في هذا الحوار مع “أخبار اليوم” يؤكد نور الدين مضيان، القيادي في حزب الاستقلال ورئيس الفريق بمجلس النواب، على مسؤولية الحكومة فيما يعيشه المغرب من وضع متأزم، حيث أعتبر أن الحكومة انشغلت بمشكلاتها الداخلية وتركت مشكلات المواطنين جانبا، كما تحدث عن السباق نحو انتخابات 2021، وتدخل بعض الأطراف في الخريطة السياسية ودعم أحزاب على حساب أحزاب أخرى. كيف تقيم تفاعل الحكومة مع الاحتجاجات التي عرفها الشارع المغربي مؤخرا، والتي كان آخرها احتجاج التلاميذ على الساعة الصيفية؟ احتجاجات التلاميذ هي جزء من الاحتجاجات التي يعرفها المغرب خلال الفترة الأخيرة. واليوم، هناك احتجاجات معلنة وأخرى غير معلنة، وهذه الأخيرة هي التي تشكل خطورة كبيرة على بلدنا. بمعنى أن هناك استياءً عارما واحتقانا اجتماعيا واضحا، لقد أصبح الكل يشتكي في ظل وضعية اجتماعية متأزمة. في حزبنا عبرنا عن مواقفنا في أكثر من مناسبة، خاصة على مستوى مراقبة العمل الحكومي. واليوم، جميع المغاربة يعيشون في حالة انتظار. للأسف، هناك ملفات كبرى ورغم وعود الحكومة، إلا أنها لم تستطع احتواء الوضع. كما نلاحظ، أن هناك تراجعا في القدرة الشرائية، في المقابل لم تعرف الأجور أي تحسن، فضلا عن ارتفاع مستوى البطالة، وأيضا تراجع الاستثمار. انطلاقا من ذلك، فإن هذا الوضع لا يبشر بخير. هذا الوضع الذي تحدثت عنه، هل هو نتيجة للتراجع عن المستوى الحقوقي الذي يعرفه المغرب في الآونة الأخيرة؟ إن ما نشاهده من تراجع على مستوى الاستثمار، والذي يمكن أن يخلق انفراجا اجتماعيا، أدى إلى تزايد في البطالة، فضلا عن إغلاق مجموعة من الشركات الكبرى أبوابها. وحين تأتي مؤسسة رسمية، التي هي المندوبية السامية للتخطيط، وتقول إن الاستثمار عرف تراجعا بنسبة 35 في المائة، فطبيعي أن يؤدي هذا إلى تسريح العمال وإغلاق المعامل وتشريد الأسر. لكن في هذه النقطة ما سبب تراجع الاستثمار؟ هناك من يرجع السبب إلى الوضع السياسي المتأزم الذي تعيشه البلاد، كما أن النفس الديمقراطي الذي كان خلال 2011 لم يعد موجودا؟ السبب الذي ذكرته صحيح، لكن أيضا هناك مشكلات في الإدارة، فلتشجيع الاستثمار يجب وضع آليات والقيام بإصلاحات إدارية حقيقية لتسهيل عملية الولوج إلى الاستثمار. اليوم، لازالت هناك إجراءات معقدة. إذ هناك من كان يتردد سنة وما يزيد على الإدارات المغربية، لكن مع الأسف لم يستطع أن يستثمر. وأنا هنا أتحدث عن الأجانب، أما المغاربة فحدث ولا حرج. كما أنه لا توجد حوافز حقيقية لتشجيع الاستثمار داخل الوطن، سواء في ما يخص الجانب الضريبي أو العقاري أو الإجرائي، بل تبقى فقط على الأوراق. إن الوعود التي نتلقاها منذ سنوات لا تنفذ، وهذا ما يؤكده مستثمرون يتصلون بنا ويقولون لنا “للأسف، هناك تسهيلات في دول أخرى عكس ما يوجد في المغرب”. هل يتعلق الأمر بمستثمرين أجانب؟ الذين أتحدث عنهم هم مغاربة مقيمون بالخارج ويحملون جنسيات البلد المضيف، ويريدون الاستثمار في بلدهم الأم، ولكنهم للأسف، لا يجدون تسهيلات. مثلا، كان من المفروض على الدولة أن توفر لهؤلاء العقار، إذ لا يمكن للمستثمر أن يشتريه وهو يُقدم مجانا في بلدان أخرى لتحفيزه. لكن الحكومة تقول إن التأخر في عدد من الأوراش هو نتيجة لإرث الحكومات السابقة ومنها حكومة عباس الفاسي؟ نحن بدورنا نطرح السؤال التالي: هل يمكن لإرث أن يبقى مستمرا لعشرات السنين؟ الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة السابقة أنهت ذلك الإرث، لذلك هي ملزمة بأن تباشر عملية التصحيح، وذلك بإضافة أي إجراء آخر يسهل عملية الاستثمار. هل الإرث هو الذي تسبب في رحيل وتراجع 35 في المائة من نسبة الاستثمار؟ لنحلل الأسباب بعيدا عما هو إجرائي، ولنذهب مباشرة إلى السبب الرئيس، الذي يعود في نظرنا إلى تراجع منسوب الثقة أمام هذا الاحتقان وأمام الشكوك وعدم الاستقرار. إذ حتى على مستوى الشأن الحكومي، فإن مكوناته غير منسجمة وغير متفاهمة، فكيف سيأتي مستثمر أجنبي إلى بلدنا وهو لا يضمن من “سيحافظ له على رأس ماله على الأقل”. المستثمرون يعاينون الوضع المحتقن ولديهم عيونهم هنا تخبرهم بكل صغيرة وكبيرة، إذ إن سفارات بلدانهم تزودهم بتقارير عما يجري في بلدنا. وحتى حين تقول إنه إرث الحكومة السابقة، فمن المنطقي أن يستمر لثلاث أو أربع سنوات، لكن ليس لولايتين. في رأيك، هل الحكومة الحالية قادرة على الإصلاح أم إن هناك جهات أخرى هي من تتحكم في الوضع؟ أولا، على الحكومة أن تمارس ما يمنحها الدستور من اختصاصات. هل تقصد أن الحكومة لا تمارس اختصاصاتها الدستورية؟ تمارسها، لكن باحتشام. في نظري عليها أن تفرض وجودها، كما على رئيس الحكومة أن يمارس اختصاصاته لأنه مسؤول عن الشأن الحكومي، وعن الوزراء كلهم. كما يجب أن يتدخل لتطبيق البرنامج الحكومي الذي تعاقد من أجله مع الشعب من خلال البرلمان، ويفرضه على جميع القطاعات. نحن اليوم، على قرابة سنتين من عمل الحكومة. ما هي الحصيلة إذن؟ على الأقل كان على الحكومة أن تقدم لنا حصيلة عملها، عوض الحديث عن الإنجازات بشكل شفوي، ونحن نلاحظ ارتفاع نسبة البطالة وتراجع الاستثمار، وفشل الإصلاحات في التعليم والصحة وباقي القطاعات. في هذا السياق، جلالة الملك أشار قبل سنة إلى فشل النموذج التنموي، في المقابل ماذا أعدت الحكومة لتصحيح هذا الوضع. إذ إلى حدود الساعة لم يحصل شيء. لكننا في حزب الاستقلال، وفي ظرف ستة أشهر فقط، أعددنا تصورنا حول هذا النموذج التنموي المأمول، في حين لم تنجز الحكومة بعد أي تصور. للأسف الحكومة منشغلة فقط، بتصفية الحسابات الداخلية فيما بينها، وتبادل الاتهامات التي وصلت إلى درجة تبادل السب والقذف بين مكوناتها، والانسجام الذي هو أساس العمل الحكومي غير موجود. الحكومة الآن ملزمة على الأقل أن تحتكم لميثاق الأغلبية وتوقف هذا العبث. ماذا يمكن أن ننتظر من حكومة لم تستطع حتى أن تصلح فيما بينها؟ فكيف يمكنها أن تصلح شؤون البلاد؟ فلذلك، نحمد لله أن لدينا إدارة قارة وتشتغل. هناك من يقول إن الحكومة دائما تنتظر المبادرة من الملك ولا تستطيع اتخاذها بمفردها، كما هو الشأن بالنسبة إلى النموذج التنموي. إذ إن الحكومة لم تبدأ الاشتغال إلا عندما أعطى الملك الانطلاقة؟ هذا هو المشكل الذي أشرت إليه سابقا. على الحكومة أن تمارس اختصاصاتها وتقتنع أن لديها اختصاصات دستورية واسعة. لكنها في رأيي لازالت غير مقتنعة بأن لها اختصاصات، الأمر الذي يجعل جلالة الملك يتدخل بشكل مستمر في قطاعات مختلفة لتوجيهها ورسم خارطة طريق للعمل الحكومي. مرارا وصفت الحكومة الحالية بأن بداخلها حكومات. ماذا تقصد بذلك؟ الأمر واضح، لأن داخل مكونات الأغلبية كل واحد يشتغل بمعزل عن الآخر، لكن المفروض أن الحكومة لها رئيسُهَا ومنسق العمل. ففي تنزيل البرامج القطاعية من المفروض أن يكون هناك تقاطع بين القطاعات الأخرى، لكن للأسف تجد كل قطاع وزاري يشتغل بمعزل دون استشارة القطاع الآخر. وهذا ما يشكل حكومات داخل حكومة واحدة، الأمر الذي من شأنه عرقلة العديد من المشاريع على المستوى الإقليمي والجهوي. مثلا حين تبرمج الجهة الطريق يقولون هناك برمجة في التجهيز، وحين تذهب إلى التجهيز يقولون عند المجلس الإقليمي، وهكذا. هذا يعني أن توحيد البرامج غير موجود. لذا يجب أن تكون هناك وسائل قارة لتوحيد هذه البرامج وتشتغل بشكل مستمر، كما أن على رئيس الحكومة محاسبة كل مسؤول عن أي قطاع. هناك من يقول إن الحكومة لها رأسان. رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورئيس حكومة فعلي. ما رأيك؟ من دون شك أن على رئيس الحكومة فرض شخصيته وممارسة اختصاصاته، وإذا لم يستطع عليه أن يضع المفاتيح ويقول “إنهم لم يتركوني لممارسة اختصاصاتي”. هناك عدد من الآليات الدستورية تعطيه هذا الحق، لكن إذا دخل معك طرف في الحكومة للتو ويفرض نفسه داخلها، فهذه إشكالية كبرى. وفي هذا الشأن على حزب رئيس الحكومة أن يحاسبه، لأنه هو الرئيس، وهو من يدبر شؤون الحكومة والوزراء، وليس شخصا آخر. لذلك عليه ألا يتخلى عن مسؤولياته تحت أي ظرف كان ولأي طرف لأنه تعاقد مع الشعب. هناك من يقول أنا وزير فقط، أنتظر الإشارات وسأتشاور. مع من سيتشاور؟ وأي إشارات؟ الإشارات هي أن يمارس الوزير اختصاصاته المخولة له دستوريا. هذا ما يدفع الملك للتدخل وتوجيه عدد من المشاريع لأنه يرى الكل يتشاور، وهو غير مطلوب. وزراء الحكومة لا يستطيعون اتخاذ المبادرة أو ممارسة اختصاصاتهم. أتمنى من الحكومة في ما تبقى من عمرها إذا أكملت ولايتها، أن تتدارك مثل هذه الهفوات. هل تقصد أن هناك إمكانية عدم استمرار هذه الحكومة إلى غاية 2021؟ كل المؤشرات موجودة اليوم. وهذا الصراع داخل مكونات الحكومة ما معناه؟ كيف ستشتغل هذه الحكومة في ظل هذا الانشقاق؟ وما هي الرسائل التي نبعثها إلى الشعب المغربي؟ يقول حزب العدالة والتنمية بأن ليس لديه تحالف سياسي مع مكونات الأغلبية، بل لديه فقط، تعاقد حول برنامج حكومي.. أين هو البرنامج الحكومي؟ وما هي الحصيلة المنجزة؟ بالنسبة إلي فكرة الجلوس وتقييم البرنامج الحكومي غير حاضرة عند مكونات الحكومة، إذ كل قطاع يشتغل لوحده ودون تنسيق. على رئيس الحكومة أن يُسائل بشكل دوري وزراءه ماذا حققوا؟ لكن، للأسف هذا لا يحدث. اعطونا نتائج المغرب الأخضر، ونتائج الصناعة التقليدية، وأين نحن من 20 مليون سائح التي قالوا سنصل إليها. في الواقع لم نبرح حتى 10 ملايين مع عد الجالية المغربية في الخارج المقدرة بستة ملايين. وأين حصيلة التعليم؟ فقط الشعارات التي رُفِعت أمام البرلمان الأسبوع الماضي هي الفيصل والحكم على واقع التعليم في بلادنا، وحيث وصلنا إلى تلك الشعارات، فقد انتهى الكلام، كما قال سي بنكيران. للأسف كل سنة نحن نتعاقد على قانون مالي، لكن في الواقع لا ينفذ، بمعنى أننا نضحك على أنفسنا ونروج أرقاما وهمية، ثم لنذهب إلى الأقاليم التي بُرمجت فيها عدد من المشاريع ولم تنفذ. وإذا شُرع في إنجازها تتوقف لأن المقاولات لم تتوصل بحسابها. بمعنى نزرع الأمل والأوهام ونتركها في الطريق، وهنا في هذا المقام يجب ربط المسؤولية بالمحاسبة. في هذه الحكومة كل قطاع يشتغل ب”الحمدلله داز النهار بخير”. وثانيا، الهم المشترك هو التسابق نحو 2021. همّ الحكومة هو من سيربح رهان 2021، حيث تستعمل إمكانية الدولة في الأقاليم من أجل الانتخابات، وتتجاهل البرامج والمشاريع الكبرى، مبررة ذلك بأن هذه محطة وستمضي. منذ أن بدأت هذه الحكومة والحملة الانتخابية تعمل من أجل استحقاق 2021. لذلك، كيف يمكن أن ننتظر إنجازات وحصيلة جيدة والحكومة تشتغل بهذا المنطق. هناك من يقول إن انتقادات حزب الاستقلال للحكومة هي ناتجة عن عدم دخوله الحكومة، والدليل على ذلك أن الحزب لم يحسم موقعه السياسي إلا عند مرور مدة طويلة من تشكيل الحكومة؟ بداية، حزب الاستقلال تحكمه مؤسسات، وجميع قراراته يتخذها المجلس الوطني الذي يعتبر برلمان الحزب، وهذا الأخير هو من قرر في فترات مختلفة عدم المشاركة في الحكومة، لذلك لا يمكن لحزب الاستقلال أن يدخل من النافذة، كما لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يلعب الأشواط الإضافية، ثم في ظل هذا الاحتقان الذي يعيشه المغرب، لا يمكننا أن ندخل هذه الحكومة، لذلك، فالحزب يشتغل بأجندة هادئة استعدادا 2021. هل يستعد الحزب أن يتبوأ المرتبة الأولى؟ سنتبوأ المرتبة الأولى وسندخل الحكومة من بابها الواسع، غير “يبعدو منا” ويبتعدوا عن “الانتخابات”، والذين يدعون أنهم يرسمون الخرائط، فهذا عار عليهم. يفهم من كلامك أنه خلال الانتخابات السابقة تم التلاعب في النتائج؟ كان ذلك واضحا والكل يعلم هذا. حزب لم يمارس السياسة حصل على المرتبة الثانية. هذا لا يقبله عقل. كل شيء واضح، “مندرقوش الشمس بالغربال”، هذا المسار والمكتسبات التي نعيشها من ديمقراطية علينا أن نعززها وألا نتراجع عنها، ونترك الأحزاب تمارس حريتها، وليتنافس المتنافسون. كلنا مغاربة، وكلنا موحدون حول الثوابت والمقدسات. والتدخل في الخرائط السياسية لن يخدم الدولة. من يتدخل في الخرائط السياسية؟ أنت تعرفين من يتدخل في الخرائط السياسة وفي الأحزاب. مع الأسف هذا لا يجب أن يستمر، ونحن لدينا أمل ألا يتكرر ذلك. هل تشعر أن الدولة الآن تجهز حزبها مكان حزب الأصالة والمعاصرة قبل انتخابات 2021؟ كل المؤشرات تقول إن هذا ما سيحدث، لكن نحمد الله أن المغاربة يعرفون ما يحدث، وكل شيء صار واضحا. لكن ما هي هذه المؤشرات التي تقول إن الدولة تجهز انطلاقا منها حزبها؟ سواء أكانت هذه المؤشرات أو لم تكن، الشعب المغرب سيتصدى لكل المؤامرات والخرائط السياسية. الشعب المغربي ليس سهلا. في الأخير كم من محاولات باءت بالفشل، آخرها المحاولة الأخيرة، فشعب القرن ال 21 ليس هو شعب القرن ال 19 وال20. لكن ما هي الأشياء التي تجعل جهات في الدولة لا تريد لحزب الاستقلال أن يكون في المرتبة الأولى؟ لا أعرف. لكن ما نريده فقط، من هذه الجهات هي أن تتركنا، من أجل القيام بالتناوب كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية. هناك دستور واضح في هذه الأمور، وهو لا يتحدث عن “التحكم”، بل يتحدث عن الانتخابات والديمقراطية. لماذا يستبعدونكم، مع أن حزب الاستقلال كان في أغلب الحكومات التي مرت على المغرب؟ حزب الاستقلال لم يحكم في الحكومات السابقة، بل قاد حكومة واحدة لمدة 4 سنوات، وفي الحكومات الأخرى كان مجرد رقم. أما بالنسبة إلى سؤالك فالقضية في نظرنا لا تعود إلى استبعادنا عن ممارسة الشأن العام فقط، بل إنها تكمن في التدخل، لدى ما نريده هو أن يتركونا نمارس الديمقراطية، “غير يبعدو منا”. ونضيف ليتركوا اللعبة الديمقراطية تمارس بين الأحزاب وألا تتدخل أي جهة كانت. أؤكد لك أننا في حزب الاستقلال سنتصدى لأي جهة ستحاول أن تتدخل، لأن الشعب المغربي أصبح واعيا ولن يقول له “الشيخ” أو “لمقدم” أو “القايد” اذهب هنا وسيذهب، إلا نسبة قليلة. وثانيا، الذي يهدد الديمقراطية اليوم، هو استعمال المال واستغلال فقر الناس. والآن، بعض الأحزاب دورها الأساسي هو التنقيب عن أصحاب المال وتوجيههم إلى بعض الكيانات السياسية، كما تم بالنسبة إلى الحزب المعلوم في السنوات الأخيرة. هناك من يقول إن هناك خطرا كبيرا على المغرب إذا استمر زواج المال بالسلطة. ما رأيك؟ زواج المال بالسلطة يحضر في كل مكان، لكن الوضع الاجتماعي والسياسي في المغرب الآن، سيحول دون أن تكون له أية نتائج. صاحب المال عليه أن يتفرغ للاستثمارات عوض السياسة، وصاحب السياسية عليه أن يمارس السياسة، كل واحد ميسر لما خلق. إذا استمررنا هكذا، صاحب المال سيبقى في مفترق الطرق لا هو في المال ولا هو في السياسة، لدى على كل واحد أن يتفرغ لمجاله ولسنا في حاجة إلى جلب أصحاب المال لممارسة السياسة. قلت إن حزب الاستقلال يقاوم الذين يريدون التدخل في شأنه الخاص، لكن خلال انتخابات مجلس المستشارين سبق وأن قلت إن هناك توجهات لدعم حكيم بنشماش.. هل تلقيتم تعليمات بهذا الشأن؟ نحن في حزب الاستقلال لم نتلق أية توجيهات. لكن، هل هناك أكثر من أن الأغلبية صوتت للمعارضة ودعمت بنشماش. كيف للمرء أن يقرأ هذا؟ هل الأغلبية من تلقاء نفسها اتفقت على دعم المعارضة؟ لماذا لم تدعم المعارضة حزب الاستقلال؟ هل تعتقدين أن الأغلبية الحكومية بمحض إرادتها صوتت لبنشماش؟ هذا غير ممكن. وأنتم لماذا سحبتم مرشحكم؟ لأننا لا يمكن أن نقبل المشاركة في لعبة وسخة، ونشارك في معركة معروف فيها أن الأغلبية اتفقت من أجل دعم مرشح حزب الأصالة والمعاصرة. هذا عبث. وهذه الظاهرة لأول مرة نسمع بها، وليس فقط هذا، حتى المعارضة أصبحت تدعم الأغلبية.. طبيعي أن يذهب المغاربة ليموتوا في البحر “حمقوهم” لم يفهموا كيف للأغلبية أن تقوم بحملة انتخابية للمعارضة. هناك لعبة ديمقراطية يجب أن تُحترم اليوم. أنا غدا أنت، وإذا كنت أنا أقوى سأبقى أنا، ليس بالضرورة ستبقى أنت. اليوم، إذا استمر العدالة والتنمية هكذا في هذه “الخلبطة” سيبقى على رأس الحكومة حتى في الولاية المقبلة؟ ماذا تقصد ب”الخلبطة”؟ هذه الخريطة السياسية، والضبابية الموجودة في الحقل السياسي وما وقع في مجلس المستشارين هي رسالة للشعب المغربي للنفور، نقول للشباب مرحبا بكم في الأحزاب، لكن على مستوى الممارسة نبعث رسائل أخرى. هذا هو العبث. هل هناك تنسيق بينكم وبين حزب الأصالة والمعاصرة؟ ليس هناك تنسيق. ننسق فقط، في التصويت على بعض القوانين. لماذا ليس هناك تنسيق بينكما؟ فلكي تكون المعارضة قوية عليكما التنسيق والتحالف.. لم يقرر حزبنا التحالف مع الأصالة والمعاصرة.. لكن على مستوى البرلمان تقتضي الضرورة أن ننسق على قانون ولا ننسق على آخر. ألا تعتقد أن عدم التنسيق يضعف المعارضة، التي من المفروض أن تلعب دورا قويا في مراقبة عمل الحكومة؟ هذا صحيح. في نظرنا عدم التنسيق يعود إلى الولادات والمرجعيات، نحن نتحدث عن حزب لديه 90 سنة الذي هو حزب الاستقلال، وليس 10 سنوات، لدى لا يمكن أن ننسق مع أحزاب نزلت من السماء. يمكن أن ننسق مع الأحزاب التي ولدت من رحم الشعب، هذه هي قناعاتنا ويجب أن نتشبث بها. لكن مستقبلا يمكن أن ننسق مع حزب الأصالة والمعاصرة بعد عمر طويل، إذا استمر طبعا. (يضحك). هناك من يقول إن حزب الاستقلال يضم تيارين، تيار حمدي ولد رشيد، الذي يريد السيطرة على الحزب، وهناك تيار آخر؟ من يقول هذا الكلام يريد أن يصطاد في الماء العكر. حزب الاستقلال حزب المؤسسات، ولدينا اللجنة التنفيذية هي التي تتخذ القرارات، كما أن للحزب أمين عام واحد اسمه نزار بركة، وحمدي ولد رشيد وأي قيادي في الحزب له مكانته، وما يجمعنا هو الحزب. لكن بعض أعضاء الحزب يقولون إن ولد رشيد يشتري الأصوات والمناضلين للسيطرة على كل هيئات الحزب.. الذين يقولون هذا الكلام كان لديهم موقف في المؤتمر، وكانوا مع جهات معينة. لكن هذا ظهر