باهتمام وترقب غير مسبوقين في تاريخ البشرية، يستعد العالم هذا الأسبوع لتوديع رئيس أمريكي واستقبال آخر، في سياق الاستنفار والتعبئة الأمنيين اللذين تشهدهما العاصمة الأمريكيةواشنطن، تحسبا لردود الفعل العنيفة المحتملة من جانب أنصار الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، الذي يوقّع على أسوأ خروج لرئيس أمريكي من البيت الأبيض، حيث بات، وهو مازال يحمل صفة الرئيس، شخصا شبه منبوذ، بسلطات مجمّدة فعليا، رد فعل من جانب المؤسسات التي لم ولن تسامحه بعد هجوم أنصاره على مقر الكونغرس، وجل مواقع الشبكات الاجتماعية، التي أسسها شباب في عمر أحفاده، قد فرضت عليه الحظر كأي مراهق طائش لا يحترم قواعد الاستخدام. وفي الوقت الذي يشكّل المغرب الاستثناء شبه الوحيد بين دول المعمور، حيث يحافظ على أجندة احتفالية مع ترامب وإدارته، يوالي خليفة هذا الأخير، الديمقراطي جو بايدن، ترتيباته لمرحلة ما بعد هذا الأسبوع. وعلى رأس هذه الترتيبات، يوجد تعيين مسؤولي الإدارة الأمريكيةالجديدة، التي سجّل المراقبون سماتها العامة الأولية، والمتمثلة في عودة شبه كاملة لإدارة باراك أوباما، من خلال تعيين عدد من الرجال والنساء الذين اشتغلوا إلى جانب الرئيس الديمقراطي السابق، ثم عودة ما يصفه البعض ب«الحرس القديم» من وجوه محسوبة على النخبة السياسية والإدارية التقليدية في واشنطن، فيما تتمثل سمة ثالثة في لمسة من التغيير والتطعيم، من خلال تعيين عدد أكبر من النساء والرجال المنحدرين من أصول غير «بيضاء» وممثلين لبعض الأقليات والفئات المهمشة. ورغم أننا مازلنا منشغلين بتوثيق عرى صداقتنا حديثة العهد مع ترامب، لا بأس من إلقاء نظرة خاطفة على أبرز الوجوه التي ستحكم أمريكا في السنوات الأربع المقبلة: كامالا هاريس: نائبة الرئيس الأمريكي الجديد والشخصية التي تحمل ما يمكن أن يسجّل كنقص في شخصية بايدن. ففي الوقت الذي شغل هذا الأخير منصب نائب الرئيس مع باراك أوباما ليكون عنصر طمأنة للإنسان الأمريكي الأبيض، تحقق هاريس التوازن نفسه بطريقة معكوسة، حيث تمثل العنصر الإفريقي والأمريكو-لاتيني في الوقت نفسه، فأمها هندية ووالدها جمايكي من أصول إفريقية. سوف تكون هاريس الشخصية الأولى في ترتيب «خلافة» الرئيس في حال وفاته أو عجزه، وهي معروفة بمواقفها الشخصية والمعنية، بصفتها محامية، بالانتصار للحقوق والحريات. ورغم خبرتها القصيرة في السياسة، فإن الإمكانات التي توفرها الإدارة الأمريكية لنائبة الرئيس، ستسمح بها بوضع بصمتها على السياسات والقرارات المقبلة. نانسي بيلوسي: هي الشخصية القوية داخل دائرة صنع القرارات الرسمية دون منازع. انتخبت قبل أيام رئيسة لمجلس النواب لولاية رابعة على التوالي، فيما تقود الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي منذ 2003. برزت بقوة في عهد ولاية دونالد ترامب، لما أبانت عنه من شراسة في مواجهته، وآخر ضرباتها الموجهة إليه هي قرار محاكمته للمرة الثانية بسبب هجوم أنصاره على مقر الكونغرس. وضعها سوف يصبح أقوى مع صعود بايدن إلى رئاسة الجمهورية، كما أن عددا من التعيينات التي قام بها هذا الأخير كانت من صفوف فريقها النيابي، أي أن لها أذرعا داخل الإدارة. ومما لا شك فيه، أنها لن تنظر بعين الرضا إلى اتصالات المغرب الأخيرة بخصمها اللدود، وليس مستبعدا أن تستحضر ذلك في ما يرتبط بالمصالح المغربية، مع العلم أنها في السنة الماضية أحالت مشروع ميزانية فصل الصحراء المغربية عن التراب المشمول بمخصصات الدعم الأمريكية الموجهة للمغرب، قبل