التعميم سلالة قمعية بغيضة، وهم يتنكر في زي اليقين، منتوج يدين بالولاء لرأسمالية مجحفة. التعميم القاتل هو الذي وحّد تحت لواء الجاهلية عصرا بكامله في أذهان كثيرين، اغتصب فيه التعميم أشكالا ثقافية غنية وقيما وأيقونات حضارية ملفتة وعوض تحديد حقل اشتغال لفظ الجاهلية وحصر الدلالة وسياقاتها التأويلية كعلامة، أغرقنا في طوفانها كل شيء. وتحت يافطة العرب تحت سلطان هذا الإطار المتعالي، هضمت أشكال واستضمرت حيوات ثقافية ونُكّل بهويات عديدة، الخطاب الصنمي يقول دائما: عمم، وفي سلة واحدة ضع مع الوطن كل الهويات، ومع الهويات، ضع كل الأصوات الخاصة جدا. عمم، واضمن لمفهوم الاستيعاب كما طرحه «بريان باري» كامل إمكانات النجاح. يقف التعميم على أرض تسمى الوثوقية منها ينهل أسباب استمراريته، وعلى عُشبها يتغذّى كي يمارس القتل. التعميم مثقّفٌ عسكريٌّ، ماهر خبير بلغة البرمجة، فكلما تأملنا البرمجة العنيفة التي تقوم بها الثقافة التعميمية معرفة ودينا وقيما للإنسان، امتلأنا شفقة عليه، وأدركنا حجم الخطأ الكبير الذي ارتكبه وهو يقبل بالوعي ويضحي بالسكينة، السكينة التي تعيشها أشكال الوجود الأخرى التي اكتفت بوجودها كسؤال، كشوكة، كندم. لا يحقق الموت للأسف خلاصا من البرمجة، هو شاهد آخر على حالة التلف التي تصل إليها الكائنات البشرية من ضغط كثافة البرمجة. التعميم اليوم، ينظر بعيني دون كيشوت يرى ما يريده، يرى أوهاما ويُلبسها خطاب الحقيقة وكل صوت خلفي يرفض ويحتج بلسان سانشو، يتلقاه سدنة التعميم بكثير من الاستهجان، هم لا يعرفون أن سانشو لم يكن غبيا أو تابعا. سانشو من ذلك النوع من الناس الذي يقود دون أن يعتلي منصة أو يسبق جيشا. في حضن التعميم، هذه الآلة الديكتاتورية الشرسة نحتت الدولة كثيرا من الأصنام وعرضتها في سوق التداول الرمزي آلهة مقدسة يجري التنكيل بكل من يشكُّ في أصلها الحجري. صنعت الدولة الهويةَ في مختبرات تعرف كيف تشذب الحواف وقدمتها صنما، صنعت مفهومها للوحدة الوطنية وعرضته للاستهلاك بطريقة فجّة رخيصة وبصيغة إنشائية لا تتجاوز الحناجر. صنعت الدولة صنم الوطنية ولم تفكر يوما في أن تقدمه للتفكيك، للسبر، للسؤال الصادق المؤمن المحتسب. صنعت الدولةُ صنم مؤسسات لا تبرح أوراق تأسيسها ولا تتجاوز حدود الحِبر الذي به دُبِّجت مراسيم ولادتها. صنعت صنم إعلام رسمي مُقّعد يشتغل كخلفية بائسة لأي معلومة. واليوم، يجري صناعة صنم جديد للغة كي تكبر الحواجز وتتعسّر الصلة بالحياة ويكبل الناس بألسنتهم. هذا المسلك اختراع قديم جدا، وسخيف، والمغاربة يعرفون تفاصيله التي تقضي دائما بأن يتم تهويل أمرٍ ما، تقديمه باعتباره تهديدا للوطن، مساسا باستقرار المعاني المشتركة، زلزالا للثوابت حتى تصنع أرضية كافية لاستمالة الجماهير. الأهم والمقدس، هو الإنسان، الإنسان في تحولاته وفي تقلباته مع المعاني ومع الحياة، المقدس هو فرح الناس سعادتهم وإنسانيتهم العظيمة، لذلك، ينبغي للدولة أن تكف عن صناعة الأصنام وعن ثقافة التحنيط والدعاية للمومياء. سيتمرد المغاربة على كل تعميم مُجحفٍ وسيدافعون عن التفرُّد والفرادة وسيتذكرون في هذا السياق الكبير ميشيل فوكو الذي قال: كثيرون مثلي، يكتبون، بلا شك، كي لا يكون لهم وجه واحد بعينه. فلا تطلبوا مني أن أحدد من أنا؟ ولا تأمروني بأن أظل أنا هو باستمرار: فتلك أخلاق الحالة المدنية؛ وهي أخلاق تحكم أوراقنا وبطاقاتنا الإدارية، كبطاقة الهوية. فلتتركنا وشأننا أحرارا، حينما يتعلق الأمر بالكتابة.