قرر أن يبني صنما... قال لنفسه: أبنيه لأراه، وأراه لأخافه وأعبده... كان نحيلا وأسود البشرة، وكان يكره كل الحشرات لأنه يعتقدها أخطاء الطبيعة. يقول لأمه الصماء: كلما أخطأت الطبيعة طريقها، خرجت إلى الوجود حشرة مزعجة... يضحك كثيرا، ويتخيل شكل الحشرة التي كان يمكن أن يكونها، ويكاشف أصدقائه بفخر: كنت لأكون دعسوقة، أنا واثق من ذلك... يتركهم لتعليقاتهم، ويفكر هو في الصنم الذي عليه أن يبنيه كي يعبده... خمسون عاما وهو يفكر... وشعره يشيب تدريجيا، ويتساقط كأوراق الشجر... تقفز إلى ذهنه فكرة مفاجئة: سيكون صنمي شجرة... ولكنه يتمهل قليلا... لماذا قد يقدس المرء شجرة؟ أفكاره مشوشة، وهو يريد أن ينتهي من مهمته سريعا، كي يهب ما تبقى من العمر للعبادة... يهمس لنفسه: سأعترف لصنمي بكل شيء، وسأطلب منه أن يسامحني لأنني لم أكن عظيما أبدا، كما لم أكن جديرا بالمغفرة... أمه تذوي شيئا فشيئا. تتحرك بصعوبة وتتحدث عن الماضي دائما. سألته ذات مرة عن سعيدة. ارتعش قلبه وتسلل ليشاهد المطر خارجا... ألقت عليه الجارة التحية، وشاهد أطفالا يلعبون الكرة بوحشية بريئة... قال لنفسه: علي أن أبني صنمي بلبنات مقدسة. وانحنى لتمر الكرة فوق رأسه، ثم هاجمته فكرة أخرى: اللبنات ستصبح مقدسة حين ستصنع صنما... النهار يمتد كبقعة زيت قذرة، وهو يجوب الشوارع ويفكر بالأشياء التي لم يفعلها ولن يفعلها، وبمحفظة نقود رآها على الأرض منذ عشرين عام، ولكنه خاف أن يلتقطها... يعاتب عقله المليء بالشكوك: كان يمكن أن تحوي شيئا مهما... ولكنه لا يحدد أبدا شكل هذا الشيء؛ يحيطه فقط بالكثير من الغموض والسرية المحببة... يتخيله في كثير من الليالي، ويحكي عنه لأمه التي تحدثه عن قط أسود قتلته في طفولتها... تناجي الله بصوت مفزع: سامحني يا إلهي... لقد كنت صغيرة، وظنته شيطانا... تصف كيف شجت رأسه بحجر، وتلتفت إلى ابنها لتضيف بمرح: رأسه والحجر كانا من الحجم نفسه... ألا تجد هذا غريبا؟ يفكر هو أن يجيبها: الأغرب هو أنني لم أستطع التقاط المحفظة... لكنه يتذكر أنها صماء، فيبتسم لها ابتسامة جاهزة، ويقترب من النافذة الكبيرة ليشاهد العالم، ولينسى صنمه...