نادي القضاة غضب من كاتب هذه السطور لأنه قال في ندوة، حول مشروع إصلاح العدالة دعت إليها شبيبة العدالة والتنمية الأسبوع الماضي،: «إن مشروع إصلاح القضاء مازال حبراً على ورق، وإن الممارسة القضائية في بلادنا مازالت تشهد تجاوزات وخروقات لشروط المحاكمة العادلة، وإن بعض القضاة وبعض وكلاء الملك يتوفرون على هواتف محمولة يتلقون من خلالها التعليمات والتوصيات والتوجيهات، من قبل جهات في السلطة، ومن قبل أصحاب المال والنفوذ وعِليّة القوم، وإن وزير العدل هو الحلقة الأضعف في هذا النظام، لأنه وإن حرّم على نفسه التدخل في أحكام القضاء، إلا أنه وإلى الآن لم يعرف طريقا لإلزام الآخرين بعدم التدخل في القضاء، وإن كان ضمير القاضي الواقف والجالس هو الحارس الأول والأخير» ... ما الذي يزعج في هذا الكلام الذي يعرفه الخاص والعام، ويعرفه القاضي والشرطي والشاوش وكاتب الضبط والمحامي والسمسار وشاهد الحق والزور في باب المحكمة.. السادة القضاة في النادي عوض أن يشجعوا الصحافيين والحقوقيين على تعرية الفساد الموجود في منظومة العدالة، أصبحوا بوعي وبدون وعي، يشكلون درعا واقيا أمام كشف الحقيقة المرة في هذا الجسد المعطوب. السادة في نادي قضاة المغرب كتبوا بيانا سياسيا مثل ذلك الذي تكتبه الفصائل الطلابية في الجامعة وهي تمارس البوليميك مع بعضها وقالوا: «بعد الاطلاع على التسجيل المنشور بالموقع الإلكتروني «اليوم 24»، يوم 27 غشت 2014، والذي صرح من خلاله الصحفي توفيق بوعشرين، مدير جريدة «أخبار اليوم» بأن هناك بعض القضاة يمتلكون هواتف محمولة، ويتلقون فيها تعليمات. وبالنظر لما في هذه التصريحات من زعزعة لثقة المتقاضين في القضاء، فإن المكتب التنفيذي قرر مراسلة السيد وزير العدل والحريات بشأن ضرورة فتح تحقيق شفاف ونزيه للتثبت من هذه التصريحات، وإعلام الرأي العام بنتائج التحقيقات المباشرة في الموضوع بالنظر إلى أهمية ذلك على صورة العدالة ببلادنا، واتخاذ الإجراءات المحددة في القانون في حال ثبوت عدم صحتها». هذا البيان له عنوان واحد هو محاولة ترهيب أي شخص يقترب من نقد منظومة العدالة في البلاد، وهو ثانيا، فتوى غير معلنة بعدم جواز الحديث في شؤون القضاة وترك هذا الأمر لهم دون سواهم، وكأن الشأن القضائي يهم فقط، 3500 قاضي في المملكة وليس 35 مليون مغربي. أيها السادة القضاة إننا دفعنا وندفع ثمنا غاليا في المحاكم، جراء فبركة الملفات والمعطوف عليها؛ تعليمات صريحة من أجل الانتقام منا وذلك لأننا نتحدث بما نعتقد أنه الحق والحقيقة بدون روتوشات ولا مساومات، ولأننا لا نبيع ولا نشتري في هذه المهنة التي صارت أكبر بورصة لتداول الزيف والكذب والحملات المسعورة تحت الطلب حتى أصبحت مهنة الصحافة مثل ماخور للدعارة، وكل بثمنه. ولهذا، لا تعتقدون أنكم بمثل هذه البيانات وبمثل هذه الإيحاءات لزملائكم في المحاكم ستُكممون أفواهنا وتلجموا أقلامنا... في جسم القضاء شرفاء وعقلاء ونزهاء، هذا لا ينكره أحد، وفي جسم القضاء، مرتشون وفاسدون وموظفون ينفذون التعليمات أحيانا قبل صدورها. طلبتم أيها السادة من وزير العدل أن يفتح تحقيقا مع كل واحد يفتح فمه في سيرة القضاة ...طيب، أنا أضم صوتي إلى صوتكم، لكن دعونا نبدأ منكم. أنتم الذين وقعتم على بيانات كثيرة تطالب باستقلالية القضاء، ورفعتم شعارات ولافتات أمام محكمة النقض وببذلكم الرسمية تندد بالرشوة التي تنخر القضاء، لماذا لم تمدوا وزارة العدل والمفتشية العامة لهذه الوزارة والمجلس الأعلى للقضاء بأسماء القضاة المرتشين والذين يمسون استقلالية القضاء؟ كنت أنتظر أن تدخلوا في لائحة من يطالبون بالتحقيق معهم وترتيب الجزاءات عليهم. السيد وزير الخارجية والتعاون السابق الطيب الفاسي الفهري، قال في محاضرة بأمريكا، إن استقلالية القضاء المغربي ليست واقعا على الأرض وإن وزارة العدل بالمملكة تتصل بين الحين والآخر بالقضاة في بعض الملفات، وهو التصريح الذي اعتمدته محكمة أمريكية في تكساس لتوقيف تنفيذ حكم صادر عن المحاكم المغربية بدعوى أن قضاءنا غير مستقل، ولا يوفر شروط المحاكمة العادلة. آه نسيت أن أذكركم أن من بين الحيثيات التي اعتمد عليها القاضي في تحرير هذا الحكم، بيان صادر عن نادي القضاة يقر فيه بأن الاستقلالية غائبة عن منظومة العدالة في المغرب. لقد استغربت كيف تجاهل بيانكم الأخير هذه الحادثة كما تجاهلها الإعلام المخدوم... الذي أغضب نادي القضاة في حديث هذا العبد الضعيف، والذي كان دائماً مساندا للنادي، ورأى فيه يوم ولادته بادرة صحوة جسم ميت. الذي أغضب النادي هو انتقادي لهم وقولي إن فيهم كثيرون جنود إصلاح في المعركة الخطأ، وإنهم لم يعرفوا كيف يديرون معركة شديدة التعقيد في مرحلة ضبابية في جسم ملغوم، فأصبحوا جزءا من المشكلة لا جزءا من الحل، وأصبحت جهات أخرى تستغل عفويتهم واندفاعهم وحتى اختراقهم من أجل أن تعطل عجلة الإصلاح في منظومة العدالة.