أن تتصدى إدارة ترامب ومجلس الشيوخ لذلك المقترح. لويد أوستن: يميل الكثير من المدافعين عن السياسات المغربية تجاه أمريكا إلى الدفع بأن علاقات المملكة لواشنطن تمرّ عبر الدولة العميقة، خاصة إدارة البنتاغون، وبالتالي، تبقى في منأى عن التقلبات السياسية. لكن الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، اختار شخصا يجسّد رغبة في التغيير ليكون وزيرا جديدا للدفاع، وهو الجنرال المتقاعد لويد أوستن. هذا الأخير وفي حال ثبته مجلس الشيوخ في هذا المنصب، سيكون أول أمريكي من أصول إفريقية يتولى هذا المنصب، ولا يستبعد المتخصصون، مثل مجلة «فورين بوليسي»، أن يدخل تغييرات على الاختيارات العسكرية الأمريكية، حيث كان، مثلا، معارضا للتدخل العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة المغرب في اليمن لمحاربة الحوثيين. فأوستن يتقاسم مع بايدن خيارا أساسيا، هو إعطاء الأولوية للدبلوماسية بدل الجيش في تدبير المصالح الأمريكية في المنطقة العربية. وحين نقول الدبلوماسية في إدارة ديمقراطية، فإننا نعني بالضرورة استخدام أوراق حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية... أنتوني بلينكن: سيجسد هذا النائب السابق لوزير الخارجية في عهد باراك أوباما عودة إدارة هذا الأخير إلى السلطة بعد السنوات الأربع التي قضاها ترامب في البيت الأبيض. ويرتقب أن يعيد بلينكن إحياء بعض الاختيارات التقليدية في السياسة الخارجية الأمريكية، أي إعادة الاعتبار للعمل الدبلوماسي، والحفاظ على الموقع المعنوي لأمريكا راعية للأمن والاستقرار في العالم، وإعادة توثيق العلاقات مع الحلفاء التقليديين، خاصة في أوربا. وسيُعَبَّر عن عودة السياسة الخارجية الأمريكية إلى سابق عهدها، في اليوم الأول لتنصيب بايدن، بالتوقيع على قرارات رمزية، مثل العودة إلى اتفاق باريس حول المناخ، وإلغاء الحظر المفروض على سفر مواطني بعض الدول الإسلامية إلى أمريكا... بريت ماكغورك: اختاره الرئيس الأمريكي الجديد ليكون مشرفا على السياسات الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك ضمن مجلس الأمن القومي. المهمة الأبرز في مسار هذا الرجل كانت هي منصب موفد رئاسي للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش. وفي الوقت الذي سارع المراقبون إلى ربط هذا التعيين بتوجه إدارة بايدن نحو تقليم أظافر تركيا، قد يكون ماكغورك ورقة إيجابية بالنسبة إلى المغرب، نظرا إلى المشاركة الفاعلة للمملكة في التحالف الدولي ضد داعش. سوزان رايس والآخرون: ستعرف إدارة الرئيس الأمريكي عودة بعض الوجوه البارزة للإدارة الديمقراطية لباراك أوباما، والتي كانت للمغرب تجارب مريرة معها، وعلى رأسها سوزان رايس، التي كانت تتولى مهمة سفيرة بلادها لدى الأممالمتحدة، وكانت وراء تقديم بعض مشاريع القرارات حول الصحراء، والتي كان لها وقع مزلزل في الرباط، على رأسها مشروع قرار توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء، للعام 2013. رايس التي تثير تحفظات كبيرة من جانب الجمهوريين، ستلتحق بفريق بايدن مستشارة للسياسات الداخلية، وهي مجرد تخريجة لضمان التحاقها بفريق الرئيس الأمريكي الجديد، حيث إن هذا المنصب لا يتطلب مصادقة مجلس الشيوخ، فيما يرجّح جل المراقبين أن يكون مجال اشتغالها الحقيقي هو السياسة الخارجية. وعلى شاكلة رايس، يرتقب أن تضم إدارة بايدن عددا من الوجوه الديمقراطية التي لن تستسلم، بالضرورة، لخطاب العلاقات الاستراتيجية والمنفصلة عن التقلبات السياسية مع المغرب.