لم يتأخر رئيس الحكومة، لدى تقديمه حصيلة حكومته في نصف ولايتها الأسبوع الماضي أمام مجلسي البرلمان، عن التعبير عن ارتياحه لما تم إنجازه. علاوة على ذلك، فهو يعتقد أن الإنجازات « تجاوزت كل التوقعات ». دون تحديد ما إذا كان يقصد توقعات الحكومة أم توقعات المواطنين. إنه فرق شاسع! لقد كان هناك تحيز منهجي في الخطاب المقدم أمام البرلمان، مما يحول دون قراءته بشكل صحيح. وبالفعل، عندما نقدم حصيلة، فإننا نقدم تقريرا يتعلق بالأهداف المعلنة في البداية إما في البرنامج الحكومي – الذي يشكل عقداً بين الحكومة والشعب – أو في القوانين التي أقرها البرلمان، بما في ذلك قوانين المالية على وجه الخصوص. ولم يكن هذا هو الحال مع استثناءات نادرة. واقتصرنا على طرح « سلة » أرقام لمختلف القطاعات دون مواءمتها مع الالتزامات التي تم التعهد بها. علاوة على ذلك، فيما يتعلق ببعض القضايا « المقلقة »، لم يكن لدى الحكومة عملياً ما تقوله، وتبنت المثل القائل: « كم حاجة قضيناها بتركها ». وهذا ما يمكن أن نستشفه بخصوص الحكامة الجيدة، ومحاربة الفساد، ومكافحة اقتصاد الريع، والإثراء غير المشروع، وتضارب المصالح، والامتيازات الممنوحة لرؤوس الأموال الكبيرة… هناك قيود منهجية أخرى في تقرير منتصف الولاية الحكومية تكمن في كونه كميًا أكثر منه نوعيًا. وبالتالي، فإن الأرقام، على الرغم من أهميتها، ليست كافية في حد ذاتها لتعكس الواقع، وخاصة مشاعر السكان. فأن تعرب الحكومة عن رضاها عن نتائجها، هذا أمر طبيعي، ولكن هذا لا يكفي لإقناع وكسب دعم المواطنين « المستهدفون » بالسياسات العمومية. فالحكومة موجودة من حيث المبدأ لخدمة المواطنين وإسعادهم. لنأخذ مثالا واحدا فقط، وهو تعميم الحماية الاجتماعية الذي يشكل بالفعل « مشروعا ثوريا » وكنا السابقين إلى الاعتراف به. ما يهم المواطن، قبل كل شيء، هو سهولة الولوج إلى علاج ذو جودة ومعاملة إنسانية في المؤسسات الصحية، التي يفضل أن تكون عمومية. ومن دون أي جدل، يجب أن نعترف أننا للأسف بعيدون عن تحقيق هذا الهدف. للحصول على العلاج، يجب أن يكون لديك الإمكانيات المادية الكافية والذهاب إلى عيادة خاصة. علاوة على ذلك، وهو رقم نود أن نأخذ رأي الحكومة فيه: أكثر من 80% من الإنفاق على الصحة يعود بالنفع على القطاع الخاص! إن تسليع الصحة ينمو بسرعة البرق. بالإضافة إلى ذلك، بالكاد تم تناول بعض القضايا، أو تم تجنبها بلباقة. وهذا هو الحال بالنسبة لإشكالية الشغل والبطالة. لقد فشلت سياسة الحكومة في هذه القضية الاجتماعية الحاسمة في ضمان كرامة المواطنين وازدهار البلاد. إن البرامج التي كثرت الضجة حولها لم تحقق التأثير المطلوب. والأرقام التي قدمتها الحكومة مشكوك في صحتها. وهكذا، تشير التقديرات إلى أن برنامج « أوراش »، الذي تم تمويله بميزانية قدرها 4.5 مليار درهم، قد خلق 221 ألف منصب شغل! أرقام وهمية لا وجود لها في إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط. واعترفت الحكومة أن الأنشطة غير الفلاحية خلقت في المتوسط 116 ألف منصب شغل خلال سنتي 2022 و2023 مقارنة بمتوسط 58 ألف منصب شغل بين 2010-2015 و66 ألف منصب شغل في المتوسط بين 2016-2021. وهذا أمر صحيح، لكنها نسيت أن تشير إلى كون ذلك يعود بالأساس إلى خلق 164 ألف منصب شغل في سنة 2022 في الخدمات التي هي في الأساس وظائف هشة ومن أجل البقاء. فكيف يمكننا إذًا تفسير الارتفاع المهول في معدل البطالة سنة 2023 إلى مستوى لم يسبق تسجيله خلال العقدين الأخيرين؟ ولحل هذا اللغز، تعتزم الحكومة، التي تفتقر بشكل واضح إلى الإلهام، الاستعانة بخدمات مكتب دراسات أجنبي، ويتعلق الأمر بماكينزي ،McKinseyوهذا المكتب نفسه الذي وضع « مخطط المغرب الأخضر » الشهير الذي ندفع تكاليفه اليوم! ولكن دعونا نوضح أننا لسنا من حيث المبدأ، أو بسبب الشوفينية، ضد اللجوء إلى الخبرات الأجنبية. بل على العكس من ذلك، عندما نفتقر إلى الخبرة في مجال متطور، فلا مشكلة في اللجوء إلى المساهمة الأجنبية. وقد مرت بهذا الأمر جميع الدول، بما في ذلك العملاق الصيني. ولكن في مجال مثل التشغيل، وكذلك الفلاحة وغيرها، تتمتع بلادنا بمهارات لا تقل عن نظيراتها الأجنبية. وكل ما نحتاجه في هذا المجال هو استراتيجية من صنع المغاربة وبمعية المغاربة ومن أجل المغاربة. وللتذكير، قمنا بإعداد استراتيجية وطنية للتشغيل في سنة 2015 والتي اعتبرتها منظمة العمل الدولية واحدة من أفضل الاستراتيجيات في منطقة مينا (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا). وهو عمل قام به مجموعة من المغاربة والأكاديميين والممارسين، وبأشراك الفرقاء الاجتماعيين والوزارات الرئيسية المعنية بالتشغيل. هذه الاستراتيجية، التي ناقشها مجلس الحكومة واعتمدها في ذلك الوقت (2 يوليوز 2015)، متاحة على المواقع الإلكترونية لمنظمة العمل الدولية ووزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات (MIEPEEC). وبطبيعة الحال، لا يكفي إعداد استراتيجيات جيدة، وهو مجال نتميز فيه، بل يجب أيضًا تنفيذها. وبالتالي فإن استراتيجية التشغيل الوطنية لا تحتاج إلا إلى التحديث والتحيين وقبل كل شيء إلى التطبيق الفعلي. ومن ثمة، فإن الاستعانة بمكتب دراسات أجنبي أمر غير مبرر اقتصاديا وغير مقبول سياسيا. إن مثل هذا الفعل يشكل ازدراء لذكائنا الجماعي وعدم الثقة في المهارات العلمية التي تعج بها جامعاتنا وإداراتنا. دون أن ننسى مساهمة مغاربة العالم. إن المغاربة وحدهم هم القادرون على تقديم الحلول المناسبة لمشاكلنا. فرجاءً السيد رئيس الحكومة، لا تهدروا الأموال العمومية لإثراء مكاتب الدراسات الأجنبية التي لا تحقق أي قيمة مضافة. بل مجرد عروض PowerPoint بالألوان، يعرف المغاربة تقديمها بشكل أفضل. وكل ذلك برؤية وطنية وروح المواطنة الصادقة. (ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة)