ترجمة: توفيق سليماني الرواية الجديدة للكاتب اللبناني، أمين معلوف، ليست مجرد رواية، بل هي تحذير لنا جميعا؛ إننا نسير في الاتجاه الخطأ. وفي ظل هذه الخلفيات مثل البنية الأخلاقية لألبرت كامو، والمستنقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي، وانهيار النظام العالمي الذي كان سائدا من قبل، تعكس رواية «إخواننا غير المرتقبين» واقعا مريرا يجسد الأزمات التي تعصف بالعالم. في الحقيقة، نحن أمام صرخة إنذار، لكنها، في الوقت نفسه، صرخة أمل. يعتقد معلوف أن العالم يحتاج إلى معجزة ليعود «صالحا للعيش». يخلص الكاتب إلى أننا في خطر. – كيف استطعت ممارسة هذا التكهن الأدبي؟ + كتبتُ الرواية قبل الأزمة الأخيرة، وفي الحقيقة تساءلت إن كان من الأفضل نشرها الآن أو انتظار مزيد من الوقت. بعدها بدا لي أن الوقت مناسب لكي أقول الأشياء التي كنت أود طرحها. نعم، أنه عمل يجمع بين الحنين واليوتوبيا. لقد تأملت العالم في العقود الأخيرة، وكتبت بعض الكتب التي تصف كيف تسير الأمور بشكل سيئ، مثل كتب: «هوايات قاتلة»، «اختلال العالم»، و«غرق الحضارات». لدي إحساس، وهو إحساس قوي، بأننا نسير في الاتجاه الخطأ والسيئ. وبما أننا نسير في هذا الاتجاه، فإننا سننتهي إلى أسوأ الوضعيات. في الحقيقة، يجب أن نتخيل مجتمعا مختلفا. لقد اخترت هذه الحقبة التاريخية، ازدهار أثينا، لأنها بدت لي الحقبة التي كانت فيها الإنسانية في مهدها (بدايتها)، ولم تكن تجر وراءها معرفة كثيرة. وفجأة، في غضون جيلين أو ثلاثة، حدث شيء أظهر أن النوع البشري يمكن أن ينتج شيئا غير متوقع. ومن هنالك جاء عنوان الرواية. طبعا، إنه تمثيل روائي، والذي لن يتخذ الشكل الوصفي في هذا العمل الإبداعي، لكن بعد كل هذه الكتب كنت في حاجة إلى القول إن هناك أملا، وربما في يوم من الأيام سينبلج شيء مختلف. – تعيش شخصيات الراوية في عزلة بجزيرة نائية أطلسية تحولت إلى مركز للعالم. من المستحيل قراءة الرواية دون التفكير في الجائحة. + أي شخص يمكن أن يخرج ويتعرض لحادث في يوم ما. نخرج من البيت، ويمكن أن نتعرض لانزلاق، وقد نسقط، وقد نصاب بكسر. وهذا قد يدخلنا المستشفى عدة شهور أو سنوات. ما لا يحدث على الإطلاق هو أن تتعرض الإنسانية جمعاء لحادث مؤسف. وفي أزمة الجائحة عانى العالم برمته الحادث نفسه. لم يسبق أن حدث هذا في السابق، ولم يكن ليحدث، لأنه لم يسبق قط أن كنا مترابطين كما نحن عليه اليوم. إنها المرة الأولى التي وجدنا فيها أنفسنا مجبرين على مواجهة المشكل نفسه، ونحن نشعر بالضعف الشديد. تجدر الإشارة إلى أن فيروس كورونا في حد ذاته أقل فتكا من إيبولا أو أنفلونزا 1918. لكن، فجأة، شُلَّ العالم. إن الطرق التي نواجه بها هذا التحدي تبقى مختلفة، لكننا في الوقت نفسه نواجه المصير ذاته. ما قد يحدث في مقاطعة صينية سيحدث في ميلانو وفي نيويورك، وفي كل المناطق. ورغم