لقد كان التفاعل القوي والعفوي للشعب المغربي مع الضربة الخادعة للنظام التونسي في مستو الأهمية التي يوليها كل المغاربة لقضية الصحراء المغربية وتشبتهم بوحدتهم الترابية. وقد كان لافتا التعبئة الشعبية منقطعة النظير التي تسبب فيها استقبال الرئيس التونسي لزعيم الانفصاليين. إلا أنه وبعدما مرور بعض، وبدأت تهدأ النفوس، قد حان الوقت لضبط النفس والتعامل مع هذا التطور في الموقف التونسي تجاه قضيتنا الوطنية بكثير من الاتزان واليقظة وبعد النظر. وفي هذا الصدد، سيكون في مصلحة المغرب أن تتوقف كل الجمعيات والأحزاب عن شجب ما قام به النظام التونسي. فلا شك أن الرسالة قد وصلت لمن يهمه الأمر في تونس، خاصةً الشعب التونسي، الذي تجمعنا معه علاقات أخوية متينة، والذي يعتبر أكبر ضحية للانقلابات الدستورية التي قام بها رئيسهم وللطعنة الخادعة التي وجهها للمغرب. ما علينا الآن أن نقوم به هو أن نترك الدبلوماسية المغربية وذي الاختصاص يعملون في صمت وفي الكواليس من أجل الدفاع عن مصالح المغرب والحفاظ عن المكتسبات الدبلوماسية الجمة التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية. بموازاة مع ذلك، عل الأحزاب السياسية المغربية أن تشمر عل سواعدها وتقوم بالعمل الذي من شأنه أن يعود بالنفع عل مصالح البلد عل المدي القريب والمتوسط والبعيد. ويكمن هذا العمل في التواصل مع الأحزاب السياسية المعارضة لنظام قيس سعيد وتعزيز علاقاتها المؤسساتية معها تمهيداً للوقت الذي قد يسقط فيه هذا النظام. الكل يعلم بأن الرئيس التونسي يواجه معارضة شرسة من العديد من الأحزاب والنقابات وأن فئات عريضة من الشعب التونسي غير راضية عن الانقلابات الدستورية التي قام بها ضد العملية الديمقراطية. وبالنظر للضغوطات الخارجية التي يتعرض لها الرئيس سعيد عل يد الولاياتالمتحدة وظهور بوادر أخذ كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية لبعض المسافة مع هذا النظام، بعدما كانتا من بين الدول التي دعمته ضد حزب النهضة، والمعارضة الشرسة التي يواجهها من طرف الأحزاب المتشبثة بالخيار الديمقراطي، فمن غير المستبعد أن ينج الشعب التونسي في التخلص من قيس سعيد في الشهور أو السنوات القليلة القادمة. إن الشعب الذي أنه حكم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذين كان متحكما في كل دواليب الحياة السياسية والاقتصادية، قادر عل تنحية رئيس لا يكاد يثبت أقدامه عل رأس الدولة التونسية ويمر من أزمة اقتصادية خانقة قد تدفع بالشعب التونسي إل الثورة في أي لحظة. ومن ثم، فعل الأحزاب المغربية تعزيز علاقاتها مع نظيرتها التونسية وتفادي أن يقوم الجزائر باختراقها وضمها كذلك لصفه. فالخوف كل الخوف أن تستمر حملة التنديد ضد تونس وأن يقوم نظام الرئيس قيس سعيد باستعمالها لصالحه لتبرير الموقف الذي اتخذه من قضية الصحراء المغربية وأن يحاول تصوير المغرب عل أنه دولة توسعية تسع للنيل من مصالح جيرانها، وهي السردية التي عمل النظام الجزائري عل الترويج لها منذ ستة عقود. إن استمرار نشر هذه البلاغات الاستنكارية قد يتسبب في استعداء الشعب التونسي، الذي علينا أن نقوم بكل شيء من أجل الحفاظ عل علاقاتنا الأخوية معه. كما علينا تفادي الدخول في الحروب الكلامية في وسائل التواصل الاجتماعي وأن نتعامل مع كل ما يتم نشره بكثير من الحذر وأن نكون عل يقين أن النظام الجزائري هو من يقف وراء المناشير المعادية للمغرب وأنه يهدف إل إذكاء نار الفتنة بين الشعبين المغربي والتونسي. فنحن لسنا بحاجة إل استعداء الشعب التونسي، بل علينا أن نظهر له أننا نفرق ما بين نظامه وما بين عموم التونسيين وأننا نتفهم وضعيتهم. وهنا علينا