حتى في مؤتمر نقابة الحزب الاتحاد العام للشغالين… النقابة كان فيها الشراط، لكن كان يسيرها شباط. النقابة الآن، صارت تعود إلى مسارها العادي وترمم صفوفها، ونحن اعتبرنا تلك المرحلة مرحلة انتقالية. يعني أن الذين يقولون إن نزار بركة من أضعف الأمناء العامين الذين مروا على حزب الاستقلال كلامهم غير صائب.. نزار بركة نحن من أصرينا عليه، وكان من الضروري أن يكون هو الأمين العام للحزب في هذه المرحلة، الناس يرون نموذج شباط واعتقدوا أن على الأمين العام أن يتحدث كثيرا وبركة ليس كذلك، لا يذهب للإعلام ويقوم بخرجات مثيرة كما كان يقوم بها الأمين العام السابق. لكن بركة لديه مواقفه القوية وعمله. سي محمد بوستة، رحمه لله، سبق له أن شدد في رسالته على التمسك بشباط في الحزب رغم اعتراضه على أن يستمر كأمين عام.. لكن اليوم لا نرى أي وجود لهذا الأخير. لماذا؟ شباط لديه ظروفه الصحية الخاصة وابنه حاضر معنا، لكنه على اتصال وتواصل دائم معنا. ثم إن شباط موجود في الحزب وسيظل فيه لأنه ابن الدار، لذلك لا ننكر الخدمات التي قدمها للحزب. إذ نعتبره مناضلا من طينة عالية، رغم أن هناك بعض الخلافات البسيطة والعادية، وهذا هو حزب الاستقلال. هناك من يقول “الصحون”، أقول لهم وإذا لم تكن “الصحون” في حزب الاستقلال فهو ليس حزبا. هل استطعتم أنتم أن تصلوا إلى الصحون؟” الحمدلله أننا استطعنا أن نصل فقط، إلى الصحون، فحزب الاستقلال حزب جماهيري يشمل جميع الفئات، كما أننا لا نأخذ مناضلينا إلى أماكن خمس نجوم ونطعمهم ب”تريتور” و”النكافات”. إن حزب الاستقلال يسع لجميع الفئات الشعبية. نحمد لله أن أمورنا بخير. هناك من يقول إن مجلس الرئاسة صار ميتا؟ المجلس ليس ميتا، بل الأعضاء الذين كانوا فيه وافتهم المنية.. هل تقصد أنه لم يعد لكم حكماء في حزب الاستقلال؟ كل أعضاء اللجنة التنفيذية حكماء. لكن اللجنة التنفيذية هي لجنة تقريرية.. اللجنة التنفيذية هي أعلى سلطة، والحمدلله أننا لم نصل إلى الحكماء، لكن القانون الداخلي يقول إن اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني هما من يتخذان القرار والحزب متحد ولا نحتاج إلى الحكماء. هناك من يقول إن قيادة الحزب اليوم، لم تعد تريد سماع صوت الحكمة في الحزب؟ ما هو صوت الحكمة؟ وما الذي قمنا به حتى نسمع صوت الحكمة. لا نحتاجها الآن، وحين نحتاج المشورة سنذهب إليهم، الحزب ينفذ أجندته بهدوء بدون بهرجة أو خرجات إعلامية. هل صحيح ما يُقال إن حزب الاستقلال ظل مجرد اسم فقط، وفقد هويته؟ هوية الحزب ثابتة وليس أنا من صنعها، بل صنعها أجدادنا، ومؤتمراتنا تجدد وتحافظ على هوية الحزب، وبرنامجنا وأفكارنا نابعة من مرجعيات الحزب، لدى لا يمكن أن نحيد عن المبادئ التي سطرها مؤسسو الحزب، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نبقى كما تأسس الحزب، بل علينا تجديده. ما رأيك في الأحكام التي صدرت في حق نشطاء حراك الريف؟ للأسف، الدولة اعتمدت المقاربة الأمنية مع حراك الريف وباقي الحراكات لأن الحكومة نهجت سياسة نعامة، فبدل أن تنزل إلى الميدان للتجاوب مع مطالب الشارع، بقيت في مكاتبها في الرباط، وهو ما ترك المواطنين في مواجهة مع رجال الأمن. إن الأحكام التي صدرت في حق نشطاء الريف، من شأنها أن تقوي الحقد الذي تراكم في منطقة الريف منذ الاستقلال، والذي وُرث من جيل لجيل. لدى نقول يجب أن تكون هناك مكاشفة حقيقية، وذلك بأن يعتذر من أذنب في حق الريف، وفي هذا الصدد يحضر حزب الاستقلال لمبادرة في هذا الشأن. نحن نقول إن ما يجب أن يحاكم، هو السياسة الحكومية، لأنها هي التي أنتجت حراك الريف، وهي التي أعطتنا الاحتقان في الشارع المغربي. للأسف تابعنا في الأردن خلال حادثة الفيضانات أربعة وزراء يقدمون استقالتهم، لكن هنا في المغرب يموت المرء بالغرق بالبرد، وبالقطار، المدير لا يذهب، فبالأحرى الوزير. أين هو شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ يجب أن تكون لدينا الشجاعة السياسية. الملك قام بمبادرة عزل بعض الوزراء الذين تورطوا في تأخر برنامج منارة المتوسط، وهي مبادرة جيدة. ألا تعتقد أن العزل بدون محاسبة هو الذي يجعل المسؤولين يستمرون في اختلالتهم؟ هذا ما قلته. جميل أن يتم عزل الوزراء، لكن الأجمل أن تتم محاسبة من تورط في تبديد المال العام أو إعاقة السياسات العمومية، لأن دستور المملكة وضع آليات للمحاسبة. وللإشارة، فإن عددا من الوزراء الذين أعرفهم لا يعرفون حتى لماذا عزلوا؟ يجب أن نعرف لماذا ذهب هؤلاء حتى يكونوا نموذجا للمسؤولين الباقين ولا يكرروا الأفعال ذاتها. نحن نطمح أن يعلم أي مسؤول أن هناك محاسبة في حالة تورطه. هناك من يقول إن الأحكام التي صدرت في حق نشطاء الريف تحاكم استقلالية القضاء وأن قضاءنا غير مستقل. ما رأيك؟ على كل حال، الأحكام كانت قاسية. كان أملنا أن يتمتع القضاء باستقلالية تامة.. يقال إنه بعد انتخابات 2016، عاد “المخزن” بقوة وأحكم قبضته على جميع المجالات وينتقم من التنازلات التي قدمها في 2011. هل تتفق مع هذا الكلام؟ ليس بهذه الدرجة، لكن هذا ما يبدو. لنأخذ فقط، أحداث الحسيمة وجرادة وستتضح الرؤية. في رأينا هذا راجع إلى قتل الوسائط واستهداف الأحزاب وعدم احترام إرادة الشعب. حتى الجمعيات الحقوقية لا تشتغل بالكيفية السابقة والنقابات أيضا. كان من المفروض على الدولة أن تقوي هذه الوسائط، لكن العكس هو الذي حدث.. أملنا اليوم، هو إرجاع الثقة في هذه الوسائط.. لأنه في هذا الوضع القائم ستبقى الدولة وجها لوجه مع الشارع.. مَنْ مِن مصلحته إضعاف الأحزاب وقتل الوساطة؟ الذين يتدخلون من حين لآخر لرسم الخريطة السياسية. هل نحن اليوم في خطر؟ لا. لسنا في خطر. لكن يمكن القول نحن في مرحلة دق الناقوس. في المقابل يجب استحضار جميع الاحتمالات، كما يجب أن نكون يقظين، لكن ليس بمصادرة حقوق الإنسان، بل بتوسيعها، فالكبت الذي يعيشه المغاربة اليوم لا يخدم المغرب.