مع حلول كل فصل شتاء، يعود الجدل من جديد إلى حوامل منطقة إملشيل بقمم جبال الأطلس المتوسط، اللواتي جابت صورهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي العالم شتاء عام 2017، لتظهر معاناتهن مع وضع أجنتهن في ظروف مناخية صعبة، تسببت في وفيات عديدة في صفوف الأمهات والأطفال، حيث عادت مجددا هذه المأساة عقب وفاة امرأة منتصف الأسبوع الأخير بمنطقة أولغازي آيت عبدي، بعدما فاجأها المخاض وقريتها معزولة ومحاصرة بالثلوج. وفي هذا السياق، قال محمد حبابو، الفاعل الجمعوي والحقوقي بمنطقة إملشيل، في تصريح خص به "أخبار اليوم"، إن شتاء هذه السنة سجل حتى الآن ارتفاعا ملحوظا في عدد وفيات النساء الحوامل والرضع، حيث فقدت المنطقة في أقل من أسبوع امرأة حاملا ورضيعين فجعت بهلاكهم ثلاث عائلات دفعة واحدة، والسبب، يوضح الفاعل الجمعوي، يعزى إلى نفس السيناريو؛ محاصرة الثلوج والفيضانات خلال فصل الشتاء لجل مناطق إملشيل، حيث تغلق المسالك الترابية الوعرة في وجه كل وسائل النقل من سيارات ودواب، وهو ما يتسبب في تكرار مأساة النساء الحوامل وأجنتهن. وزاد محمد حبابو بأن استمرار نزيف موت الحوامل والرضع، عجل بإطلاق سكان منطقة إملشيل، بتنسيق مع جمعيات مدنية بإقليم ميدلت، حملة تضامن على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على شاكلة الحملة الأولى التي أطلقت شتاء 2016، اختار لها منظموها شعار "كلنا حوامل إملشيل.. أوقفوا النزيف"، حيث طالب المتضامنون الحكومة ووزيرها في الصحة، وكذا السلطات العمومية بقطبيها بولاية جهة "درعة- تافيلالت"، وعمالة إقليم ميدلت، بتجهيز المراكز الصحية بالمنطقة بالمعدات الطبية اللازمة، وتعيين طبيبات مولدات لإنقاذ حياة الحوامل والرضع خلال عزل الثلوج والفيضانات لمناطقهم، فيما انتقد أصحاب الحملة التضامنية وجود طبيبة واحدة تخصص طب عام بالمركز الصحي الرئيسي بجماعة املشيل، والذي يتردد عليه أزيد من 35 ألف نسمة من سكان المنطقة، يُعلق محمد حبابو الفاعل الجمعوي والحقوقي بإملشيل، وذلك عقب مغادرة طبيبة ثانية للمركز بعد حصولها على موافقة مندوبية الصحة بإجراء تبديل مع زميل لها بالمستشفى الإقليمي بمدينة ميدلت، لكن الطبيبة غادرت المنطقة والطبيب الذي يخلفها لم يلتحق بعد بعمله. من جهته، دخل "الائتلاف المدني من أجل الجبل"، والذي يوجد مقره بمدينة بولمان، على خط معاناة حوامل ورضع منطقة إملشيل، حيث أصدرت السكريتارية الوطنية للإتلاف، أول أمس السبت، بيانا توصلت "أخبار اليوم" بنسخة منه، إذ توقف عند حجم معاناة سكان المناطق الجبلية، والتي عرفت منذ مطلع العام الحالي، كما جاء في البيان، ظروفا مناخية قاسية وتساقطات ثلجية كثيفة نتج عنها انقطاع الطرقات والمسالك، وانخفاض في درجة الحرارة إلى مستوياتها الدنيا، فيما يقابل المعطيات المناخية القاسية ضعف في البنيات التحتية والخدمات الأساسية الضامنة لأبسط شروط العيش الكريم لساكنة الجبل. وقال محمد الديش، المنسق الوطني للائتلاف المدني من أجل الجبل"، إن اجتماع السكريتارية الوطنية للائتلاف، والذي خصص لمناقشة استمرار نزيف موت الحوامل والرضع بإقليم ميدلت الجبلي، وخاصة بمنطقة إملشيل التي عرفت وفاة امرأتين، الأولى حامل والثانية شابة مصابة بمرض السكري، كما سجلت منطقة تونفيت ضواحي مدينة ميدلت وفاة جنين في شهره السادس بالمستشفى الإقليمي بعد عملية قيصرية أجريت لامرأة حامل، تم نقلها في ظروف مناخية