ألا ننس أنه، وإن كان من الصعب تقبل الخطوة التي قام بها النظام التونسي، فإنها لن تقدم ولن تؤخر شيء بالنسبة للعملية السياسية المتعلقة بقضيتنا الوطنية ولن تقوم بنسف المكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب في الأونة الأخيرة. إن تونس لم تكن قط ذلك البلد الذي يتمتع بوزن سياسي كبير عل المستو الإقليمي أو الدولي الذي قد يمكنه من خلخلة موازين القو فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية أو أن يرجح كافة طرف عل اخر. كما أن تونس تمر من أحلك فتراتها منذ استقلالها وتوجد عل حافة الانهيار ولن يكون بإمكانها أن تشكل سنداً كبيراً للجزائر في إطار سعي هذه الأخيرة لنسف ما حققه المغرب. صحيح أن هذا الموقف التونسي يعتبر بمثابة انتصار دبلوماسي مؤقت بالنسبة للنظام العسكر الجزائري، ذلك أن يعطيه دفعة مهمة من الناحية المعنوية ويخرجه من العزلة الدبلوماسية التي عاشها منذ عدة سنوات. كما يعطي الانطباع بأن الجزائر استعادت قواها وأصبحت تستعيد مكانتها السياسية والدبلوماسية عل المستو الإقليمي. إلا أنه من الناحية السياسية والدبلوماسية، فإن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي لن تغير من الدينامية التي يوجد فيها الموقف المغربي. هذا لا يعني أنه ينبغي التخلي عن تونس وتسليمها في طابق من ذهب للنظام الجزائري. عل العكس من ذلك، ينبغي للمسؤولين للمغاربة القيام بكل ما في وسعهم من أجل منع هذا الأخير من تحويل تونس إل حديقته الخلفية. وفي هذا الصدد، سيكون حري بالمغرب أن يعمل عل تفادي قيام الرئيس التونسي بخطوة إضافية وأن يقوم بالاعتراف بالجمهورية الورقية للبوليساريو. فلن يكون ذلك السيناريو في مصلحة المغرب وسيجعله في عزلة عل المستو الإقليمي، وسيمكن الجزائر من لعب دور الزعامة الذي حلمت بلعبه في المنطقة عل حساب المغرب. ولعل خير سبيل لتحقيق ذلك هو أن يعمل المغرب عل تعزيز نفوذه ووزنه الاقتصادي في تونس وألا يترك المجال فارغاً للجزائر لتستفرد بهذا البلد وتجعله حكراً عليها. لقد كان من الطبيعي أن تكون ردة فعل الكثير من المغاربة بعد الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي ضد المغرب مطالبة الحكومة المغربية باتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد تونس، في مقدمتها انسحاب التجاري وفا بنك من هذا البلد وإلغاء العمل باتفاق التبادل الحر بين البلدين. لا شك أن اتخاذ قرارات مثل هذه قد تجعلنا نحس بنوع من الرضا الآني وبرد الصاع صاعين. إلا في حالات مثل هذه، ينبغي لنا أن نترك عواطفنا جانبا، ذلك أن قرار من هذا النوع سيخدم مصالح خصوم المغرب، وسيعزز السردية التي بدأت الآية الدعاية الإعلامية الجزائرية تروج لها وهي أن المغرب يسع للنيل من اقتصاد تونس لتعزيز نفوده الاقتصادي عل المستو الإقليمي. كما أن أول متضرر من هذه القرارات سيكون هو الشعب التونسي الذي يعتبر ضحية السياسات التي يتبعها الرئيس سعيد. إن ما تقتضيه هذه المرحلة هو الاحتكام لصوت الحكمة والعقل. وتقول الحكمة أنه ليس في مصلحة المغرب أبداً إعطاء أي انطباع بأنه يسع للنيل من مصالح هذا الشعب، بل أن يظهر له أنه لا زال متشبثاً بالحلم المغاربي وبأن تضطلع تونس بدور ريادي في تحقيقه وأنه يسع لتحقيق رفاه وازدهار كافة شعوب المنطقة. ينبغي للمغرب أن يعزز حضوره الاقتصادي في تونس وأن يجعل منه الورقة التي ستساعده في المستقبل عل إرجاع تونس لصوابها ولمواقفها الحيادية تجاه قضية الصحراء. كما عل كل القو الحية في المغرب أن ترفع وعي الرأي العام التونسي بأهمية اتفاق التجارة الحرة التي يربط البلدين وأن هذا الأخير يصب في مصلحة بلادهم. فمن شأن حملة