أعطت الفنانة ثريا جبران، وزيرة الثقافة السابقة، موافقتها المبدئية على المشاركة في مشروع الفيلم السينمائي الجديد «دوار البوم» لمخرجه عز العرب العلوي، حيث ستؤدي دور أم أحد سجناء المعتقل السري «تازمامارت» التي تمضي عمرا في البحث عن ابنها، ليكون هذا الدور، الذي راق الفنانة بعد قراءتها السيناريو، أول عمل درامي سينمائي سيعيدها إلى ساحة الممارسة الدرامية والسينمائية المغربية بعد اعتزالها ممارسة السياسة. وستكون ثريا جبران، الممثلة المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي لم تنسلخ عن هويتها الفنية، في الجلباب السياسي الضيق، واحدة من بين الثلاث ممثلات اللواتي اختارهن المخرج العلوي لتجسيد الشخصيات النسائية في الفيلم الذي سيحكي عن سجن تازمامارت من زاوية جديدة، هي الأولى من نوعها التي تركز على معاناة الحراس. هذا وقد تسلمت ثريا السيناريو منذ ثلاثة شهور قبل أن تعطي موافقتها المبدئية، حسب ما صرح به المخرج ل"اليوم24". ويندرج «دوار البوم»، في إطار سينما حقوق الإنسان، بتركيزه بالأساس على مرحلة سنوات الرصاص، وعلى المعتقل السري «تازمامارت» تحديدا، وهو الفيلم الذي سيحمل جديدا في التيمة التي سيركز عليها، وتتمثل في حراس المعتقل لا المعتقلين، باعتبارهم أيضا سجناء، حيث لن تظهر في مشاهد الفيلم وجوه المعتقلين، وإنما سيتم التركيز على إبراز تأثيرهم على نفوس الحراس، والثقل الذي يمثلونه بالنسبة إليهم لأن المعتقلين تسببوا أيضا في احتجاز ورهن الحراس، حسب ما أفاد به المخرج «اليوم24»، في تصريح سابق أعلن فيه أنه عاش طفولته في مدينة الراشيدية، وعايش هناك حراس معتقل تازمامارت، معتبرا أن مشروع فيلمه «دوار البوم» هو استمرارية لفيلمه «أندرومان.. من دم وفحم»، الذي اشتغل على المهمش والمسكوت عنه، الذي استقاه هذه المرة من واقع عايشه إبان طفولته. الفيلم، حسب العلوي، هو رصد لنفسية حراس معتقل تازمامارت، وتحديدا الحراس الخارجيين، الذين لم يتطرق إليهم قبلا كأشخاص يعانون جراء هذا العمل، الذي وجدوا أنفسهم مجبرين على القيام به. هؤلاء هم سكان «دوار البوم»، الواقع بالقرب من المعتقل، الذي يعيش فيه مجموعة من الجنود، الذين يعملون فيه، باستثناء إمام المسجد «الفقيه»، حيث يجدون أنفسهم، بشكل من الأشكال، أيضا معتقلين، والفرق بينهم وبين المعتقلين الحقيقيين أن هؤلاء تسجن أجسادهم لكن فكرهم يظل حرا طليقا، بخلاف الحراس الذين يُعتقل فكرهم وحياتهم كلها. يجد الحراس أنفسهم وكأن لعنة أصابت «الدوار» الذي يعيشون فيه، فهم محتجزون بالفعل، ويمر الوقت ثقيلا بطيئا، كأن الزمن توقف على إيقاع رتيب، في دوامة أبدية. وعن اختياره لهذا الموضوع، يقول عز العرب العلوي إن ذلك جاء تبعا لرغبته في الاهتمام بهذه الفئة التي لم يتم يتطرق إليها قبلا في الأعمال الروائية أو السينمائية، التي ركزت في معالجتها للمعتقل على معاناة المعتقلين بسبب السجان، دون لفت النظر إلى المعاناة النفسية والفكرية والعلائقية التي يعيشها هذا الأخير، معتبرا أن الحياة فرضت على كل واحد من الحراس الاشتغال في تلك المهنة لأنه لم يتلق تعليما، ولم تسمح له الظروف بذلك، ليجد نفسه وكأنه أمام قدر لم ينصفه، إذ في الوقت الذي يعتقد أنه يضحي ليقدم عملا كبيرا خدمة لوطنه، يراه الآخرون متهما بتقييد حرية آخرين، رغم كونه مغلوبا على أمره. وفي تحضيره لموضوع الفيلم، صرح العلوي ل« اليوم24»، بأنه أثناء كتابته للسيناريو قرر ألا يقرأ أو يشاهد أو ينصت إلى أي شهادات عن معتقل تازمامارت، حيث لم يقرأ غير ما نشره المعتقل السابق محمد المرزوقي قبل حوالي عشر سنوات، حتى لا يتأثر بالشهادات وينقل صورها بدلا من الصور التي تركزت في ذهنه وهو صغير، مؤكدا أن ما ركز عليه في كتابته للموضوع هو ما احتفظت به ذاكرته من مرحلة الطفولة، التي عاشها بين هؤلاء الحراس، الذين كانوا يحملون معهم حكايا غرائبية، مؤكدا أن بطل حكاية الفيلم «سْعيد» كان جاره، الذي جعله يتساءل دائما وهو طفل تراوح عمره بين السبع والعشر سنوات عن المكان الذي كان يسافر إليه ويغيب مدة طويلة، والذي كان يوصف للأطفال بأنه مكان أشبه بقلعة، لا يضم غير الأشخاص الذين لا يحبون المغرب، وهو معتقل تازمامارت. وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم سينجز بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعد أن تم التوقيع على بنود العقد في مطلع رمضان وبذلك يكون فيلم دوار البوم أول فيلم سينمائي يحظى بدعم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعد أن عين لجنة لقراءة السيناريو، وافقت عليه بالإجماع.