صعبة من جماعة أكديم الى دار الأمومة بتونفيت، ثم بعد ذلك إلى المستشفى الإقليمي لميدلت، وهو ما رد عليه الائتلاف، يردف منسقه الوطني، بإعلان رفضه لما سماه البيان "التعامل الإحساني والظرفي الذي تنهجه الدولة في معالجة أوضاع ساكنة المناطق الجبلية، والتي باتت تطالب باعتماد سياسة عمومية منصفة وعادلة، تراعي الخصوصيات المجالية والترابية وفقا لمقاربة شاملة للتنمية. وحمل الائتلاف الدولة في شخص حكومتها، مسؤولية حفظ الصحة العامة للمواطنين والمواطنات بالمناطق الجبلية، كما طالبها بإعادة النظر في الخريطة الصحية التي أفرزت، بحسب بيان الائتلاف، واقعا صحيا مختلا بالمناطق الجبلية، وما صاحبه من تداعيات وانعكاسات سلبية أفقدت ساكنة المناطق الجبلية الأمن الصحي، وحرمتهم من الولوج للخدمات الصحية ومن حقهم المقدس في الحياة؛ فيما انتقد الائتلاف بشدة غياب برامج مندمجة تعنى بالأمومة والطفولة خلال جميع فصول السنة وصعابها، وإنهاء ما وصفه البيان "بالحملات الإشهارية التي تقوم على تدخلات استعراضية تجند لها الحكومة الطواقم الطبية والمصورون والآليات بغرض الاستهلاك الإعلامي"، على حد تعبير الائتلاف. من جانبها، ردت مصالح وزارة الصحة بمندوبيتها الإقليمية بميدلت، على الانتقادات الموجهة لها بخصوص معاناة حوامل المناطق الجبلية ومرضى هذه المناطق موازاة مع صعاب فصل الشتاء من كل سنة، بعقد اللقاءات الدورية مع "المتطوعين الجماعاتيين للصحة"، حيث كانت البداية يوم الجمعة الأخير بالمركز الصحي القروي من المستوى الثاني بإملشيل، والذي احتضن، بحسب ما أوردته مندوبية الصحة بميدلت على صفحتها الرسمية "بالفايسبوك"، لقاء تواصليا تحسيسيا بالتنسيق مع السلطات المحلية وجمعيات المجتمع المدني بالمنطقة، كان موضوعها تتبع الحمل والولادة بالمراكز الصحية، وحث النساء الحوامل على زيارة هذه المراكز على الأقل أربع مرات لمراقبة تطور حملهن والكشف المبكر عن أي مضاعفات. وقدم المشرفون على هذا اللقاء التحسيسي عرضا حول أهمية إحصاء النساء الحوامل المقبلات على الوضع، وضرورة حثهن على التوجه إلى دور الأمومة خلال فترات الاضطرابات الجوية التي قد تؤدي إلى انقطاع المسالك الطرقية، وذلك قصد الولادة في ظروف آمنة ومحروسة، وتفاديهن لمخاطر الولادة بالطرق التقليدية، كما حصل مع المرأة الحامل بمنطقة أولغازي آيت عبدي بإملشيل، التي لجأت إلى وضع جنينها بطريقة تقليدية بمساعدة إحدى نساء الدوار، ما تسبب لها في إبقاء المشيمة داخل الرحم بعد خروج الجنين نتج عنه نزيف دموي حاد مع انخفاض في الضغط الدموي للأم، ما تسبب في وفاتها رغم نقلها إلى المستشفى الإقليمي بميدلت. وبخصوص تتبعها للحالة الصحية للرحل وسكان المناطق الجبلية، أفادت المندوبية الإقليمية للصحة بميدلت أنها نظمت، منذ بداية الأسبوع الأخير، حملة طبية لفائدة رحل سيدي عياد بجماعة ميبلادن، والتي يعيش سكانها ظروفا جد صعبة في فترة تساقط الثلوج مع برودة قاسية، حيث استفاد 133 شخصا، من بينهم 62 طفلا، من الخدمات الصحية لقافلة طبية تندرج في إطار المخطط الإقليمي لمواجهة آثار موجة البرد على الساكنة، وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين، همت تلقيح الأطفال، وفحص التلاميذ ضمن برنامج الصحة المدرسية، إضافة لكشف وتتبع الأمراض المزمنة للرحل، وتنظيم الأسرة وتتبع الحمل، كما استفاد سكان هذه المنطقة الجبلية من عمليات الكشف عن فيروس كورونا (Test Antigénique).