إعلامية من هذا القبيل أن تساعد التونسيون عل فهم مد أهمية الحفاظ عل علاقات وطيدة مع المغرب وأن تدفع الفاعلين الاقتصاديين التونسيين إل الضغط عل الحكومة التونسية لثنيها عن القيام بأية خطوة من شأنها أن تؤدي بالبلدين إل القطيعة الدبلوماسية. كما عل القو الحية المغاربية ألا تدخر جهداً لرفع مستو وعي الرأي التونسي بالحيثيات والتفاصيل التاريخية لملف الصحراء المغربية وقطع الطريق أمام الألة التضليلية الجزائرية. وهنا علينا أن نستحضر أنه منذ نشوب النزاع حوص الصحراء، لم تكتف تونس بالحياد الإيجابي، بل دعمت المغرب بشكل واضح. ولعل ذلك ما حدث عام 1982 حينما قبل الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية مشاركة وفد البوليساريو باعتباره عضوا في المنظمة. وقد كانت تونس من بين 18 بلداً وقفوا إل جانب المغرب في التنديد بهذه الخطوة، كما كانت من بين تسع دول انسحبت من إحدى اجتماعات المنظمة في شهر أبريل 1982. ومن جهة أخر، أظن أنه جاء الوقت لنقف وقفة تأمل وأن تشخيص مواطن الخلل في الدبلوماسية المغربية وأن نعمل بشكل استباقي للحيلولة دون الجزائر من تحقيق مكتسبات دبلوماسية جديدة. فمن سابع المستحيلات أن تكون حياة الانسان أو حياة الأمم كلها انتصارات واختراقات دبلوماسية. ومن الطبيعي أن تكون هناك كبوات أو هفوات بين الفينة والأخر، وذلك ليس عيبا. ولكن حينما تقع تطورات من هذا القبيل، ينبغي القيام بتشخيص الوضع واستجماع كل القوة واستعمال كل الأوراق المتاحة من أجل مواجهة الخصوم بشكل فعال وإحباط كل مخططاتهم الهدامة. كما ينبغي التسليم بأن المغرب دخل في مرحلة جديدة وجد حساسة في حربه الدبلوماسية ضد الجزائر وحلفائها، خاصة وأن نظام الجزائر قد استفاد من الفقاعة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط والبترول وأنه يعتبر من أكبر المستفيدين من الحرب الدائرة في أوكرانيا. وبالتالي، فعل غرار ما قام به هذا النظام في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حينما استعمل قوته المالية من أجل شراء دعم الدول الافريقية، فإن لن يدخر جهداً من أخل اتباع نفس السياسة خلال المرحلة القادمة. فالجزائر تعرف أنها خسرت العديد من المعارك الدبلوماسية ضد المغرب خلال السنوات الخمس الماضية وأن هذا الأخير أصبح أقو مما كان عليه في الماضي، خاصةً بعض الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والدعم الواضح للموقف المغربي الذي قدمته كل من إسبانيا وألمانيا، وكذلك افتتاح أكثر من 30 بلداً افريقيا لقنصلياتها في أقاليمنا الجنوبية. كما تعلم أن إحدى الأهداف الرئيسية التي يشتغل عليها المغرب لوضع حد للنزاع بخصوص الصحراء المغربية هو طرد البوليساريو من الاتحاد الافريقي. وبما أن عضوية الجمهورية الورقية للبوليساريو تعتبر هي اخر ورقة دبلوماسية تمتلكها الجزائر، فإنها ستعمل لا محالة عل استعمال السيولة المالية التي حصلت عليها خلال الشهور الستة الماضية من أجل استمالة بعض الدول الافريقية التي فتحت قنصلياتها في الصحراء المغربية من أجل التراجع عن قرارها. ولعل أهم مؤشر عل ذلك هو وصول وفد البوروندي لتونس للمشاركة في اجتماع تيكاد الأسبوع الماضي عل متن طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية. كما أن المؤشر الثاني والأهم هو استقبال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لرئيس غينيا بيساو بداية هذا الأسبوع، بعدما كان هذا الأخير قد انسحب من المشاركة في مؤتمر تيكاد احتجاجاً عل مشاركة زعيم مليشية البوليساريو في ذلك المؤتمر. إن القاسم المشترك لهذين البلدين هو أن كلاهما فتحا قنصليته في أقاليمنا الجنوبية بعدما كان من بين