«قيادة جبهة البوليساريو تدعو أُنَاسَهَا إلى الحرب. لكن لا يخفى على أحد أنها دعوة يائسة محكومة بالفشل»، هذه الخلاصة المحكمة ليست لمصدر رسمي مغربي أو باحث أو مركز مغربي، بل صادرة عن المعهد الملكي الإسباني للدراسات الدولية والاستراتيجية المعروف اختصارا ب«الكانوا»، في تحليل له للتطورات التي تعرفها قضية الصحراء المغربية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تحرير القوات المسلحة الملكية معبر الكركرات، يوم 13 نونبر المنصرم، من مجموعة من الانفصاليين المسلحين والمدنيين الذين كانوا قد أغلقوه ما بين 21 أكتوبر الماضي و13 نونبر المنصرم، مانعين حركة السير المدنية والتجارية صوب موريتانيا ودول غرب إفريقيا. في هذا الصدد، يؤكد تقرير المعهد الملكي الإسباني أن المغرب كسب الرهان العسكري والسياسي والدبلوماسي والدولي في ملف نزاع الصحراء المفتعل منذ ما يزيد على 45 عاما، مبرزا أن حتى الأممالمتحدة ومجلس الأمن ومجموعة أصدقاء الصحراء لم يعودوا يرون أي مخرج للنزاع باستثناء الإطار الذي حدده المغرب سنة 2008، والمتمثل في الحكم الذاتي الموسع، حيث يقول التقرير: «(بعد التفوق العسكري)، يمكن قول الشيء ذاته عن المجالين السياسي والدبلوماسي. في هذه المرحلة، من المستحيل إغفال أنه حتى الأممالمتحدة -التي لم تستطع تعيين مبعوث أممي جديد منذ أعلن هورست كوهلر، في ماي 2019، عجزه عن إعادة توجيه المسار التفاوضي- انتهت إلى قبول الإطار الذي حدده المغرب». وأضاف: «لهذا، وكما جاء، يوم 30 أكتوبر الفائت، في قرار مجلس الأمن الذي جدد ولاية بعثة المينورسو سنة كاملة؛ لا توجد أي إشارة صريحة إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير الذي حلت محله عبارة «التسوية بين الأطراف». وتابع: «وينضاف إلى كل هذا، أنه لا أحد من أصدقاء الصحراء (أمريكا والمملكة المتحدة وروسيا وفرنسا وإسبانيا) أبدى رغبة في الرد على ما طرحته الرباط». ويعتقد التقرير أن عدم تعليق هذه الدول على رفض المغرب، مثلا، أن تشمل مهام المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وعَلَى القيام بتمشيط المنطقة وتطهيرها من تجار المخدرات، وعَلىَ مراقبة المنطقة إلى الحدود مع موريتانيا؛ هو في حد ذاته موقف في صالح المغرب. ويرى التقرير أن إسبانيا تعتبر خير نموذج على كسب المغرب المعركة الدبلوماسية والدولية في ملف الصحراء في مواجهة الأطروحة الانفصالية، إذ إنه بعيدا عن جزء من الرأي العام الإسباني المتعاطف مع البوليساريو، فإن الموقف الرسمي يتوافق مع الطرح المغربي، لأن مصلحة مدريد تكمن في «استقرار جارنا الجنوبي بحثا عن تعاونه (معنا) في مجال محاربة الإرهاب ومراقبة تدفقات الهجرة انطلاقا من أراضيه». وفي الوقت الذي لاتزال فيه جبهة البوليساريو تتحدث عن «أقصاف عنيفة» و«هجمات مركزة» وهمية تستهدف بها مراكز ومواقع تابعة للجيش المغربي، أكد تقرير «إلكانوا» أن كل ما تروجه الجبهة هو مجرد خطابات وأساطير تعود إلى فترة الحرب الباردة، حيث إنه لا يمكن بالمطلق مقارنة مجموعة من الميليشيات بالجيش المغربي. في هذا يقول التقرير: «وراء العبارات المنمقة واللغة القديمة التي تستعملها جبهة البوليساريو (الحرب الشاملة، أطراف الحرب، هجمات شاملة)، بعد تنديدها بخرق المغرب وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991؛ يختبئ واقع مبتذل للغاية». وتابع: «واقع يُظهر، باللغة العسكرية، أن ميزان القوى يميل بشكل كلي إلى المغرب، فما لا يقل عن 100 ألف جندي منتشرون على طول 2700 كيلومتر من الجدار الدفاعي الذي يسمح بمراقبة ما يسمى الصحراء النافعة». في المقابل، «بالكاد تتوفر البوليساريو على معدات وأسلحة بالية (فالجبهة فقدت منذ وقت طويل الدعم الذي كانت تحظى به من ليبيا وسوريا...)»، يقول التقرير، مشيرا إلى أن تلك الأسلحة البالية، إن كانت موجودة أصلا، لا يمكن الاعتماد عليها في مواجهة القوات المسلحة الملكية، بل أكثر من ذلك لا تصلح «لتشكيل أي تهديد حقيقي قد يدفع الرباط إلى تغيير استراتيجيتها». وخلص التقرير إلى أن الأممالمتحدة والمجتمع الدولي «على استعداد للقبول بالوضع القائم الحالي، الذي من الواضح أنه في مصلحة الرباط».