ذلك نحن لسنا متحدين، بما في ذلك الأوربيون في ما بينهم، وكذلك أبناء البلد الواحد أنفسهم. في الواقع، الرواية استعارة لما يحدث لنا في أرض الواقع. أؤكد أن الراوية كتبتها قبل كل هذا (يقصد الأزمة الصحية)، لأن الانتكاسات التي نواجهها كانت موجودة أصلا، مثل مشاكل عدم القدرة على العمل معا، وعدم القدرة على بناء المستقبل معا. إنها مشاكل منتشرة على نطاق كوني، بما في ذلك في المناطق التي كانت قد شرعت معا في التحضير للمستقبل. أوربا معطلة؛ كل النظام العلمي اختفى. – وإلى أين نسير؟ + نحن نخبط خبط عشواء، في اتجاه أي صراع؛ حرب باردة جديدة، أو لن تكون بالضرورة باردة. لقد فقدنا البوصلة، ويمكن أن نسير في أي اتجاه، ومما زاد الطين بلة أنه ليست لدينا الوسائل لمنع ذلك. يمكن أن يأتينا إنذار نووي، أو أنواع أخرى من الإنذارات. يمكن أن يتوقف عالمنا هذا بقرار شخصي أو بشكل تلقائي. يمكن أن يتوقف كل شيء، فيما نحن نتساءل إلى أين نسير. هذا الكتاب/الرواية هو نتيجة قلقي على العالم، كما جسدته في أعمالي السابقة، وفي الوقت نفسه وددت التشبث بأمل أننا سنكون قادرين على إنتاج شيء يمنع كارثة شاملة. – يتزعم الإخوان غير المتوقعين التغيير في الرواية أمام ذهول هاوراد ميليتون (الرئيس الأمريكي المتخيل). يبدو أنك كنت تفكر في ترامب؟ + لا، لا (يضحك) هؤلاء الإخوان غير المتوقعين يؤكدون أننا في حاجة إلى نوع من المعجزة، لكن بدل تخيل معجزة يعرف الله وحده من أين ستأتي، حاولت تخيل معجزة وقعت في تاريخ الإنسانية، في القديم، عندما أنتجنا شيئا غير متوقع. ولدي أمل أن تتكرر تلك المعجزة يوما ما. وبخصوص الولاياتالمتحدةالأمريكية، ليس سرا أن الحياة السياسية في هذا البلد كانت تثيرني. – يبدو الكتاب محاولة لقول كفى لهذا العالم المليء بالحرائق؟ + إلى حد ما، نعم. لقد قرر الراوي ترك حياته السابقة وراءه والانتقال للعيش في جزيرة، وتأمل العالم انطلاقا منها وبهدوء، لكن هناك لحظة يتداعى فيها هذا الهدوء، إلى درجة أن الجزيرة التي كان يوجد فيها تأثرت بتداعيات ما يجري في العالم. وطبعا، شخصيا يراودني إغراء اللجوء إلى جزيرة من أجل محاولة فهم ما يجري في باقي مناطق العالم، لكنها لا يكمن أن تكون هادئة عندما يكون الكون يغلي وفي حالة فوران. التبصر وحده لا يكفي، وأحيانا يأتي عليك حِين من الوقت تود فيه أن ترفع عقيرتك صارخا: «أوقفوا هذا الجنون». تتملكك رغبة الصراخ في وجه ربان سفينة التيتانيك وأن تقول له: «قف، لا نتجه إلى جبل الجليد!». ربما الرواية صرخة لقول: «كفى، توقفوا»، ولتخيل أن شيئا آخر يبقى ممكنا. – ربما تحولت إلى رجل متمرد؟ + أنا متمرد كليا. أعتقد أن هناك أسبابا عدة تجعلنا متمردين أكثر من زمن ألبرت كامو، لأن العالم فقد اليوم البوصلة. إننا نصطدم بالحائط. نحن في حاجة إلى معجزة لكي يعود العالم مكانا صالحا للعيش. عن إلباييس