وصلتني رسالة من قارئ كريم يعلق فيها على القصة التي نشرتها في حسابي الفيسبوكي، تحكي الجانب الإنساني، من حياة الأسطورة مارادونا، وقربه من الفقراء. أنشرها كاملة: "تحية طيبة وبعد: أخبركم بداية أنني من قرائك الأوفياء. ترددت كثيرا في كتابة هذه الرسالة، لكن حين قرأت قصة مارادونا، التي تحكي فيها، أنه أحسن إلى امرأة مغربية لإجراء عملية على القلب، ومنحها الملايين. قرّرت أن أقول رأيي في أسلوبك، الذي تكتب به، وخاصة، أن القصة، انتشرت على نطاق واسع، في وسائل الاتصال الاجتماعي. أعرف من طول متابعتي لك، أنك ترخي العنان لخيالك، ولا تهمك القصة، بقدر ما تهمك الفكرة التي تحملها. من خلال قراءتي لقصتك مع مارادونا، فهي واضحة للأعمى أنها متخيلة، فضلا عن القارئ المتبصر. ولو لم أكن من قرائك، ولا معرفة لي بك، سأطرح مجموعة من الأسئلة، للتأكد من صحتها: من هو راوي القصة؟ ما علاقته بالعمل الجمعوي الخيري؟ للإجابة عن هذين السؤالين، يمكن أن أتجول في حسابك الفيسبوكي، وستظهر لي اهتماماتك، وأفتش لك عن صورة مع مارادونا، فلا وجود لشخص التقى الأسطورة، ولم يأخذ صورة معه، ثم يعلم الدنيا بهذا اللقاء. أواصل طرح الأسئلة: متى وقعت القصة؟ ولماذا جرى الإعلان عنها الآن؟ وهل يمكن أن يظل هذا العمل الإحساني سريا طيلة سنوات؟ ولو تم حقا، هل يمكن للصحافة ألا تعلمه، وهي التي تفتش عن أدق أخبار مارادونا؟ ومن هي هذه المرأة، التي تسلمت هذه المساعدة؟ وهل يمكن لمارادونا، أن يسلم هذا المال الكثير، في لقاء عابر بهذه السهولة؟ وهل يمكن لفريقه المرافق له، أن يسمحوا لأحد، بأن يحرجه، ويطلب منه هذا المبلغ الكبير؟ لو لم أكن أعرفك، فعقلي لا يسمح لي، بأن أروج قصة غير حقيقية، وإن نشرتها، سأبين للناس أنها متخيلة، وتحمل فكرة نبيلة. لا يمكن أن ألوم خيالك، أكتب ما تشاء. أريدك فقط، أن تتأمل في مستويات التلقي لدى القراء. لا أخفيك، أصاب بصدمة كبيرة، حين أرى قصصك منشورة في صحف ورقية، أو مواقع إلكترونية. لازلت أتذكر، يوم نشرت جريدة آخر الساعة لمؤسسها إلياس العماري، قصة متخيلة، حولها الصحافي إلى خبر، نُشِر في الصفحة الأولى، يتحدث عن نقدك لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، والعلاقة التنظيمية التي كانت تجمع بينكما في المرحلة الطلابية، في إحدى المخيمات. إذا فكر الصحافي قليلا، سيعرف أنها قصة متخيلة، لأن تفاوت السن بينك وبين العثماني واضح، فكيف يكون العثماني من أقرانك؟! كان غرض الجريدة هو التشويش على العثماني. وهذا الذي فاجأني أيضا، مع قصة مارادونا، موقع إلكتروني مشهور، لا داعي لذكر اسمه، ينشر خبر إنقاذ مارادونا لامرأة مغربية من الموت، ثم يبدع في الخيال، ويهاجم الملتحين، بمنطق "سقطت الطائرة". نشرت الكثير من المواقع الإلكترونية القصة باعتبارها حدثا حقيقيا، وهذا يدل دلالة واضحة، على مستوى المهنية الذي يتحلى به هؤلاء الكتبة، الذين لم يستعملوا أبسط أبجديات التحقق من الأخبار. هذا ينذر بالرعب، ابتكر قصصا مثيرة، تجلب الزوار، وستتلقفها هذه المواقع. ولك أن تتخيل، كيف سيكون الوضع، إن كانت هذه القصص تتضمن تصفية حسابات سياسية، والجميل أن قصصك لا تؤذي أحدا. إذا كان هذا حال ما يسمى بالصحافيين، بالله عليك، كيف سيكون حال مدمني وسائل التواصل الاجتماعي، الذين لا يمتلكون أدنى مهارات التثبت من الأخبار، يتصرفون كأطفال يستمتعون بما يثير عواطفهم، دون أن يُحكِّموا عقولهم. أعرف مقاصدك الطيبة، وفهمت رسالتك من قصة مارادونا. رأيتَ الناس يتجادلون حول الترحم عليه، واخترت أن تعبر عن وجهة نظرك بقصة متخيلة، تبين فيها، أن مسألة الترحم، ترتبط بمدى قرب الميت من المُترحِّم، فقد يكون الميت مسلما، لكن الناس لا يترحمون عليه، لأنهم لا يعرفونه، ولا اهتمام لهم، بما كان الميت منشغلا به في حياته، وقد يكون الميت مسيحيا، لكن تجد الملايين من المسلمين، كانوا يتابعونه، وارتبطوا به وجدانيا، فإذا مات عاشوا حزنا عميقا. ولذلك، اخترعت قصة المرأة، التي دَعَتْ لمارادونا بالجنة، ولو اختلف معها في الدين، لأنه أحسن إليها. اعذرني، لو قلت لك، إنك تخاطب شعبا فيسبوكيا كسولا، لا يمكن له أن يقوم بهذا التحليل، فهو يقرأ الظاهر فقط. قصة مارادونا خلقت فتنة كبيرة، لأن الكثيرين من ذوي الشواهد العليا نشروها، وصدقوها دون أن يبذلوا جهدا بسيطا لمعرفة حقيقتها. أرجوك ابتعد عن هذا الأسلوب، ولك واسع النظر. تحياتي". أحترم وجهة نظرك، وأحيي كل من تفاعل مع قصتي سلبا أو إيجابا، اعتبرها خيالية أو حقيقية. ولا يمكن لي، أن أستخف بعقول القراء، فليفهموا ما شاؤوا، ولا يمكن أن أكون وصيا عليهم، قال الأديب المصري توفيق الحكيم: "أريد من قارئي أن يكون مكملا لي، لا مؤمنا بي، ينهض ليبحث معي، ولا يكتفي بأن يتلقى عني، إن مهمتي هي في تحريك الرؤوس، الكاتب مفتاح للذهن، يعين الناس على اكتشاف الحقائق والمعارف بأنفسهم لأنفسهم".