فشل العدوان الإسرائيلي على غزة بعد 50 يوما من القصف النازي، وبعد قتل 2200 شهيد وإصابة 5000 جريح وترويع 1.8 مليون إنسان... أمس خرجت غزة تحتفل بوقف إطلاق النار ورفع الحصار وفتح المعابر والاحتفاظ بسلاح المقاومة... نقول إن العدوان الإسرائيلي على غزة فشل ليس من باب رفع المعنويات والانتصار للفلسطينيين الضعفاء، بل من باب التقييم الموضوعي للحرب الأخيرة. دعونا نعيد تذكر الأهداف التي وضعتها إسرائيل لهذه الحرب قبل انطلاقها وأثناء انطلاقها. قال نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، إن الأهداف من الحرب على غزة ثلاثة وهي: أولا: القضاء على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، ودفع الفلسطينيين إلى كره المقاومة والتمرد عليها باعتبارها سببا مباشرا في الحروب المتتالية على غزة. ثانيا: هدم الخنادق تحت الأرض التي تستعمل في تهريب السلاح والمؤونة والوصول إلى المناطق المحتلة، وجعل غزة بلا خنادق.. أرضا مبسوطة أمام الطيران الإسرائيلي. ثالثا: نزع السلاح من غزة وجعلها قطاعا بلا أسنان، وأرضا مستباحة للطيران الإسرائيلي. هذه هي الأهداف الثلاثة التي خاض من أجلها نتنياهو الحرب على غزة وتحمل من أجلها غضب العالم... هل حقق منها شيئا أول أمس وهو يوقع على اتفاق الهدنة ووقف الحرب؟ أبدا، لم يحقق الاحتلال الإسرائيلي شيئا من أهدافه، حماس التي كان يحلم بالقضاء عليها جلس وفده للتفاوض معها في مصر، وحولها العدوان إلى رقم صعب في فلسطين والمنطقة العربية كلها من خلال صمودها وذكائها في خوض المعركة والاستعداد لها. سلاح غزة مازال في الأنفاق، وإلى آخر لحظة قبل التوصل إلى اتفاق، كانت الصواريخ تنزل على تل أبيب. إنه سلاح حقق، لأول مرة في تاريخ المواجهات العسكرية العربية مع إسرائيل، مكاسب مهمة، فأن يغلق مطار بن غوريون، وينزل ملايين الإسرائيليين إلى الخنادق، ويمنع جيش الاحتلال من الاجتياح البري.. إنها كلها مكاسب عسكرية واستراتيجية كبيرة... أما الأنفاق فمازال الكثير منها موجودا، وبعضها يمتد إلى مناطق حساسة من الكيان المحتل... طبعا هذا النصر الكبير لفصائل المقاومة على أكبر جيش في المنطقة كانت له تكلفة كبيرة إنسانية ومادية دفعها الشعب من دمه ولحمه الحي واستقراره ومنازله، لكن هذه هي طبيعة المعركة، يضحي الضعيف أكثر من القوي ليحرمه لذة النصر وكسر إرادة الشعب. الدرس من حرب الخمسين يوما هذه أن إسرائيل قوية بضعف العرب واستكانة أنظمتهم التي أصبح بعضها يرى في إسرائيل صديقا وليس عدوا.. حرب الخمسين يوما عرت عرب إسرائيل في الخارج، فلأول مرة يفتخر نتنياهو بأن إسرائيل لها حلفاء في الحرب على الفلسطينيين! حرب الخمسين يوما أظهرت أن المقاومة هي الطريق إلى فك الحصار وتحرير الأرض والإنسان، وأن التفاوض بلا أسنان ولا بندقية ولا قوة مضيعة للوقت مع كيان لا يفهم إلا لغة واحدة، وعالم منافق لا يضحي بمصالحه في سبيل مبادئه... غزة تزغرد رغم الجراح والألم والشهداء، لكنها خرجت مرفوعة الرأس في مناخ عربي مهزوم وثقافة مهزومة...