أول الدول التي اعترفت بالجمهورية الورقية للبوليساريو وكانت من بين أول المدافعين عن انضمامها للاتحاد الافريقي. فكلا البلدين كانا بين الدول الافريقية الستة وعشرين التي وجهت رسالة للأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية في شهر فبراير عام 1982 وطلبت منه توجيه دعوة رسمية لزعيم البوليساريو للمشاركة في اجتماعات مجلس وزراء المنظمة بصفته عضوا فيها، وهو ما استجاب له الأمين العام للمنظمة Edem Kodjo. كما أن القاسم المشترك بين هذين البلدين هو أنهما يعتبران من بين العشر دول افريقية الأول التي كانت قد اعترفت بالجمهورية الورقية بحلول شهر مارس 1976 (إل جانب كل من الجزائر ومدغشقر وبنين وأنغولا والموزمبيق وكوريا الشمالية وطوغو وراندا). وبالتالي، يظهر بأن الجزائر تحاول استرجاع نفوذها عل الدول التي كانت تدور في فلكها حت وقت قريب والتي استطاع المغرب استمالتها لصالح موقفه بفضل السياسة الافريقية التي تبناها الملك محمد السادس منذ ما يزيد عن عقد من الزمن. عل ضوء التطورات المتسارعة التي تعرفها قضية الصحراء المغربية وعزم الجزائر عل تقويض كل الخطوات التي يقوم بها المغرب لتعزيز نفوذه في افريقيا لتهيئ الظروف لطرد البوليساريو من الاتحاد الافريقي، يظهر أن المغرب في حاجة إل خلق زخم جديد في العلاقات التي تجمعه مع شركائه الافارقة. وأما عجز مختلف الوزراء المنتمون لهذه الحكومة أو أولئك الذين تقلدوا المسؤولية في الحكومة السابقة عل البناء عل الزخم الذي خلقته الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس للعديد من بلدان القارة خلال الفترة ما بين 2013 و2017، تظهر أن هناك حاجة ملحة لاستئناف عاهل البلاد لزياراته المكوكية للبلدان الافريقية. فقد أظهرت لنا التجربة أن تلك الزيارات ساهمت إل حد كبير في استعادة المغرب لمكانته ونفوذ عل المستو الافريقي ومهدت الطريق لرجوعه للاتحاد الافريقي. ورأينا كيف أن تلك الزيارات والاتفاقات التي رافقتها دفعت العديد من البلدان إل مراجعة مواقفها بخصوص قضية الصحراء المغربية، مما مهد الطريق أمام فتح قنصلياتها في الصحراء أو في تبنيها لموقف الحياد الإيجابي. إن الاستقبال الذي خصه الرئيس الجزائري لرئيس غينيا بيساو يعتبر مؤشر واضح عل نوايا النظام الجزائري وعزمه نسف كل ما حققه الدبلوماسية المغربية في افريقيا جنوب الصحراء خلال العقد الأخير. ومن ثم فإن أهم ورقة ينبغي للمغرب أن يلعب عليها هي رجوع الدبلوماسية الملكية للساحة الافريقية. بناء عل النجاحات التي حققتها هذ الدبلوماسية في السابق، فلا شك أن حملة دبلوماسية في الشهور القادمة ستساهم إل حد كبير في إحباط المخطط الجزائري ومساعدة المغرب عل الحفاظ عل مكتسباته الدبلوماسية. وسيراً عل هذا الاتجاه، ينبغي أن تكون موريتانيا هي أول محطة من بين دول افريقيا جنوب الصحراء، التي ينبغي زيارتها في المرحلة القادمة. من المعلوم أن الجزائر حاولت عل مد العقود الأربعة الماضية استمالة موريتانيا للاصطفاف إليها في دعم أجندتها. وقد تمكنت الجزائر من تحقيق ذلك عن طريق الترغيب والترهيب ومن خلال الترويج لسردية مفادها أنه في صالح موريتانيا أن يكون وبين المغرب دولة أخر للنأي عن نفسها عن التهديد المزعوم الذي يشكله المغرب عل وحدتها وسلامة أراضيها. وكانت العلاقات بين المغرب وموريتانيا قد دخلت نوعاً من التوتر خلال فترة الرئيس السابق محمد عبد العزيز. وكان من بين مظاهر التوتر بين البلدين لما يزيد عن خمس سنوات استقبال هذا الأخير لأعضاء البوليساريو بشكل منتظم وتركه لمنصب سفير موريتانيا لد المغرب شاغر لمدة خمس سنوات، ورفع العلم الموريتاني في الكويرة عام 2015 ورفضه استقبال