منذ أن حملت الظروف الإقليمية التي اندلعت سنة 2011، ومعها حناجر المطالبين بالتغيير، تحت لواء حركة 20 فبرايربالمغرب، الحزب ذا المرجعية الإسلامية ليتصدر الانتخابات التشريعية، ويترأس الحكومة لأول مرة في عهد دستور جديدبرائحة ما يعرف ب"الربيع العربي"، والمشهد السياسي المغربي يعيش تجاذبات حادة. ربح ال"بيجيدي" لعبة مطاردته بأن حولها إلى "مصداقية"، وبسببها يتعرض إلى "الاستهداف" بلغة زعاماته؛ هكذا حولالحجارة التي تلقى عليه إلى "نياشين" يقول إنها لا تصيب إلا من له فعالية ووزن في ميزان السياسة بالمغرب. يتعرض حاليا هذا الحزب لحملة شرسة متعددة الجبهات؛ يشارك فيها قادة أحزاب سواء من الأغلبية أو المعارضة، علاوةعلى نشطاء صفحات "الفايسبوك"، ووسائل إعلام مكتوبة، تُشكك في رصيده الحكومي. كما تستهدف نزاهة ومصداقيةقادته وأعضائه في الحكومة، أو في المجالس الجماعية المنتخبة. وعلى خلاف الانتخابات التشريعية لسنة 2016، حيث جرى تقليص تقنية "العتبة الانتخابية" من 6 في المائة(سنة2011) إلى 3 في المائة، لجأت السلطة مدعومة من معظم الأحزاب، سواء في الأغلبية أو المعارضة، إلى ابتكار تقنيةجديدة وغير مسبوقة في كل الأنظمة الانتخابية في العالم، تتمثل في الدفع نحو اعتماد قاسم انتخابي جديد على أساسعدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، وليس على عدد الأصوات الصحيحة أو المعبر عنها على الأقل. لكن، ألا يخفي سياق الحملة ضد الحزب بعضا من عيوبه في إدارة ولايتين متتاليتين؟ ألم يصبح خطاب الاستهداف عباءةتواري سفور التنازلات عما انتزعته الحركة الديمقراطية في سنة الربيع رغم عدم رضا بعض مكوناتها عن حجم الثمارالتي حملها دستور 2011؟ وبالموازاة مع خطابه حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء دولة الحق والقانونوالمؤسسات، هل ساهمت الممارسة الواقعية للحزب في تقوية أداء المؤسسات والدفاع عن استقلاليتها؟ أم أنه كان يلاعبالعواصف والعواطف معا؟ هل لا يزال خطاب الاستهداف له معنى في واقع يشي بالاستسلام السريع أمام أياديالضغط الخفية والظاهرة؟ وهل لا تزال ل"البيجيدي" قبضة إذا ما ضرب بها على الطاولة ارتبك الجالسون عليها؟ وهلستستفيد الدولة من بقائه على رأس الحكومة أم إن تقهقره سيفسح المجال لمن هو "أفيد" منه لها؟ لقد قدم حزب العدالة والتنمية نفسه للشعب بخطاب يتناغم مع روح الشارع الغاضب والطامح للتغيير منذ أن هبت رياحربيع 2011، وقدم نفسه للماسكين بزمام السلطة كصمام أمان من الانفلات ورجل إطفاء يمسك بين يديه الرشاش الذيسيطفئ لهيب الاحتجاجات. خمدت حركة 20 فبراير ومرت الولاية الأولى التي ترأسها عبد الإله بنكيران، وهو يعبر بغبطةعن نجاحه في إخراس الشارع، لكن انتهى مفعول هذا الخطاب لحظة بداية الولاية الانتخابية الثانية، التي تصدر فيهاحزب العدالة والتنمية المشهد، وكان من قدره أن تزامن في أكتوبر 2016 حدثان طبعا المشهد السياسي في السنواتالأخيرة، حدث فوزه غير المستساغ وحدث مقتل محسن فكري، الشاب بائع السمك، في شاحنة لكبس النفاياتبالحسيمة، وأشعل الحدث الاحتجاجات في أرض الريف كما تشتعل النار في الهشيم، وكان الزمن زمن "بلوكاج" سياسي يتصارع فيه بنكيران لبناء تحالفاته، التي انتهت بإعفائه وتكليف العثماني خلفا له. وطأ العثماني بساط رئاسة الحكومة على أرض مشتعلة بالاحتجاجات، من الريف إلى جرادة إلى واقعة الصويرة، إلىحراك العطش بزاكورة، كان الغضب الاجتماعي يتنامى والشارع يصير منصة للترافع عن الحقوق الاقتصاديةوالاجتماعية من قبل المواطنين(ات)، وكان قدر الحزب أن تحدث في عهده أحكام العشرين سنة في حق نشطاء الريف، وأنيكون من الموقعين على بيان أحزاب الأغلبية التاريخي الذي اتهمهم ب"الانفصال"، ليبارك هذا الحزب ضمنيا أي مقاربةزجرية قاسية تجاههم. من الحراكات الاجتماعية إلى واقع الصحافة وحرية التعبير، ظل المغرب مستقرا في وضعية التراجع في تقارير المنظماتالدولية، ولم يبدِ الحزب مواقف تدين حملة كنس هوامش حرية التعبير، باستثناء تصريحات ومواقف معزولة لبعض قيادييه،الذين يصارعون من أجل حفظ استقلالية آرائهم حتى من ضغوطات الحزب، وهي انتهاكات ومحاكمات تمر في عهدرئاسة الحزب للوزارة المكلفة بحقوق الإنسان، والحديث مع مسؤوليه غالبا ما يجعلهم يحيلون إلى المياه التي تجري تحتالجسر، و"تكبل" الحزب من الإدلاء بمواقف، لكن السياسة الظاهرة، والتي قبل الحزب أن يكون وجها لها، تجعلمسؤوليته المؤسساتية لا تقبل بتحاليل لمياه السياسة الباطنية.