استغرب مستجوبون في دراسة حملت عنوان "القيم وتفعيلها المؤسسي: تغييرات وانتظارات لدى المغاربة"، أنجزها مكتب مجلس النواب، كيف يمكن الحديث عن قيم التعاطف والإنصاف داخل المؤسسات الصحية في سياق يفتقد لأبسط شروط العمل؟. وشدد المستجوبون، على أن تفعيل القيم الأساسية يقتضي توفير مناخ مهني مناسب يسمح للفاعل الصحي بأداء واجبه التقني والإنساني بشكل مرضي للجميع. فاختيار المهنة الصحية هو أصلا مبني على مرجعية قيمية. وحسب دراسة مكتب مجلس النواب، فإن التفعيل القيمي في قطاع الصحة بالنظر لخصوصية الخدمة التي تقدمها المرافق الصحية، يرتبط بمطلب التفعيل القيمي، من جهة، وبالممارسة المهنية لأطره، من جهة أخرى، وبالسلوك الارتفاقي للمواطنين أيضاً. على أن من أهم ما يطلبه ويطالب به المهنيون، الاحترام والثقة، بما يساعد في نظرهم، على حسن أداء واجبهم. إلا أن تفعيل هذه القيم في نظر الدراسة يبدو صعبا في سياق مؤسساتي انفعالي بامتياز. ومن جهة أخرى، تكشف الدراسة أيضاً، أن مساهمة مؤسسات تدبير الشأن المحلي، مازالت بعيدة عن تقديم الإضافة المرجوة، لذلك، يعتبر المشاركون في استجواب الدراسة، أن بإمكانها تفعيل قيم المسؤولية والمشاركة والنجاعة أكثر، ففي ظل محدودية الموارد العمومية المخصصة للقطاع الصحي، بإمكان الجماعات الترابية المنتخبة أن تعمل على تخفيف الضغط على الموارد البشرية المحدودة بتشغيل أطر إضافية في إطار عقود عمل محددة، وبشكل أولوي مع فئات التمريض الخاصة، أو مع أطباء القطاع الخاص، خصوصا في أفق توفير الاختصاصات الطبية التي يفتقدها المجال الترابي، أو في إطار شراكات حول خدمات تقنية مع مؤسسات الفحص الطبي التقني (الأشعة، التحليلات البيولوجية، أسرة تصفية الدم…)، مقابل امتيازات ضريبية، مثلا . وترى الدراسة ذاتها، أن مؤسسات أخرى تحتفظ لنفسها من المحيط الخارجي للمؤسسة الصحية بأهمية بالغة في تحقيق تفعيل قيمي يفيد في تجويد أدائها، ويمكن أن تقدم اقتراحات قيمية ذات مفعول عملي. ولا يشعر المهنيون أن المستويات الإدارية المركزية والجهوية بالقطاع الصحي، منخرطة معهم في الدعم القيمي والحماية القانونية الفعلية. انطلاقا من واقع الممارسة المهنية الطبية والتمريضية وتجارب الارتفاق الشخصية والعائلية، اقترح المشاركون في المقابلات الخاصة بالمؤسسات الصحية مجموعة من القيم، تباينت أولوياتها بين المشاركين المهنيين والمرتفقين، وتجلت أبرز هذه المقترحات القيمية، بالنسبة للأطر الصحية في: الاحترام، التقدير، الاعتراف، المواطنة، العدالة، الثقة، التضحية، الانضباط، الصبر، الحكامة، في حين حددها مرتفقو المؤسسات الصحية في قيم التواصل، الضمير المهني، التضامن، التعاطف، المسؤولية، الحرية، الحكامة، الأمانة، الاحترام، العدالة، المواطنة، المصداقية، المساواة، الانضباط، الكرامة، الأمن الجسدي، الأمن الصحي، والنزاهة. وتوقع المشاركون، حضريون وقرويون، بأن من شأن تفعيل القيم المقترحة وتعزيزها أن يؤدي إلى ترسيخ قيمة المواطنة وتعزيز الثقة بين المرفق الصحي والمرتفقين، وتفعيل الإنصات والتواصل والمعاملة بشفافية، وتخفيف العبء النفسي والمادي على المرضى، وتحقيق المساواة بين كل الفئات في ما يخص ولوج الخدمات الصحية، وتعزيز الحكامة في تدبير موارد المؤسسات الصحية، وكذا تخليق المرفق الصحي وتحسين صورة المؤسسة الصحية في المجتمع، بما يقوي الاحترام بين المؤسسة الصحية والمرتفق. ولوحظ شبه احتكار من المرتفقين للحديث في المحور الخاص بعدم التفعيل القيمي، وذلك في جميع المؤسسات وفي مختلف الجهات الترابية. وتأكد ذلك عند سرد حالات عدم التفعيل القيمي بالمؤسسات الاستشفائية، حيث مالت تدخلات المرتفقين إلى ما يشبه العتاب والتظلم، مقابل تبني الإنصات من طرف مهنيي الصحة المشاركين خلال إجراء المقابلات. لقد اتجهت أغلب تعقيبات المهنيين إلى التزام خطاب تبريري، رام توضيح بعض التفاصيل التي لا تظهر للمرتفق ولا يعلم بها. من ذلك، مثلا، انعدام الشروط الموضوعية لتدخل صحي مثالي وذي حساسية تجاه المكون القيمي، وتراكم إكراهات الاشتغال الإدارية منها والتقنية والبشرية والنفسية، والتي تستنزف طاقة الأطر الصحية، بحيث لا يتبقى لهم الجهد اللازم والكافي لأي تفعيل قيمي ُمواز لأدائهم المهني. إلى ذلك، كان مجلس النواب أطلق هذه الدراسة، بغرض تحديد أهم التغيرات القيمية التي حصلت في المجتمع المغربي الراهن، إضافة إلى اتجاهات وانتظارات المواطنات والمواطنين بخصوص مدى تفعيل القيم في المؤسسات العمومية والخاصة والمدنية من قبيل الأسرة، والمستشفى، والمدرسة، والمقاولة، والإدارة، والمحكمة، والجامعة، والإعلام، والجمعية. وشملت عينة الدراسة كافة جهات المملكة، و1600مستجوب عبر التراب الوطني. وتم توزيع أفراد العينة وفقا للحجم السكاني للمدن والجماعات القروية (كبيرة، متوسطة وصغيرة)". وتعني هذه الدراسة كل شخص، رجل أو امرأة، يتراوح سنه ما بين 18 و65 سنة، مقيم في المغرب وفي منطقة البحث لمدة تعادل أو تفوق 6 أشهر، وذو جنسية مغربية. وتم إنجاز هذه الدراسة على امتداد 10 أشهر تقريبا، بدءا من شهر فبراير 2022.