الحالات المجرمة التي عاقب عليها القانون المذكور. * المؤيدات المستخلصة من القانون الجنائي من خلال المقتضيات القانونية المبينة للوثائق التي يتعين الإدلاء بها من طرف النزلاء لمؤسسات الإيواء السياحي، يتضح أنه لا يوجد من بين هذه الوثائق عقد الزواج، إلا أن الملاحظ أن هذه المؤسسات، تلزم زبنائها بالإدلاء بعقد الزواج للولوج إليها، رغم عدم وجود أي نص قانوني يسمح لها بذلك. وإذا كان منطلق هذه المؤسسات يكمن في الخوف من احتمال ممارسة هؤلاء الزبناء لجنحتي الفساد أو الخيانة الزوجية، أو سقوطها في ارتكاب إحدى الجرائم المتعلقة بوضع محلات أو أماكن للدعارة أو البغاء، أو غير ذلك من الأفعال المجرمة في هذا الإطار…، فإن ذلك يبقى مجردا من أي أساس قانوني سليم، ذلك أنه من المبادئ المسلمة في القانون الجنائي، أنه لا يمكن معاقبة الناس على نواياهم التي تبقى أمرا مستترا يصعب التنبؤ بها، إذا لم يتم الإفصاح عنها، إذ لا يمكن تصور قيام إحدى تلك الأفعال لمجرد عدم الإدلاء بعقد زواج، ذلك أن ارتكابها يفترض وجود اتفاق مسبق بين الزبناء والمؤسسة، بشكل صريح أو ضمني، على كراء مكان أو محل من أجل ممارسة الدعارة أو البغاء أو غيرها من الأفعال المجرمة في هذا الإطار في القانون الجنائي، والحال أن مؤسسة الإيواء ليس من حقها قانونا ولا دستوريا، مطالبة زبنائها بالإفصاح عن أسباب دخولهم معا للمؤسسة، باعتبار أن هذا الأمر يعتبر من الأمور التي تدخل في الحياة الخاصة للأفراد التي أحاطتها كل الشرائع السماوية والوضعية بالحماية ومنعت انتهاكها تحت أي مبرر. علاوة على ذلك، كيف يمكن لمؤسسة الإيواء أن تفترض وجود نية بممارسة الجنس بين شخصين لمجرد ولوجهما معا إلى المؤسسة دون عقد الزواج، ألا يعتبر ذلك انتهاكا لخصوصيتهما، واتهاما مسبقا لهما برغبتهما في ممارسة علاقة جنسية بناء على مجرد الافتراض، رغم عدم وجود أي دليل ضدهما، علما أن المشرع الجنائي، استثنى إثبات هذا النوع من الجنح من مبدأ حرية الإثبات، وأحاطه بقواعد إثبات صارمة حرصا على أعراض الناس، وعدم المس بها دون سند قانوني سليم، ذلك أن الفصل 493 من القانون الجنائي، نص على أنه لا تثبت الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490، و491، إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس، أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي، وبالتالي فإنه بهذا الحصر، قد أبعد أي وسيلة إثبات أخرى تقوم على القرائن أو شهادة الشهود…لإثبات ممارسة أي علاقة جنسية في هذا الإطار. وبناء على ما تقدم، فإن افتراض ارتكاب هؤلاء الزبائن لجنحتي الفساد أو الخيانة الزوجية، لتبرير إلزامهم بالإدلاء بعقود الزواج، يبقى أمرا عديم الجدوى، وسابقا لأوانه، بالنظر إلى أن احتمال ذلك هو مسألة لاحقة عن الولوج إلى مؤسسة الإيواء، كما أن إثبات ارتكاب هاتين الجنحتين يخضع لوسائل اثبات محددة وفق ما بيناه في الفقرة السابقة، والتي يبقى للقضاء وحده أمر تقديرها. فالخلاصة أن مطالبة نزلاء المؤسسات السياحية بتقديم عقود الزواج تعتبر انتهاكا لكل المرجعيات، سواء منها المواثيق الدولية والمبادئ الدستورية، أو مقاصد الشريعة الإسلامية وتفريعاتها الفقهية، كما تعتبر انتهاكا للمعطيات الشخصية وتجاوزا للمنظومة القانونية.