تابعت مثل جميع المغاربة لائحة الدعم الذي وجه للفنانين وشركات الإنتاج الفني، وتابعت مواقف بعض الفنانين الذين استبعدوا من لائحة الدعم لأسباب غير مفهومة، وكذا بعض الفنانين الذين عبروا عن مواقف تضامنية من خلال التخلي عن الدعم ودعوة الدولة إلى صرفه لمواجهة الجائحة وتداعياتها الاجتماعية، غير أن ما أثارني هو الحملة التي شنت على الفنانين وعلى وزارة الثقافة، واتهامها بالريع. والحقيقة أني لا أحمل أي تصور عن هذا الملف، ولا المعايير التي اعتمدت في الدعم، ولا اللجان التي جرى تعيينها للنظر فيه، فهذا مما يتطلب قدرا كبيرا من الحكامة والشفافية، التي لا يجوز بأي حال تغييبها، وهو مربط الفرس الذي ينبغي أن يتوجه النقد له، وقد أصابت الفنانة لطيفة رأفت في خرجتها لما توقفت على هذه النقطة، وطرحت السؤال عن طبيعة إنتاج شركات بعينها نالت دعما سخيا، وتغييب قامات فنية كبيرة، لمجرد أن جهات معينة لم تعد راغبة في حضورها فنيا بسبب مواقف تنتمي إلى حقل السياسة أو إلى حقل التعبير الحر. البعض من فرط وقوعه تحت دائرة الضغط الفايسبوكي، بدأ يقارن المبالغ ويضخمها ويستخف بمكانة الفنان ويشكك في مبدأ الدعم، وكيف يمكن توجيهه إلى الفنان، كما ولو كان هذا الفنان لا يملك الحق في أن يعيش، بعدما وجهت له الجائحة ضربة قوية أصابت رزقه. والحقيقة أن مناقشة مبدأ الدعم يمثل انحرافا كبيرا، إن لم يكن عنصرية مقيتة موجهة ضد الفنان والأسرة الفنية. فإذا أردنا مناقشة الدعم من جهة المبدأ، فالأنسب أن نفتح الملف كاملا، وجميع الجهات التي وجه لها مال صندوق تدبير مواجهة الجائحة، من الأجراء الذين فقدوا مؤقتا عملهم بسبب الجائحة، ومن كل المقاولات التي دخلت في معادلة الإنعاش الاقتصادي الذي قررت الدولة إطلاق سيرورته، وكذا المقاولات التي تضررت بشكل مباشر، فتوجه لها الدعم لتأمين حياتها ودوام استمرارها مثل المقاولات الصحفية وغيرها. العدل في الموقف، ينبغي أن يناقش ملف استحقاق الفنانين للدعم، من زاوية الضرر، وليس فقط من زاوية الفعالية والإنتاج، إذ ليس من الإنصاف أن ندفع بقطاع مهم في حياتنا الثقافية إلى الموت النهائي بعدما عاش لمدة سبعة أشهر موتته البطيئة، فهؤلاء فقدوا مورد عيشهم، وهم يعولون أسرا، وبعضهم توقفت مشاريعه التي ينفق فيها على كثير من الوحدات الإنتاجية المشاركة، فلم يعد قادرا على أداء مستحقاتهم، فضلا عن الديون المترتبة عليهم. نحتاج إلى ميزان للعدل، نقيس به المواقف، فما قامت به وزارة الثقافة هو ما كان يلزم القيام به من جهة المبدأ، أي دعم الفنانين بصفتهم متضررين كغيرهم ممن ابتلوا بآثار الجائحة وتداعياتها، فإذا حسم المبدأ، يصار بعدها لمناقشة القضايا الأخرى المرتبطة بالحكامة والشفافية، ومعايير الدعم، ومن يستفيد ومن يستبعد، والمعايير التي جرى إقرارها لتوزيع هذه المبالغ. الفرق بين موضوع الدعم من حيث المبدأ ومعايير الدعم كبير، والبعض من فرط رفضه للمبدأ، لم يعد ينظر إلى الحكامة والشفافية ومعايير الدعم ومن هو المستحق للدعم، ومن الذي أقصي منه، مع أن ذلك هو مربط الفرس، وعليه ينبغي أن يتأسس أي نقد منصف وموضوعي. لا يمكن لأي عاقل أن يجادل اليوم، في أن الفنان قد حصل له ضرر كبير، وأنه يستحق الدعم لكي يعيش، لا لكي ينتج ويستمر في الإنتاج، وأن رفض تقديم الدعم له، ليس فقط تعبيرا عن نكران لدوره في المجتمع، بل تعبير سادي عن الرغبة في قتله حيا. لست أدري لماذا لم يتوجه النقد الفايسبوكي للشركات الكبرى، لا سيما في الاتصالات، التي كانت زمن "موازين" تستقطب فنانين من الخارج وتضع بين أيديهم أغلفة مالية خيالية، وهي اليوم باتت المستفيد الأكبر من الجائحة، ومع ذلك لم توجه درهما واحدا لدعم الفنان المغربي الذي يجوع بفعل جائحة كورونا التي أنهت كل الفعاليات الغنائية والفنية. لو تمثلت مثل هذه الشركات قيمة الوطنية، وقدمت دعمها لهؤلاء الفنانين، لما احتجنا إلى دعم وزارة الثقافة، فماذا يشكل رقم مليار سنتيم ونصف بالنسبة إلى هذه الشركات، التي تنفق ضعفها في مهرجان "موازين"، لتستقطب فنانين أجانب، يأتي بعضهم لينزع سرواله ويكشف عورته للجمهور؟