تستأثر الانتخابات الأمريكية، التي أفضت إلى فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، باهتمام الرأي العام الأمريكيوالدولي، وهي الانتخابات التي عرفت استقطابا حادا في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحتى خارجها، بين مؤيدي الرئيسدونالد ترامب الراغبين في نيله ولاية ثانية على رأس القوة العالمية الأولى، وبين أنصار حكم الديمقراطيين وطي صفحةترامب، وقد لفتت الانتباه الأسماء التي أعلنها الرئيس المنتخب جو بايدن والتي اقترحها ضمن فريقه في وزارة الخارجيةوالأمن والقومي، وهي أسماء تنبئ بتغير في السياسة الخارجية الأمريكية بعدما تميزت مرحلة ترامب بسيادة الخطابالقومي «أمريكا أولا». كما باقي دول العالم، تابع المغرب باهتمام ما أسفرت عنه الانتخابات الأمريكية، وإن كان فوز المرشح الديمقراطي، جونبايدن، مازال لم يدفع المغرب لإرسال تهنئة رسمية، غير أن الرباط التقطت الأسماء التي ضمها فريقه من زاوية الجسورالتي قد تصب في مصلحة المغرب، وقد تعزز مواقفه في الساحة الدولية. فالسياسة الخارجية الأمريكية مربط الفرس فيالاهتمام الدولي بهذه الانتخابات ونتائجها، وكانت رسالة بايدن وفريقه المقترح لقيادة الدبلوماسية الأمريكية، في ندوتهالصحافية أول أمس، تدور حول جملة «أمريكا عادت»، التي تعلن شعار المرحلة المقبلة، وهي الكلمة المفتاح التي أتتعلى لسان الفريق المعلن، والتي غرد بها بايدن على حسابه في تويتر، هي جملة قصيرة وخفيفة على اللسان، لكن لها ثقلاأكبر من عدد الكلمات في السياسة الدولية، خاصة أنها تلي مرحلة تعرضت فيها صورة الولاياتالمتحدة خارجيا لأضرارمع الرئيس ترامب، بعد انسحابه من منتديات دولية، كقمة المناخ في بداية ولايته، ومنظمة الصحة العالمية في نهايتها،إضافة إلى سلوك خارجي كان يغضب اتجاهات قوية داخل أمريكا، مثل إظهار القرب من رئيس كوريا الشمالية، كيمجونغ أون، وتجاه الرئيس الروسي، وكذا مغازلة الديكتاتوريات في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. أنطوني بلينكن هو الاسم الذي أعلن بايدن أنه رشحه لمنصب وزير خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، وسط خطاب يعلنبداية مرحلة جديدة قوامها العودة للدبلوماسية ولطاولة السياسة الدولية. وجاءت بعض ملامح هذه السياسة على لسانبايدن وفريقه الذي أعلنه، حيث أكد الرئيس، الذي ينتظر أن يدخل البيت الأبيض بعدما بدأت رسميا إجراءات تسليمالسلطة، نية إدارته العمل مع الشركاء، وتغليب كفة السلم وعدم اضطلاع بلاده بدور في حروب لا داعي لها. وقال بلينكن في كلمة له: «لا يمكننا حل مشاكل العالم بمفردنا، نحن بحاجة إلى العمل مع دول أخرى وإلى تعاونها وإلىشراكتها». وكما هي عادة المسؤولين الأمريكيين في الحديث عن أسرهم وأقاربهم، فقد أشار مرشح بايدن، الذي يطمحإلى أن يحظى بموافقة مجلس الشيوخ عليه وزيرا للخارجية، إلى أن له أقارب فروا بشكل مختلف من الشيوعية بالمجر ومنالهولوكوست، وهما كلمتان لهما دلالات تجاه المهد السابق للشيوعية، الاتحاد السوفياتي سابقا وروسيا حاليا، وتجاهجماعات الضغط اليهودية وإسرائيل، فهو الرجل الذي «يبحث عن الفرص»، حسب ما قاله بايدن في كلمته التي قدمهفيها قائلا عنه إنه سيكون جاهزا منذ اليوم الأول. وتحمل التعيينات التي اقترحها الرئيس الديمقراطي بعض التطمينات للرباط بشأن ما قد تسير عليه الدبلوماسيةالأمريكية في اتجاهين؛ اتجاه وزارة الخارجية، حيث تعتبر أوساط مغربية أن بلينكن من أصدقاء المغرب، واتجاه المنصبالوزاري الجديد، حيث رشح الرئيس المنتخب، بايدن، لمنصب مبعوث رئاسي لمواجهة تغيرات المناخ، وزير الخارجيةالسابق، جون كيري، الذي أكد في كلمته أن «باريس وحدها غير كافية»، في إشارة إلى اتفاقية باريس للمناخ التيانسحب منها ترامب فور بلوغه الرئاسة سنة 2016، وقال عنه بايدن إن «كيري لعب دورا مهما في اتفاقية باريس». وأضحى تغير المناخ، الذي يعد التحدي العالمي الجديد، بمثابة ورقة دبلوماسية في يد الدول، والمغرب يلعب هذه الورقةالإيكولوجية، خاصة بعد استضافته «مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ»، أو ما يعرفاختصارا بقمة كوب 22 التي احتضنتها مدينة مراكش. ويتحدث بلينكن اللغة الفرنسية، وسبق أن كان نائب وزير خارجية ترامب، وإضافة إلى حديث أوساط مغربية عن صداقتهللمغرب، فإن اختيار بايدن إياه استبعد احتمالا لا يصب، في الغالب، في مصلحة الرباط، وهو اسم سوزان رايس، التييقترن اسمها في المغرب بقربها من جماعات الضغط الجزائرية، والتي سبق أن توجس المغرب من دورها الذي لم تنجحفيه، وهو محاولة توسيع صلاحيات «المينورسو» لتشمل مجال مراقبة حقوق الإنسان. «أمريكا عادت والدبلوماسية عادت والتعددية عادت»، هي الكلمات التي أكدتها ليبدا توماس غرينفيلد، وهي السيدة التيرشحها بايدن لمنصب سفيرة لدى الأممالمتحدة، وتحمل في حقيبتها خبرة 35 سنة من العمل الدبلوماسي في دولعديدة، ولم تخرج كلمتها عن الفكرة المحورية التي يلوح بها بايدن وفريقه، وهي العودة إلى الساحة الدولية عبر الشراكاتوالتعاون. وإذا كانت جملة «أمريكا عادت» تثير حبور حلفاء أمريكا بوجهها الديمقراطي، فهي تربك أوراق المعجبينوالمستفيدين من سياسة الرئيس الجمهوري ترامب.