«نحن لا نأكل الخرفان مع الذئب ونبكي مع السارح».. هكذا رد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أمس على المعارضة التي لم تر في حصيلة نصف ولاية حكومته أي نقطة ضوء، واتهمته بأنه يبتز الدولة عندما يلوح بورقة الاستقرار الذي تحقق بعد مجيء الحكومة، واتهمته بأنه يخلط بين حصيلة الحكومة وحصيلة عمل الملك، واتهمته بأنه أفقر المغاربة وتقاعس عن محاربة الفساد، وتخصص في الزيادة في الأسعار، بل وصلت الشعبوية بحميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، إلى اتهام بنكيران بربط علاقات بداعش والنصرة والموساد الإسرائيلي... ولا أعرف كيف يستطيع رئيس حكومة أن يجمع بين هذه المتناقضات، لكن شباط استطاع أن يفعل ذلك بخفة دم يحسد عليها... ابتعاد جل خطابات المعارضة عن الطابع العقلاني والموضوعي، وعجز أحزابها عن اقتراح بدائل أخرى لحل مشاكل البلاد غير تلك التي تتبناها الحكومة، سهل على بنكيران الرد عليها، وهو الذي يتقن فن البوليميك وتقطار الشمع. فعندما يلومه إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، على عدم انسجام الفريق الحكومي، يرد عليه بنكيران بالقول إن الانسجام موجود في حكومة مشكلة من عدة أحزاب أكبر من الانسجام الغائب داخل بعض الأحزاب الغارقة في الصراعات والمشاكل. وعندما يستكثر عليه بنشماش الدور الذي لعبه أدولفو سواريس في إسبانيا ومساهمته في انتقالها الديمقراطي، يرد عليه بنكيران بالقول: «وعلاش حكرتيني. إذا أراد الله سأكون مثل سواريس وأكثر، وسأبقى وحزبي مدة طويلة في الحكومة أكثر مما تتوقعونه». أما حميد شباط، فإنه كان الموضوع الرئيس لقفشات رئيس الحكومة، حيث لمح إليه أكثر من مرة في موضوع الاستيلاء على الأراضي والوعود التي أعطاها للناخبين بجلب البحر إلى فاس وتشييد «لاتورفيل»... الخلاصة أن البرلمان أضاع لحظة سياسية ودستورية وبيداغوجية، وكان من المنتظر أن تشهد قبته نقاشا عميقا حول الحصيلة المؤقتة للحكومة، وأن يخرج الرأي العام بصورة أوضح عما تحقق وما لم يتحقق، لكن هذا هو واقع النخبة السياسية والحزبية في بلادنا.. الله غالب. السيد بنكيران.. صحيح أنك لم تأكل الخراف المغدورة مع الذئب إلى الآن، لكنك تقضي الكثير من الوقت في البكاء مع السارح.. والبكاء لا يفيد كما تعلم. كان الأولى أن تحمل عصاك وتهش على الذئب، وأن تطرده من حظيرة الغنم، أو أن تمنعه من الاقتراب منها. لنضرب مثلا بالتلفزيون الذي اعترف بنكيران بأنه لم يتغير في عهد هذه الحكومة، وحكى للمغاربة قصة آخر مكالمة له مع «إمبراطور هذا التلفزيون»، فيصل العرايشي، الذي اتصل به رئيس الحكومة وقال له: «كيف تترك مظاهرة الرباط للتضامن مع عزة دون تغطية ونقل مباشر، وتستمر في إذاعة الأفلام الرديئة والأغاني البايخة؟». لم يقل لنا رئيس الحكومة بماذا رد عليه العرايشي، لكن بنكيران بعث إلينا رسالة تقول إنه لا حول ولا قوة له إزاء هذا الموظف (intouchable)، وإن إصلاح التلفزة صعب. بمعنى أن بنكيران يفضل البكاء مع السارح، عوض أخذ العصا والشروع في إقالة المسؤولين عن نكبة التلفزة... يقول بنكيران إن الحكومات السابقة عجزت عن ذلك، هذا صحيح، لكن الحكومات السابقة لم يكن بيدها دستور يعطي رئيس الحكومة صلاحيات واسعة، ولم تأت على ظهر الربيع العربي... وعلى كل حال، فإن تجاربها الفاشلة لا يمكن أن تكون قدوة لأي حكومة اليوم أو غدا.