إذ إن الانخراط في المعركة ضد الإرهاب لا يجب أن يكون حجة لإطلاق يد الأمنيين وتسويغ التجاوزات. المجتمع المغربي، لأسباب موضوعية يطول شرحها، لم ينتج نخباً ليبرالية تُدافع عن فكرة الحرية وثقافة الحقوق، وحدهم اليساريون كان عليهم – في البداية – فضلاً عن الدفاع عن المسألة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، أن يُضيفوا إلى جزء من هويتهم الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة، في سياق الأزمنة الصعبة للنضال الديمقراطي بالمغرب. لذلك تبلورت النواة الأولى للحركة الحقوقية داخل عائلات وأسر المعتقلين، وفي أوساط المناضلين الديمقراطيين، وهكذا أُسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان رائدة الحركة الحقوقية وأكثر تعبيراتها حضورا، ثم جاءت فيما بعد المنظمة المغربية كإحدى الإرهاصات الأولى لما نُسميه اليوم بالمجتمع المدني، حيث تميزت بإشراك العديد من الفعاليات المستقلة، وبالاشتغال المهني على التقارير الموازية ومذكرات الترافع. وسمح التراكم الذي خلقته تنظيمات مدنية مثل الجمعية، العصبة، المنظمة وجمعية هيآت المحامين، بالانتقال إلى جيل ثانٍ من الجمعيات المتخصصة، سواء تلك التي تربط الفعل الحقوقي بمساءلة السياسات العمومية، مثل جمعية الوسيط للديمقراطية وحقوق الإنسان، أو تلك التي فضلت الاشتغال على موضوع المحاكمة العادلة، مثل جمعية عدالة، أو تلك التي تُزاوج بين الترافع من أجل الحقيقة وتدبير الماضي وبين تنصيب نفسها كنقابة لضحايا سنوات الرصاص، مثل المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف. داخل هذا المشهد التعددي الذي أضيفت إليه جمعيات حقوقية فتية مثل الهيئة أو المركز، أو ذات حساسية إسلامية مثل منتدى الكرامة، هناك مقاربات مختلفة للاشتغال ومستويات متفاوتة من التنسيق والتشبيك حول موضوعات محددة أو بصدد قضايا للترافع المشترك. عموماً تظل الجمعيات الحقوقية إحدى أقوى المؤسسات المدنية التي أنتجها المجتمع المغربي، من حيث الحضور والاشعاع الجماهيري والقدرة التعبوية، ومن حيث المتابعة اليومية لملف حماية الحقوق والحريات عبر رصد الخروقات والانتهاكات. لذلك، فإن خطاب المؤامرة ليس الوسيلة المناسبة لإقناعنا بشيطنة بعضها، والمؤكد أن هذا الخطاب ليس الحل المناسب لتدبير ملف حقوق الإنسان، سواء في علاقة مع الاستحقاقات والمعارك الجديدة التي تعرفها القضية الوطنية، أو في إطار الالتزامات الحقوقية الدولية للمغرب. أما عن حكاية الدعم الأجنبي للجمعيات، والذي ينظم القانون مساطره وضوابطه، فيمكن لوزارة الداخلية ببساطة أن تقدم للحكومة وللبرلمان رؤيتها له وبدائلها المقترحة في هذا الباب. ثمة حقيقة تقترب من البداهة لا بأس من التذكير بها: لا يمكن للديمقراطية أن تتقدم ببلادنا، بدون صحافة مستقلة، وبلا مجتمع مدني قوي. في هذا الأمر لا مجال للاستثناءات أو للخصوصية. لقد تحولت المعارضة السياسية إلى منصات لإطلاق القذائف على «سيارات الإسعاف»، وهي تكتفي إراديا بتسجيل الملاحظات على الحاشية وليس على المتن. ولأن القطاعات الأساسية من التدبير الحكومي تظل خارج رقابة الشعب وبعيدة عن منطق الإنتخابات، فإنه من العبث أن نبحث عن حجج إضافية لنزع المصداقية عما تبقى من الهامش المدني/الجمعوي الذي يطمح في لعب دوره كاملاً في المساءلة والرقابة. قد لا نحب- مثلاً – الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كما أننا قد لا نتعاطف بالضرورة مع الخلفية السياسية للعديد من قادتها، لكننا لا نتصور فضاءً عمومياً مغربياً بدون صوت الجمعية وبدون مواقفها. قد لا نحب – على العموم – جمعيات حقوق الإنسان، لكن الذي يحب الديمقراطية عليه أن يدافع عن حقها المطلق في الوجود، وعن الحاجة الماسة إليها للقيام بتنفيذ أجندتها السرية والعلنية: الدفاع عن المجتمع والبحث عن التوازن مع السلطة. [email protected]