وفد وزاري مغربي قبل انعقاد القمة السابعة والعشرين للاتحاد الافريقي التي كانت مقررة في شهر يوليوز 2016، بالإضافة إل حادثة الكركرات. وقد تميزت فترة عبد العزيز بتقرب كبير نحو المحور الجزائري وبانحرافه عن الحياد الحذر الذي نهجته موريتانيا تجاه الصراع المغربي-الجزائري حت عام 2009 عل الرغم من أنها اعترفت بالجمهورية الصحراوية كرها عام 1984. ولعل من بين مؤاخذات الرئيس الموريتاني عل المغرب كون الملك محمد السادس لم يقم بأي زيارة لموريتانيا منذ أن دشن حملته الافريقية بينما قام بزيارة العديد من البلدان الاخرم مرتين أو أكثر. وعل الرغم من عودة شيء من الدفء للعلاقات بين البلدين بعد انتخاب الرئيس محمد ولد الغزواني، إلا أن العلاقات بين البلدين لم ترق بعد لمستو العلاقات التاريخية والثقافية والروحية بين البلدين. كما أن المغرب لم يعط بعض ضمانات لموريتانيا بأنه يضعها في صميم ألوياتها وأنه يسع لبناء شراكة استراتيجية متعددة الابعاد معها أو أنها يسع لجعلها في صلب سياسته الافريقية. وببقاء نفس العوامل التي أعاقت التقارب بين البلدين، يبق المجال مفتوح أمام الجزائر لاستغلال الفراغ الذي يتركه المغرب لإقناع موريتانيا للانضمام لمعسكرها. كما كنت قد أشرت إل ذلك في مقال نشرته عام 2016، فإن إحد الهواجس التي تؤرق الموريتانيين هي أن يصبح بلدهم محاطاً ببلدين غير صديقين. فمن المعلوم أن العلاقات بين موريتانياوالسنغال تعيش دائما عل وقع التوتر، بينما العلاقات بين المغرب وموريتانيا تعرف الكثير من الفتور. وفي الآن نفسه، تجمع المغرب بالسنغال علاقات استراتيجية متعددة الأبعاد وتعتبر السنغال من بين أهم حلفاء المغرب في القارة. وما دام المغرب لم يرقي بعد لعلاقاته مع موريتانا لمستو استراتيجي ولم يعطيها ضمانات ملموسة حول نواياها الحسنة، فإن موريتانيا، تنظر بعين الرب للعلاقات المغربية-السنغالية وتفضل إنشاء دولة بينها وبين المغرب لتفادي حصارها بين المغرب والسنغال. بطبيعة الحال، فإن الجزائر عملت وستعمل عل استغلال تقصير المغرب تجاه موريتانيا لإذكاء هذا الانطباع الخاطء والحيلولة دون وقوع تقارب بين البلدين. ولتفادي هذا السيناريو إطلاق مسلسل جديد في العلاقات بين البلدين، فمن مصلحة المغرب أن يضع من بيم أهم أولوياته بناء شراكة استراتيجية حقيقية بين البلدين ومساعدة البلد عل إنجاح جميع المبادرات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها الرئيس الموريتاني، في مقدمتها المخطط الذي أطلقه في الأونة الأخيرة من أجل النهوض بالفلاحة. كما سيكون في مصلحة المغرب إعفاء الموريتانيين من التأشيرة لدخول المغرب، خاصة وأن هناك إقبال متزايد للموريتانيين عل القنصلية المغربية للحصول عل تأشيرة لدخول المغرب. إلا أن أي زخم حقيقي في العلاقات بين البلدين لن يتحقق إلا من خلال جعل موريتانيا من بين الوجهات الأول في إطار الجولة الافريقية التي ينتظر كامل المغاربة بفارغ الصبر أن يقوم بها جلالة الملك للحفاظ عل المكاسب الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية التي حققها المغرب خلال السنوات الخمس الماضية. لقد أظهرت الدبلوماسية الملكية نجاعتها وقدرتها عل تدليل كل الصعاب وتخطي كل العقبات التي وقفت أمام المغرب خلال العقود السابقة في طريق الحصول عل دعم أصدقائه وأشقائه الأفارقة. وأمام ظهور بوادر تظهر عزم الجزائر الرمي بكل ثقلها في افريقيا لنسف كل ما حققه المغرب، فإن هذا الأخير في حاجة ماسة لدبلوماسيه الأول لمواجهة المد الجزائري ووأده أو عل الأقل التخفيف من انعكاساته السلبية عل الديناميكية الإيجابية التي دخل فيه الموقف المغربي منذ ما يزيد عن خمس سنوات.